قالت حنان السرغيني عضو الجمعية المغربية للدراسات والأبحاث حول الهجرة، وأيضا الباحثة في مركز الدراسات والأبحاث في العلوم الاجتماعية في الرباط، إن قضية الهجرة أصبحت منذ سنة 2013 ضمن أجندة الحقيبة الدبلوماسية للمغرب.
ولا تجاري الباحثة فكرة أن المغرب يقوم بدور الدركي أو يخضع للاتحاد الأوروبي، وتشدد على أن الرباط توظف ملف الهجرة بشكل جيد في مفاوضاتها مع الدول الأوروبية، سواء فيما يتعلق بموضوع منح التأشيرات للمغاربة، أو المفاوضات التجارية، أو السياسية.
وتلاحظ السرغيني، في حوارها مع بيان اليوم، أن عملية الترحيل تعتبر من أصعب المراحل في تدبير ملف الهجرة، وأن أرقامها قليلة بين المغرب وأوروبا مقارنة مع عدد التأشيرات القانونية التي تمنح للمغاربة.
وتحدثت الباحثة في شؤون الهجرة واللجوء، عن مجموعة من المواضيع في حوارها مع بيان اليوم، وفيما يلي تفاصيله:
< وضع المغرب سياسة للإدماج واللجوء منذ سنة 2013، ما هو تقييمك لهذه التجربة لحدود اليوم؟
> ينبغي الحديث أوّلا عن السياق، خصوصا على الصعيد الإقليمي والدولي، وبالتحديد خلال مرحلة الربيع العربي في 2011، عندما كثر عدد طالبي اللجوء، الذين تدفقوا على المغرب، خصوصا مواطني سوريا.
ويعتبر المغرب من بين الدول الموقعة على مجموعة من الاتفاقيات التي تحمي حقوق الإنسان عامة، والمهاجرين وطالبي اللجوء خاصة، كاتفاقية جنيف 1951 للاجئين، واتفاقية الأمم المتحدة لحماية جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم لعام 1990، والتي أعدّ المغرب في نطاقها أول تقرير للجنة الأمم المتحدة عام 2012 ، التي أبدت ملاحظاتها بهذا الخصوص في شتنبر 2013، ونوهت من ناحية بالمجهود الذي بذل في مجال حقوق الإنسان.
ومن ناحية أخرى، أبدت ملاحظات حول تعرّض المهاجرين الأفارقة من أطفال صغار ونساء، للاعتداء والقمع والترحيل، بمعنى أنها انتقدت وضعية المهاجرين الأفارقة بالمغرب من حيث شروط عيشهم بين المواطنين المغاربة.
وبفعل مشاكل الهجرة غير النظامية على المستوى الإقليمي والوطني، تم تبنّي سياسة خاصة بالهجرة واللجوء بقيادة الملك محمد السادس، عقب خطابه في 6 نونبر 2013 بمناسبة الذكرى 38 للمسيرة الخضراء، وكذلك خلال خطبه في مؤتمرات الاتحاد الإفريقي التي تتحدث عن موضوع الهجرة.
ومنذ سنة 2013 إلى اليوم، أصبح موضوع الهجرة أجندة في الحقيبة الدبلوماسية للمغرب على مستوى جميع المنتديات الدولية، ويسوق لها كسياسة إنسانية جديدة، تتماشى مع دستور 2011 ومع المواثيق الدولية التي صادق عليها، كالميثاق الدولي لجنيف لسنة 1956، الذي يدعو إلى حماية حقوق اللاجئين. واتفاقية الأمم المتحدة لحماية جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم لسنة 1990، واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، ثم اتفاقية حقوق الطفل. فجميع هذه الاتفاقيات تشير في بنودها إلى ضرورة حماية حقوق المهاجرين.
ورغم التصديق على هذه الاتفاقيات، نلاحظ تعرض المهاجرين وطالبي اللجوء للمضايقات والاعتداءات، بالنظر إلى أنهم يكابدون مآسي إنسانية. ولهذه الاعتبارات، يمكن القول إن تدبير هذا الملف يظل أمرا صعبا للغاية.
< يقوم المغرب بمجهود كبير في مراقبة حدوده للحد من تدفق المهاجرين غير النظاميين نحو أوروبا، ما الذي يربحه من هذا الملف مقابل هذا المجهود، خصوصا وأنه يقبل أيضا بترحيل مهاجريه؟
> يواجه الاتحاد الأوروبي تحديات ملموسة في التعامل مع معضلة الهجرة غير النظامية، بالنظر إلى أن الدول الأوروبية لم تتفق على صيغة معينة لتدبير الملف في تقسيم عدد اللاجئين بين دول الاتحاد، مما يجعل الدول الموجودة على الحدود الأوروبية هي من تتحمل تداعيات تدفق المهاجرين واللاجئين.
وعلى مستوى المقارنة، تبنى المغرب تنفيذ استراتيجية لا تحاكي الاستراتيجيات المتبّعة من قبل بقية دول الجنوب في إدارة قضايا الهجرة. ويأتي هذا الاستثناء نتيجة لطبيعة المفاوضات بينه وبين الاتحاد الأوروبي، إذ وضع مجموعة من الشروط، ومنها على سبيل المثال، أن المغرب هو أوّل بلد متوسّطي وقع اتفاقيات مع عدد من دول الاتحاد في يونيو 2013. هناك مثلا إعلان مشترك لتدبير الهجرة والتنقل الذي يخول للرباط الاستفادة من مجموعة من الامتيازات، من بينها تسهيل تنقلات المغاربة بطريقة شرعية بالزيادة في عدد التأشيرات لفائدة الطلبة المغاربة، والشركاء الاقتصاديين، والسياح، فضلا عن ضرورة منح الحقوق الكاملة للمواطنين المغاربة بأوروبا.
واستنادا إلى الأبحاث التي أجريتها بشأن مفاوضات المغرب مع الاتّحاد الأوروبي بخصوص ملف ترحيل المهاجرين، فإن المغرب أبرم اتفاقيات مع كل من فرنسا وإسبانيا وألمانيا، بخصوص ترحيل البالغين والقاصرين أيضا.
لكن عند التدقيق في أرقام الذين تم ترحيلهم، يتبين أنها نسبة ضعيفة بالمقارنة مع عدد المغاربة الذين يحصلون على التأشيرة من قبل التمثيليات الدبلوماسية الفرنسية والإسبانية. ويعني هذا أن كفة المغرب هي الرّاجحة بغض النظر عن قبوله بالترحيل الذي يأتي في إطار “المقابل” أو المعاملة بالمثل.
ويعدّ المغرب ثالث بلد يحصل مواطنوه على أعلى عدد من التأشيرات الفرنسية، بمجموع 022346. تأشيرة خلال 2019، مقابل 334.019 تأشيرة في 2018. وهذه نقطة مهمة ينبغي تحليلها ومقارنتها للخروج بخلاصات عوض اتّهام المغرب بالقيام بدور الدركي، وخضوعه لأجندة الاتحاد الأوروبي.
وإذا ما تحدثنا عن إسبانيا حيث يوجد حوالي 16 ألف قاصر مغربي حسب الإحصائيات المتداولة، فقد منحت للمغاربة 194.175 تأشيرة خلال 2018. ويعني هذا ارتفاعا كبيرا منذ سنة 2001 إلى 2018 في منح التأشيرة لفائدة المغاربة دون إغفال بقية دول الاتحاد كألمانيا وإيطاليا.
وخلال 2020، حصل أكثر من 10 آلاف طالب مغربي على التأشيرة لإتمام دراستهم في الجامعات الفرنسية، برغم تداعيات وباء كورونا، مقابل 11.289 خلال سنة 2019.
وبالعودة إلى موضوع ترحيل المغاربة من أوروبا، لا أحبذ الحديث عن الترحيل بشكل فضفاض، بقدر ما ينبغي الحديث عن صعوبة ترحيل الأطفال القاصرين أو غيرهم لأنه يتم بموجب قرار قضائي يستعصي إصداره من الجهات المعنية. أيضا مسألة تحديد الهوية والأعمار الحقيقية للمهاجرين القاصرين غير النظامين نظرا لأنهم لا يحملون وثائق رسمية تشمل معلومات مفصلة حول الشخص. ويبقى الحل أن تلجأ السلطات إلى التصوير بالأشعة لعظامهم من أجل تقدير سنهم.
ومن جانب آخر، يتعين على الدول الأوروبية، بموجب مواثيق القانون الدولي، توفير ظروف الاندماج لهؤلاء الأطفال الذين يجب أن توافق أسرهم على عودتهم. لهذا السبب، لا يتم ترحيل القاصرين بشكل دائم.
وفي السياق ذاته، يخصص الاتحاد الأوروبي تأشيرات عمل لفائدة المغاربة، في اليونان، وفرنسا، وإسبانيا. ونلاحظ أن حكومة مدريد تقبل عددا جيدا من العاملات المغربيات لقطع الغلات في الحقول الزراعية، وهي مبادرة ترمي إلى التخفيف من البطالة في المغرب.
ويتم تنظيم هذه التأشيرات وفق اتفاقية خاصة بين المغرب وإسبانيا، ابتدأت في 2001، واستفادت أواخر هذه السنة حوالي 4 آلاف و156 امرأة من تأشيرات للعمل في حقول الفراولة بإسبانيا.
ويلاحظ أن عدد التأشيرات القانونية في هذا الصدد في تزايد من ألفين و549 تأشيرة عام 2012، إلى 15 ألف و114 تأشيرة خلال سنة 2018، بل وصلت إلى 19 ألف و179 تأشيرة خلال سنة 2019.
وتشتغل النساء في الحقول، بـ 41.2 أورو لليوم، مع التصريح بهن في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، فضلا عن توفير التأمين الصحي لهن، ومنحهن يوم واحد كإجازة أسبوعية.
وبالرغم من الانتقادات التي تطال هذه التأشيرات بحكم شروط العمل الصعبة في الحقول، إلا أنها تبقى وسيلة للحد من البطالة، وهي عقود عمل يتم التوافق حولها بين الوكالة الوطنية لإنعاش التشغيل والكفاءات (ANAPEC)، والجمعيات المهنية الإسبانية المكلفة بانتقاء العاملات المغربيات.
والملاحظ أن المغرب يوظف ملف الهجرة أيضا أثناء مفاوضاته مع الاتحاد الأوروبي في الشق الاقتصادي والفلاحي ومجال الصيد البحري، إذ أن مسلسل المفاوضات يبقى مفتوحا بشكل مستمر.
والمثال يحضر في آخر بروتوكول، المتعلق باتفاق الصيد البحري، عندما تمكن المغرب من فرض إدراج سواحل أقاليمه الجنوبية في الاتفاق الثنائي، وبمساعدة إسبانية، وهذه قيمة مضافة بالنسبة للقضية الصحراوية.
إلى جانب ذلك، استفاد المغرب بشكل كبير من برنامج “ميدا” للاتحاد الأوروبي، الذي يهم أساسا الإصلاح الإداري وتعزيز البنيات الطرقية ومجال التطهير، وذلك منذ سنة 1996 إلى 2001، ومن سنة 2002 إلى 2004.
وحصل المغرب من خلال هذا البرنامج على مستوى دول البحر الأبيض المتوسط، على ميزانية 426 مليون أورو، من بينها 70 مليون أورو لتأهيل مناطق الشمال، إذ بعد هذا التأهيل الذي هم النشاط الاقتصادي بالجهة انخفض معدل الهجرة، وهو من بين الأسباب التي أدت إلى انتقالها نحو جنوب المغرب، وهو الآن في طور مشاوارات لتأهيل المناطق الجنوبية.
< لماذا يشكل المغرب الوجهة المفضلة للمهاجرين غير النظاميين للدخول نحو أوروبا، على عكس الدول المغاربية الأخرى؟
> يبحث المهاجرون دائما عن الطريق الأسهل للوصول إلى أوروبا. والمغرب من بين البلدان التي يفضلها المهاجرون، نظرا لقربه من القارة العجوز، ثم لكونه آمنا بالمقارنة مع بعض الدول التي تنشط بها مافيات تهريب البشر، والتي تعتدي عليهم.
يتم استرجاع بعض المواطنين المغاربة غير الشرعيين المقيمين في دول الاتحاد الأوروبي بمقتضى اتفاقيات ثنائية بين المغرب وهذه البلدان. غير أن الرباط ترفض التوقيع على اتفاق مع اللجنة الأوروبية يسمح بترحيل المهاجرين الأفارقة نحو المغرب، بحجة أنهم هاجروا منه. لهذا ترى الرباط في إمكانية إبعادهم عن الحدود مسألة مواتية بالمقارنة مع السماح بترحيلهم من أوروبا.
وبعد التشديد الأمني على الحدود بين المغرب ومدينتيه سبتة ومليلية السليبتين، أصبحت شبكات الهجرة تبحث عن منافذ جديدة، وانتقلت نحو جنوب المغرب، وتستعمل وسائل التواصل الاجتماعي في البحث عن ضحاياها، وهو ما يعني أن أساليب الهجرة تطورت في السنوات الأخيرة.
ونلاحظ أن الهجرة غير النظامية انخفضت على مستوى سبتة ومليلة. غير أنّنا نجد العديد من الأطفال الصغار مشردين في المدينة حيث يصعب ترحيلهم من قبل الإسبان نحو المغرب.
< قررت ألمانيا مؤخرا ترحيل المهاجرين السوريين إلى بلادهم، وتبحث باقي الدول الأوروبية عن توقيع اتفاقيات لترحيل المهاجرين، ألا تلاحظين بأن أوروبا تتملص من تحمل مسؤوليتها في معالجة هذا الملف على المستوى المحلي؟
> يعتبر موضوع الهجرة من بين القضايا الاجتماعية والثقافية المعقدة، لأن أي بلد يستقبل المهاجرين بأعداد كبيرة سيثير الخشية على استقرار هويته الثقافية. فديموغرافيا البلاد تتجدد، وتثير مضاعفات متعددة، فيما يرتبط وضع الدولة على استقرار الهوية الوطنية. ولا تقبل أي دولة أن تتساهل في تغير هويتها، وتفتح أبوابها للمهاجرين.
وعلى سبيل المثال، إذا كان تدفق المهاجرين بشكل كبير على أوروبا، فأكيد أن الهوية الثقافية لدولها ستندثر مع مرور الزمن، خصوصا وأن نسبة الولادات في أوروبا منخفضة جدا، إلى جانب وجود ارتفاع في معدل الشيخوخة، فضلا عن فتحهم الباب لزواج المثليين.
ولقد أثار استقبال المهاجرين في ألمانيا مشاكل عدة لحكومة برلين التي بدأت في ترحيل السوريين، بعد الانتقادات الشديدة للمعارضة الألمانية. فقد ازدادت نسبة الجرائم التي يرتكبها الأجانب بعد سنة 2015، وذلك في ظل تملص دول الاتحاد من تحمل المسؤولية بشكل مشترك.
الهجرة بالمفهوم الأوروبي هي قضية أمنية بالأساس وتقوم بالتصدي لها عبر مجموعة من الاتفاقيات المندرجة تحت لواء الشراكة الأورو-متوسطية وتنمية بلدان الجنوب كالمغرب، تونس، الجزائر، ليبيا، السنغال… والمغرب من الدول الرابحة مقارنة بدول العبور أو المصدرة للهجرة الأخرى حيث يعتبر شريكا متقدما للاتحاد الأوروبي على مستوى التعاون والمبادلات التجارية واٍلاقتصادية خصوصا مع فرنسا وإسبانيا وكذلك بالنسبة لعدد التأشيرات التي يستحوذ عليها مواطنيه كما سلف الذكر، ثم استفادته من الدعم الأوروبي، لهذا نرى أجندته قوية في الملف.
< ما هي القيمة المضافة لسياسة المغرب في مجال الهجرة على المستوى الإفريقي؟
> استطاع المغرب من خلال سياسته في مجال الهجرة أن يضع لمسته الخاصة داخل الاتحاد الإفريقي، عندما نجح في استضافة مقر المرصد الإفريقي للهجرة الذي يعتبر مكسبا له ضمن السياسة التي يتبعها الملك محمد السادس إزاء بقية أفريقيا.
فضلا عن ذلك، استضاف المغرب المؤتمر الدولي السنوي للهجرة والتنمية في 2018، بعد تنظيمه في 2017 بألمانيا، والتي أبانت عن مسؤوليتها في تدبير ملف الهجرة داخل الاتحاد الأوروبي باستقبالها حوالي مليون نازح سوري.
ويعزى نجاح المغرب في استضافة المنتدى إلى ما بذله في سياسة تسوية وضعية العديد من المهاجرين وطالبي اللجوء، وأيضا لحكامته في تدبير الملف على المستوى الإفريقي، إذ صادقت دول العالم على الميثاق العالمي للهجرة بمراكش.
ورغم الجهود المبذولة لإدماج المهاجرين وأبنائهم وسط المجتمع المغربي، خصوصا في مجال التعليم والصحة، يبقى موضوع تشغيل المهاجرين أمرا يصعب تفعليه، بالرغم من إرادة المغرب في هذا الإطار، إذ أنّ سوق الشغل لا يسمح بذلك، خصوصا وأن نسبة البطالة مرتفعة في صفوف مواطنيه.
والمقاربة الأمنية للسلطات المغربية تجاه المهاجرين الأفارقة ما هي إلا استراتيجية لإبعادهم عن الحدود الأوروبية التي يلتزم بمراقبة حدودها. ولا يمثل استقبالهم تهديدا للمغرب، حيث يذكرنا باستقباله منذ زمن طويل اليهود، إذ لم يتخوف يوما عن هويته الثقافية، ويحتضن مجموعة من الهويات المختلفة، والتي تقدر حاليا بأزيد من 100 هوية يلاحظ تعايشها وسط مجتمع واحد.
< حاورها: يوسف الخيدر
تصوير: أحمد عقيل مكاو