حفاظا على الشرف والكرامة.. كفاكم استجداء للمناصب والخدمات

غريب أمر هذا الكائن البشري الذي بات مدمنا على التملق والتسول والتوسل من أجل الحصول على حقوق مشروعة أو غير مشروعة. المفروض أنه يتمتع دونا عن باقي الكائنات الحية، بالاستثناء العقلي واللساني. والمفروض أنه العارف والعالم، دونا عن باقي المتزاحمين معه فوق البسيطة، بقيمة ومعنى كلمات، من قبيل الشرف والعفة والكرامة.. غريب كيف أنه أصبح مستعد لمصاحبة الحقارة، والعيش في التفاهة، والانغماس في الذل والهوان، من أجل أن يحصل دون وجه حق على ما هو من حق غيره. أو من أجل أن يحظى بمطالب ومكاسب، هي في الأصل مستحقة. ومن أجل أن يحصل على خدمات، كان من الواجب أن يطالب بها برأس مرفوعة، وبلسان فصيح غير مرتبك ولا متلعثم.
وباء التملق، ترسخ بعقل الإنسان وبات يسيطر على كل أنشطته وتحركاته.. سواء كان مواطنا عاديا، أو مسؤولا.. كان غفيرا أو وزيرا أو حتى حاكما…بعد أن بات (التملق) بديلا للنضال الحقيقي والمثابرة والكفاح و.. وبات مصدرا للتألق والظفر بحقوق مشروعة وأخرى غير مشروعة..
يتملق التلميذ لأستاذه من أجل نيل نقط غير مستحقة. ويتملق العامل لرئيس عمله من أجل الحصول على علاوة أو ترقية أو عمل مريح. ويتملق الوزير لرئيس حكومته أو زعيم دولته من أجل أن يحظى بالعطف المالي واللوجيستيكي و.. ويتملق المرشح في الانتخابات للجهة المسؤولة عن مراقبة تلك الانتخابات، من أجل دعم ترشحيه والمساهمة في حملاته الانتخابية. ويتملق زعيم الدولة لزعيم دولة عظمى من أجل دعم جبروته على شعبه، ودعم استمرار نظامه المستبد. وهكذا انتشر وباء التملق الذي أتى على مفهوم الديمقراطية، وأفرغها من حمولتها. ليتم ملأها بمبادئ وقوانين مزيفة زادت من تعفن أوضاع الشعوب، وكرست مفاهيم مغلوطة لكل ما عاشت تلك الشعوب تدافع من أجل تحقيقه.
عفن التملق، حول الإدارات العمومية إلى مجرد دكاكين، يمكن لأي كان يفتحها ويتاجر فيها، بلا حاجة إلى الكوادر والكفاءات اللازمة للتطوير والإبداع. وجرد الإنسان من وضعه الحقيقي كمحرك لما يدور في محيطه. وجعله مجرد آلة تضاف إلى باقي التجهيزات المكتبية، يتم برمجته وفق أجندات من منحوه تلك الوظيفة أو الخدمة.. ويعمل لصالحهم عن طريق جهاز التحكم عن بعد (التيليكوموند)…
عفن التملق، أفقد التعليم والتكوين أهدافهما، وجعلهما محطات عبور أو جسور ليس إلا، تنتهي بسالكيها إلى الانحراف والبطالة.. فمن تحلى بعفن التملق والصبر الطويل على امتصاص كل أشكال الحقارة، قد يجد له منفذا لطريق الشغل. ومن عاش يلهث وراء حقوقه المشروعة، طال انتظاره. وحرس على ترسيخ مفاهيم الشرف والعفة.. ربما قد تأتيه المنية قبل أن يحظى بتلك الحقوق..
ويبقى المتملق حاضرا بكل دول العالم… مجنسا بكل الجنسيات، متدينا بكل الأديان السماوية والعقائد. لكن درجة انتشار هذا الوباء تختلف من دولة إلى أخرى. ويبقى المتملق العربي والإفريقي حاضرا بقوة. مستعدا لإفراز تملقه بسخاء وصخب دون خجل أو ملل من أجل المال والجاه. ويبقى تملقه لغير العربي أكثر وأشد…         
 
 وباء (التملق) الذي ترسخ في ذهن الإنسان، من أجل التألق ونيل الحظوة التي تكون في الغالب ليس من حقه. لم ينجم عنه فقط التخلي عن مبدأ (وضع الشخص المناسب في المكان المناسب). ولكنه ينتهي كذلك بانتشار وباء ثان، متمثل في (التملص). فإذا كان (المتملق) يحصل على حقوق غيره أو حتى على حقوقه لكن بطرق مهينة. فإن ولي نعمته، ذاك الشخص الذي تملق إليه من أجل الظفر بتلك الوظيفة أو الخدمة أو .. يكون في مرتبة أو درجة أعلى منه مالا أو جاها.  ويترسخ في عقله أن ذاك المتملق، فقد الأهلية والشرعية للدفاع عن مصالحه، ولم يعد ذاك الإنسان الذي يمكن أن يزعجه في عمله أو أن يقف حجر عثرة أمام انشغالاته. وهو ما يمكنه من التملص من أداء واجباته والقصور والتهاون في عمله. وطبعا فالمتملق لا يمكنه محاسبة من كان ولي نعمته. ليتم التحالف والتلاحم بينهما.. والنتيجة نقمة على البلد والشعب.    

بقلم: بوشعيب حمراوي

[email protected]

Related posts

Top