إذا كانت حكومة عبد الإله ابن كيران قد جاءت في سياق حراك ديمقراطي شبابي توج بإقرار دستور 2011 الذي منح المغرب وثيقة دستورية متميزة، فإن الحديث عن حصيلتها في مختلف المجالات بعد أشهر فقط من انتهاء ولايتها (2012 – 2016) يكتسي أهمية خاصة لاسيما وأن المغاربة كانوا يعلقون عليها آمالا كبيرة في تكريس مسار سياسي إصلاحي.
وتشكل هذه السنة التي تشارف على الانتهاء مناسبة لتقييم حصيلة هذه الحكومة التي عملت على معالجة الاختلالات الاقتصادية واستعادة التوازنات الماكرو اقتصادية ، حيث بادرت منذ توليها على ضمان التعبئة المثلى لموارد الميزانية (تفعيل تدابير الإصلاح الضريبي)، والصرف الأمثل لنفقات الاستثمار، وترشيد نفقات التسيير (تقليص نفقات الدولة، التحكم في نفقات الموظفين، إصلاح نظام المقاصة، إصلاح التقاعد…)، والتحكم في الدين العمومي (تفعيل الاستراتيجية الجديدة لتمويل الخزينة، تعزيز السيولة وتحسين شفافية سوق قيم الخزينة…)، بالإضافة إلى إصلاح المنظومة القانونية المؤطرة لإعداد وتنفيذ قوانين المالية لضمان وقع طويل الأمد على المالية العمومية.
وهكذا نجحت في تقليص عجز الميزانية خلال الفترة 2012- 2016 من 7،2 في المئة إلى 3،5 في المئة من الناتج الداخلي الخام دون اللجوء إلى تقليص حجم الاستثمار، أي نصف نقطة مئوية فوق الهدف المنشود وهو 3 في المئة. كما تراجع هذا العجز دون اللجوء إلى الرفع من الضغط الضريبي، إذ بلغ معدل المداخيل الجبائية 19.2 في المئة من الناتج الداخلي الخام خلال الفترة 2016-2012، مقابل 20.8 في المئة خلال الفترة 2011-2008. ويسجل المنحى ذاته على مستوى عجز الحساب الجاري بالنسبة للناتج الداخلي الخام حيث انخفض خلال الفترة 2012-2016 من 9.2 في المئة إلى 2 في المئة أي بنسبة 79 في المئة. وهكذا ولأول مرة منذ حوالي 8 سنوات، وبفضل الإجراءات التي اتخذتها الحكومة والرامية إلى التقليص التدريجي من عجز الميزانية الى حدود 3.5 في المئة من الناتج الداخلي الخام، استطاعت الحكومة التحكم وضبط وتيرة تفاقم معدل مديونية الخزينة، الذي انحفض بنسبة 8.6 في المئة طيلة مدة ولايتها. كما ارتفع احتياطي العملة الصعبة بأزيد من 60 في المئة ما بين سنتي 2012 و2016 حيث انتقل من 145 مليار درهم إلى 243،2 مليار درهم متم يوليوز الماضي ، ليغطي بالتالي 7 أشهر من الواردات مقابل 4.3 أشهر في السابق.
ومن بين الانجازات الهامة لحكومة عبد الاله ابن كيران في المجال الاجتماعي ،إحداث مجموعة من الصناديق كصندوق التماسك الاجتماعي لفائدة الأشخاص في وضعية إعاقة الذي رصد له غلاف مالي بلغ 50 مليون درهم، وصندوق دعم الأرامل الذي خصص للأرملة مبلغ ألف درهم كتعويض شهري، رغم أن شروط الاستفادة من الدعم لم ترض الكثير، وإرساء التأمين الإجباري عن المرض وتفعيل نظام المساعدة الطبية (راميد) – رغم ما رافق تطبيق هذا النظام من نقاش بسبب مساطره المعقدة- الذي تستفيد منه 3،4 مليون أسرة ، أي ما يعادل 9،2 مليون شخص، مما ساهم في التكفل الطبي بنحو 800 ألف يعانون من أمراض مزمنة تحتاج علاجات مكلفة ماديا، فضلا عن إطلاق ثلاثة منتجات جديدة لفائدة، على الخصوص، المهاجرين والطلبة والمهنيين المستقلين وأصحاب المهن الحرة.
وعملت الحكومة أيضا على الارتقاء بمستوى الخدمات الصحية وتنويعها من خلال اقتناء أربع مروحيات طبية في إطار الاسعاف الطبي الاستعجالي لفائدة العالم القروي وتوزيع 330 سيارة إسعاف مجهزة ناهيك عن خفض أسعار 2740 دواء بنسب تتراوح ما بين 5 و80 بالمئة.
ومما يحسب لهذه الحكومة المنتهية ولايتها ، أنها لجأت إلى إصلاحات هيكلية كان اقتصاد البلاد في حاجة ماسة إليها ، فرفعت الدعم العمومي عن المحروقات لتخفيض العجز في الموازنة، وعمدت إلى إصلاح صناديق التقاعد المهددة بالانهيار، كان من نتائجها رفع سن التقاعد من 60 عاما إلى 63 عاما ، وخفض المعاشات التي يتقاضاها المتقاعدون، علاوة على رفع مساهمة الموظفين في صندوق التقاعد.
لقد أنهت حكومة عبد الاله ابن كيران ولايتها (2012-2016) بتحقيق إنجازات اقتصادية اختلفت بشأنها الآراء، كتعزيز التوازنات الماكرو-اقتصادية، وإجراءات ملموسة في مجال مكافحة الفقر والعدالة الاجتماعية لكن أيضا مجموعة من الاصلاحات المهيكلة كانت بعضها عاجلة وغير شعبية وشجاعة في الآن نفسه.
حصيلة الحكومة.. إنجازات رغم الإكراهات
الوسوم