خالد الناصري ظل طيلة حياته ملكا للآخرين يعطي معنى حقيقيا للالتزام

غادرنا إلى دار البقاء، مساء أول أمس، الأربعاء، المناضل السياسي والحقوقي والفقيه الدستوري، الرفيق خالد الناصري أحد قيدومي حزب التقدم والاشتراكية، وأحد أعمدته البارزين.
يعد الراحل، الذي وافته المنية بعد معاناة مع المرض والذي واجه محنته بكثير من الصبر والشجاعة، من أبرز المناضلين التقدميين الأوائل المؤسسين الذين ساهموا في ترسيخ قيم اليسار في المجتمع المغربي، وكرس حياته للدفاع عن دولة الحق والقانون، والديمقراطية والمساواة والعدالة الاجتماعية.
فقد كان الرفيق خالد الناصري قيد حياته ملكا للآخرين، وكان يعطي معنى حقيقيا للالتزام الحزبي، وكان حريصا على التمسك بمواقفه وأفكاره النيرة والوطنية التي تشربها من مدرسة حزب التقدم والاشتراكية، فقد كان صريحا وصادقا فيما يقول، وكانت حياته مليئة بالعطاء كمناضل سياسي وحقوقي.
انخرط منذ شبابه في العمل السياسي حيث التحق في وقت مبكر بالحزب الشيوعي المغربي كمناضل شاب بخلية كلية الحقوق بالدار البيضاء، في ستينيات القرن الماضي، ثم مناضلا قياديا في حزب التحرر والاشتراكية وحزب التقدم والاشتراكية الذي انتخب عضوا بلجنته المركزية سنة 1975 وبديوانه السياسي سنة 1995.
وكان الفقيد من أبرز المساهمين في الاجتهادات الفكرية والسياسية التي بلورها حزب التقدم والاشتراكية منذ بداية تسعينيات القرن الماضي، وساهم في وضع مجموعة من المفاهيم السياسية التي أغنت قاموس العلوم السياسية ببلادنا، وأغنت مختلف أطروحات المؤتمرات الوطنية للحزب، التي واكبت مسار انفتاحه وتجدره في المشهد السياسي الوطني.
كان رحمه الله رجل دولة بامتياز وإحدى القامات الوطنية البارزة، والمحامي، والخبير القانوني، والفقيه الدستوري، والوزير والسفير، والكاتب والإعلامي، والمثقف المتميز، فقد تقلد الراحل طيلة مساره الحافل مسؤوليات رسمية عدة، أبرزها وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة ما بين 2007 و2012، كما كان يشغل منصب سفير المملكة بالأردن منذ سنة 2018، إلى حين وفاته.
فقد ولد الراحل سنة 1946 بمدينة الدار البيضاء، ودرس بها إلى أنحصل على الإجازة في الحقوق من كلية العلوم القانونية والاجتماعية والسياسية سنة 1969، قبل أن ينال شهادة الدراسات العليا في العلوم السياسية من كلية الحقوق بالرباط سنة 1970.

و التحق بمهنة المحاماة مع بداية السبعينيات، حيث كان مسجلا بنقابة المحامين بالدار البيضاء، قبل أن يتوقف عن ممارسة هذه المهنة سنة 1974 ليستأنف دراساته العليا بفرنسا، حيث حصل في (جامعة باريس II) على دبلوم الدراسات العليا في القانون العام سنة 1975، والتحق سنة 1976 بسلك التدريس بكلية الحقوق التابعة لجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء.
وفي سنة 1984، حصل الراحل خالد الناصري على دكتوراه الدولة في القانون العام من (جامعة باريس II) بميزة حسن جدا، ثم استأنف ممارسة مهنة المحاماة من سنة 1986 إلى سنة 1996، حيث ترافع في قضايا عدة مرتبطة بالدفاع عن الحقوق والحريات.
وفي هذا السياق، كان شغوفا بالنضال الحقوقي ، وكان واحدا من مؤسسي المنظمة المغربية لحقوق الإنسان إلى جانب الأستاذ عمر عزيمان، وكان عضو مكتبها الوطني وتحمل مسؤولية رئاستها ما بين سنة 1990 و 1991.
الراحل خالد الناصري واحد من المناضلين الكبار الذين فقدهم الوطن والحزب، وفقد معه رجل “الثقة بامتياز، ورجل الأخلاق النبيلة العالية، ورجل الصداقة والمودة في كل مظاهرها الشخصية والعائلية والرفاقية، رجل أعطى للسياسة معناها الحقيقي بكل نزاهة واستقلالية” على حد تعبير الزميل الصحفي الحسين الشعبي، الذي قال أيضا إنه فقد مناضلا صارما في الموقف لكنه لين الطباع، محلل مقنع ومنصت جيد، رجل مرح يحب النكتة والدعابة، محاضر جيد ورائع، كاتب ملتزم وممتاز، محلل صحافي عميق، خطيب لامع وجذاب..” ع لروحه الطاهرة السكينة والرحمة والسلام.. ولأسرته وحزبه وأصدقائه خالص العزاء، ولنا جميعا جميل الصبر والسلوان… إنا لله وإنا إليه راجعون.

****

مصطفى عديشان عضو المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية : فقدنا الصديق والأستاذ والمناضل الاستثنائي

تعرفت على الفقيد الرفيق خالد الناصري أيام الشبيبة المغربية للتقدم والاشتراكية في بداية ثمانينيات القرن الماضي، كان مؤطرا للقاءات الوطنية التي كان المكتب الوطني آنذاك ينظمها، وكانت محاضراته بمثابة دروس تكوينية لجيل من المناضلات والمناضلين الشباب الذين التحقوا بحزب التقدم والاشتراكية.
وتظل أهم اللحظات التي توطدت فيها علاقة الفقيد بمجموعة أزرو المعتقلين السياسيين المعروفين بمجموعة 28 أثناء مرحلة محاكمتنا بالمحكمة الابتدائية عين عودة بمكناس، حيث كان محاميا ومنسقا بين كل المحاميات والمحاميين الذين آزروا المجموعة من هيئات الدار البيضاء والرباط ومكناس وفاس، محامون متطوعون ومناضلون كان همهم هو الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الانسان والمحاكمة العادلة في سنوات الجمر والرصاص وبالضبط سنة 1984، وكان حضوره القوي وتجشمه عناء السفر من الدار البيضاء رفقة أسماء مرموقة في هيئة الدفاع من رفاق ومناضلين ديمقراطيين آخرين، بمثابة متنفس كبير لنا كمعتقلين، وكانت مرافعاته القوية تظهر بالواضح والعقل أن ما تعرضنا له هو اعتقال تعسفي، مبني على محاضر وهمية من خيال الضابطة القضائية آنذاك التي كانت تعتمد على الفصل المشؤوم، كل ما من شأنه، لتكيف المحاضر برؤية تصفية حسابات سياسية مع حزب التقدم والاشتراكية آنذاك، وكان الفقيد بصوته الشجي وعمق مرافعاته يحبس أنفاس المحاكمة ليظهرها بأنها محاكمة صورية لا تخدم المسلسل الديمقراطي الذي انخرطت فيه البلاد وكان حزب التقدم والاشتراكية من المنخرطين فيه بقوة.
واستمرت تلكم العلاقة الرفاقية الراقية مع الفاضل سيدي خالد الناصري، بعد خروجنا من السجن، لنواصل معا مسيرتنا النضالية سواء في جانبها الحقوقي والسياسي، وعشنا معا سواء داخل المكتب السياسي للحزب الذي التحقت به سنة 2006، مراحل عديدة من الكفاح والنضال والتنقل الى الفروع الحزبية، حتى المرحلة التي كان فيها وزيرا في حكومة عباس الفاسي، اشتغلت معه في ديوانه، وكنت دائما استنير بتوجيهاته وأستفيد من تجربته الغنية والكبيرة.
فقدت فيه الصديق والأستاذ والمناضل الاستثنائي والخدوم، وفقدنا في حزب التقدم والاشتراكية أحد الركائز الاساسية التي عشنا معه كيف كان صلبا ومثقفا ثوريا ورزينا.
رحمة الله عليه.

****

كريم تاج عضو المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية :  سنفتقد في الحزب خالد الناصري المنظر المنتج للأفكار والمفاهيم والتصورات التي تنير طريق النضال

خالد الناصري المناضل الفذ والوطني الغيور الذي كرس حياته للدفاع عن الحق والعدل والديمقراطية والحرية. خالد الناصري المناضل الألمعي ذو التكوين العلمي المتين، وصاحب المسار والتجربة السياسية الغنية المتعدد المواهب، صاحب الأخلاق الرفيعة والذي ناضل طيلة حياته على جبهات متعددة، وتحمل مسؤوليات نضالية ومهام رسمية أبلى فيها البلاء الحسن سواء كعضو بالمكتب السياسي للحزب لولايات متعددة. وكرئيس مؤسس للمنظمة المغربية لحقوق الإنسان، وكمدير للمعهد العالي للإدارة، وكوزير للاتصال ناطقا رسميا باسم الحكومة او كسفير للمغرب بالأردن قبل أن يختطفه الموت منا بعد صراع طويل مع المرض أبان فيه الفقيد عن شجاعة قل نظيرها.
سنفتقد في الحزب خالد الناصري المنظر المنتج للأفكار والمفاهيم والتصورات التي تنير طريق النضال، سنفتقد خالد المحب للحزب المدافع عنه بكل قوة، سنفتقد خالد صاحب القلم البليغ والخطيب المفوه، سنفتقد خالد المقبل على الحياة، المناضل المتفائل المنفتح الممارس للاختلاف بود ورقي قل نظيرهما.
وداعا أيها الخالد… وعزاؤنا لهشام وعثمان ولوالدتهما ولشقيقك صلاح ولكل أفراد العائلة ولكل رفيقاتك ورفاقك وزملائك. إنا لله وإنا اليه راجعون.

محمد حجيوي

Related posts

Top