قال محمد الداهي إن الرواية الأخيرة لبنسالم حميش، «جرحى الحياة»، جاءت لمناقشة ثلاث قضايا، أولاها، أن الروائي نبش في حياة المهمشين والسجناء والحمقى، في زمن استبد فيه اليأس في المجتمع المغربي، هذا في الوقت الذي انهارت فيه السرديات الكبرى.
وأكد الناقد الأدبي محمد الداهي خلال تسييره لندوة بالمعرض الدولي للنشر والكتاب بالدار البيضاء، حول هذه الرواية الصادرة عن المركز الثقافي للكتاب، أن بنسالم حميش انتصر في الأخير للأمل والحب والتشبث بالحياة، فضلا عن الأقدار التي غيرت من مجرى النهاية، ومن تم فهي اهتمت بسرديات العلة، وهو الركن الثاني من القضايا التي نوقشت في الرواية.
والمسألة الثالثة، هو اهتمام بنسالم حميش بتيار الوعي، ذلك أنه تسلح بتقنياته للنفاذ إلى الحياة الخاصة لشخصيات الرواية، انطلاقا من القصص المسترسلة والمتفرقة، وهو ما جعل الرواية بدون إطار، إذ يمكن لكل قارئ أن يؤطرها بنفسه.
وليعلل الكاتب والأستاذ الجامعي بكلية الآداب والعلوم الإنسانية محمد الخامس بالرباط هذه الأحكام النقدية قدم مجموعة من النماذج، من خلال شذرات متفرقة في صفحات الرواية، وضح من خلالها أن حميش عكس سيرته الذاتية، وكذا مواقفه من مجموعة من القضايا الاجتماعية في شخصيات «جرحى الحياة».
وأشار محمد الداهي إلى أن الرواية عالجت موضوع الفساد السياسي والتيه الاجتماعي، إلى غيرها من المواضيع التي يمكن أن تترك لدى القارئ في الأخير انطباعا تشاؤميا، بيد أن الروائي حاول أن يكسر هذا الانطباع، انطلاقا من زرع بصيص من الأمل في شخصية يقضان.
والأمل بحسب الداهي، هو عدم الاستسلام للواقع وملء الفراغ وسط كل ما يحيط بنا، خصوصا في صفوف المثقفين الذين ينتابهم اليأس بين الفينة والأخرى، وبنسالم حميش واحد من هؤلاء المفكرين والفلاسفة الذين يحركون قلمهم لكتابة قلقهم على الورق.
وأضاف الناقد الأدبي المغربي أن «جرحى الحياة» تتميز بالتخييل، ذلك أن الروائي عالج الرواية بالرواية، وهو ما اصطلح عليه بـ «الصناعة الروائية» التي تظهر، استنادا إلى معالجة المواضيع الساخنة بأسلوب تخييلي وسردي يهتم بالتفاصيل الجزئية، علاوة على الكتابة ببلاغة لغوية فصيحة.
وعن الفصاحة في الرواية، أضاف محمد الداهي أن قراء حميش اعتادوا على اللغة العربية المتميزة التي يكتب بها أعماله الأدبية، وذلك، من خلال استعمال مصطلحات ومفاهيم ومفردات، يتحسس القارئ عن طريقها عتاقة اللغة العربية، في رواية متراصة البنية.
وخلص الداهي، إلى أن الرواية فيها قليل من اليأس إن لم تكن قريبة إلى التشاؤم، لأنها تنبش وتحفر وتقلب هموم المجتمع المغربي الذي لكل مواطن فيه هموم وجراح لا زالت تؤثث سيرته الذاتية.
ومباشرة بعد المداخلة التقديمية التي حاول من خلالها محمد الداهي أن يقدم للجمهور الحاضر صورة عامة حول الموضوع الذي تعالجه الرواية، جاء دور كاتبها، الذي دافع عن عمله، ونفى أن تكون الرواية تشاؤمية، أو سلبية إلى هذا الحد.
وأوضح بنسالم حميش أن البطل في آخر المطاف، توفي بسبب حادث سير، أي أن موت طبيعي، وليس بأسباب أخرى، مبرزا أن روايته يمكن تصنيفها في التيار الوجودي، نظرا لجعل شخصياتها يبحثون عن حل لهمومهم التي يتخبطون فيها، محاولين الخروج منها بأقل الأضرار.
ونبه حميش قراءه إلى أنه تعمد في الرواية أن يدخل بعض القفشات لتكسير رتابتها، مشيرا إلى أنه كان يضحك ضحكا طنينا (قويا) أثناء وقوفه عند بعض لحظات الحياة العبثية، في محاولة منه لتجنب النسج على منوال واحد حتى لا يحصل الملل لدى قارئ «جرحى الحياة».
وبخصوص الجرح، أبرز الروائي والمفكر الفلسفي المغربي، أنه في مسار حياة كل مواطن هناك جروح، إلا أنها متفاوتة الحدة بين شخص وآخر، غير أن الجرح ثابت، ولا يمكن معالجته على حد قوله «إلا بمفتاح الحب».
وفي تفاعله مع الحضور الذي تدخل في الندوة، ونوه بأسلوبه اللغوي، شدد بنسالم حميش على ضرورة ضبط اللغة، بحيث لا إبداع بدون لغة ولا حياة لمن لا لغة له، مبرزا أن اللغة هي البوصلة التي يعتمدها الروائي في الانتقال من فكرة إلى فكرة، وفي إدارة جمله وفقراته.
> يوسف الخيدر