حزن آخر يخيم على مهنتنا…

من جديد أصيب الجسم الإعلامي الوطني برزي فادح آخر برحيل مدير قناة العيون الجهوية الزميل محمد الأغظف الداه، الذي داهمه الموت بالهند، وهو في رحلة للعلاج من مرض عضال.
هذا الرحيل المفجع والصادم، وفضلا عن فقدان مهني كفؤ وإنسان ودود ونبيل في علاقاته وسلوكه، فهو يضع أمامنا تجربة إعلامية وطنية متميزة تتجسد في قناة العيون الجهوية، التي تنتمي لشبكة قنوات الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة.
بغض النظر عن كل ما قيل وكتب في السنوات الأخيرة عن القناة وعن مشكلاتها الداخلية ومعيقاتها، فلا أحد ينكر أن التجربة وضعت منذ البداية في خندق مهني وتنافسي صعب، كما أن الرهانات التي وضعت عليها كانت أكبر بكثير مما رصد لها من إمكانيات وموارد، ومن ثم، فكل ما حققته لحد الآن كان بفضل جدية الزملاء العاملين هناك، وعلى رأسهم المدير المركزي للقناة زميلنا الراحل اليوم.
قناة العيون لم تكن مجرد تلفزة جهوية موكول لها تثمين خصوصيات المنطقة وتراثها الثقافي والحضاري، وإشعاع صورتها العامة وتغطية ما تشهده من أنشطة ولقاءات، ولكن الأمر يتعلق بقناة وضع لها منذ البداية دور سياسي واضح، وصاغت لنفسها مهمات تحريرية تتصل أساسا بسياق النزاع المفتعل حول الوحدة الترابية للمملكة.
والقناة عملت في اتجاه حوض مشاهدين ومستمعين يتميز بتنافس محتد، ليس فقط من لدن إعلام الانفصاليين، ولكن من طرف كل الماكينة الإعلامية للدولة الراعية للانفصال، وتبعا لذلك، اختارت قناة العيون التنافس بعرض محتوى يمتلك المصداقية، ويروج للديمقراطية ولمنظومة مشروع مجتمعي وحضاري وتنموي وديمقراطي…
وخوض هذا التحدي لم يكن أمرًا هينا، ولكنه كان يقتضي وجود قائد أوركسترا متمكن من أدوات المهنة، وأساسا عارف بالمنطقة وأهلها، ويستطيع خلق وإبداع التوليفات والتوافقات اللازمة في بيئة مثل بيئة الأقاليم الجنوبية.
إن قيادة مثل هذه التجربة الإعلامية، هنا والآن، يفرض استحضار طبيعة المجتمع المحلي وتركيبته القبلية والعلاقات السياسية والشخصية والقبلية التي تخترقه، والتي تشهد تبدلات وتحولات باستمرار، إضافة إلى الأخذ بعين الاعتبار ضغط السياقات السياسية والأمنية، وأحيانا المزاج العام كذلك…، وكل هذا ليس سهلا تمثله، فبالأحرى العمل على ضوئه بشكل يومي وطيلة سنوات، وفِي مختلف الخطوات والقرارات.
قناة تلفزيونية مثل قناة العيون تستحق بالفعل منحها ميزانيات مهمة، وتمكينها من العتاد التكنولوجي الضروري، وأيضا الأطقم الصحفية والتقنية والإدارية الكافية، علاوة على آليات قانونية وتنظيمية وإدارية مساعدة لتطوير العمل الإعلامي بمنطق هذا العصر وما يشهده من تنافسية مهولة.
اليوم، إكراما لروح زميلنا محمد الأغظف الداه، لا بد من الاهتمام بمستقبل القناة وتجربتها، والانكباب على تطويرها ضمن ما تقتضيه تطورات معركتنا الوطنية من أجل الوحدة الترابية.
ويمكن أن يتجسد هذا من خلال إيجاد الخلف المناسب للفقيد، تكون لديه الخبرة المهنية والمعرفة المجتمعية والسياسية اللازمة، وأيضا الشخصية القوية والكاريزما المساعدة على تفعيل كل التوافقات الضرورية على أرض الواقع وفِي العمل اليومي.
ومن جهة ثانية، آن الأوان لإيجاد الحلول المناسبة للمشكلات الداخلية التي تعاني منها القناة، والتأسيس لبداية مرحلة أخرى، علاوة على أهمية بلورة وإعمال نموذج تدبيري وقانوني يتيح للقناة التطور والتنافس وتقوية الإشعاع.
وضمن هذه المداخل الإصلاحية والتطويرية، لا بد من تعزيز الموارد البشرية المهنية داخل القناة وعتادها التقني، وجعل هذه التجربة تواكب بفعالية مختلف المسارات التنموية والتأهيلية والديبلوماسية والديمقراطية والمجتمعية في الجهات الصحراوية الثلاث.
صيانة تجربة قناة العيون والانكباب العاجل على تطويرها وحل مشكلاتها التدبيرية والهيكلية والتجهيزية، سيكونان بمثابة تكريم مستحق للزميل محمد الأغظف الداه، وتحية لروحه.
السلام لروح زميلنا سي محمد، والعزاء لأسرته الصغيرة ولنا كلنا.

<محتات‭ ‬الرقاص

[email protected]

Related posts

Top