خبراء يؤكدون على ضرورة دعم التنوع الإيكولوجي والبيئي ويحذرون من مخاطر الإجهاد المائي

أجمع عدد من المختصين والخبراء في علوم البيئة والتنوع البيولوجي على أن هناك حاجة للاهتمام بشكل أكبر بالتنوع الإيكولوجي والبيولوجي على المستوى الوطني، وكذا على المستوى العالمي، خصوصا في ظل المتغيرات المتسارعة التي يعرفها العالم على هذا المستوى وما يرتبط بالتحولات المناخية.
وأضاف المتدخلون في لقاء نظمه حزب التقدم والاشتراكية، أول أمس الثلاثاء، حول “الموارد الطبيعية بالمغرب بين التنوع وسؤال الحكامة والاستدامة” أن المغرب يتميز بتنوع غني على مستوى المواد الطبيعية وعلى مستوى التنوع البيولوجي والجيني لعدد من الكائنات الحية، مشددين على أن هذا التنوع يحتاج إلى مواكبة وتثمين من أجل حمايته من الانقراض.
وأبرز المختصون والخبراء في المائدة المستديرة التي نظمها حزب التقدم والاشتراكية احتفاء باليوم العالمي للتنوع البويولوجي، والتي سير أطوارها الصحفي محمد حجيوي أن هناك حاجة إلى الأخذ بعين الاعتبار التحولات المناخية والتي لها تأثير مباشر على مختلف الكائنات الحية والتنوع الجيني والبيولوجي بالعالم عموما وبالمغرب خصوصا، علما أن المغرب من ضمن الدول التي تأثرت بالتغيرات المناخية بحدة أكبر.

نبيل بنعبد الله: حزب التقدم والاشتراكية ملتزم بالدفاع عن قضايا البيئة ويضعها في صلب اهتماماته

في هذا السياق، قال محمد نبيل بنعبد الله الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية إن القضايا الإيكولوجية أضحت أكثر أهمية من أي وقت سابق، لا سيما مع ما يشهده العالم من متغيرات مناخية.
وشدد بنعبد الله على أن حزب التقدم والاشتراكية يعطي أهمية كبرى لقضايا البيئة والإيكولوجيا، التي أصبحت جزءا من أدبيات الحزب، بحيث أن مختلف وثائق الحزب تقدم رؤية الحزب لهذا المجال الأساسي والحيوي، وآخرها وثائق المؤتمر الوطني الـ11 المنعقد ببوزنيقة نونبر الماضي.
وأكد بنعبد الله على أن قضية البيئة هي قضية آنية خصوصا في ظل تنامي القلق من قبل المواطنات والمواطنين نتيجة تزايد الكوارث الطبيعية والتقلبات المناخية، مشيرا إلى أن الأقلية فقط مستعدة لتبني الممارسات فعلية لمواجهة التحديات والحفاظ على الكوكب والتنوع البيئي.
ولفت بنعبد الله إلى أن حزب التقدم والاشتراكية يضع قضية البيئة في صلب اهتماماته، وقضية أساسية، مشددا على أنه كحزب يساري وبمرجعيته الفكرية يؤمن بضرورة بذل الجهود والتفكير المشترك والمساهمة من موقعه في إبراز النقاش حول قضايا البيئة وإيجاد حلول مستدامة لأزمة البيئة والمناخ.
ونبه بنعبد الله إلى أن المغرب مثل الكثير من دول العالم في مقدمة البلدان التي تواجه مخاطر التغيرات المناخية واختلال التنوع البيئي والطبيعي، خصوصا ما يتعلق بالماء التي تراجعت موارده بشكل مهول.
وقال الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية إن المسألة المائية تحتاج إلى عقلنة الاستهلاك وإلى اتخاذ إجراءات جدية للحفاظ على موارد البلد المائية وعدم استنزافها بشكل يضر الحاضر والمستقبل، خصوصا في الميدان الفلاحي والصناعي، داعيا إلى مراجعة عدد من السياسات في هذا الصدد.
إلى ذلك، دعا بنعبد الله إلى ضرورة فتح نقاش عمومي وجدي من أجل البحث عن حلول المثلى في إطار سياسة إيكولوجية وبيئية وموجهة نحو المستقبل، وتأخذ بعين الاعتبار الحفاظ على الموارد المائية والجوفية المتوفرة من أجل أجيال المقبلة وحماية حقهم في الماء.
فرح بوقرطاشة: وزارة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة تضع برنامجا وطنيا لحماية وتثمين الأوساط البيئية

من جهتها قالت فرح بوقرطاشة الكاتبة العامة لوزارة الانتقال الطاقي إن الوزارة تعمل من خلال مجموعة من السياسات العمومية على ضمان تنوع الموارد الطبيعية للمغرب والحفاظ على هذا التنوع وتثمينه، لاسيما في ظل التحولات المناخية والتحديات البيئية المطروحة على هذا المستوى.
وأضافت بوقرطاشة في كلمة لها بالنيابة عن ليلى بنعلي وزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة أن هناك عددا من مشاريع القوانين التي تعمل الوزارة على إخراجها من أجل المساهمة في الحفاظ على هذا التنوع، ومن ضمنها مشروع قانون لحماية التنوع البيئي وهو مشروع يهدف إلى تنظيم شروط وإجراءات الحصول على الموارد الجينية على الصعيد الوطني وضمان التقاسم العادل والمنصف لاستخدام الموارد الطبيعية، بما فيها جميع المعارف التقليدية المرتبطة بها.
ومن أجل تأهيل والمساهمة في المحافظة وحماية الأوساط الطبيعية، كشفت المتحدثة أن وزارة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة وضعت برنامجا وطنيا لحماية وتثمين الأوساط البيئية الذي يهدف إلى تأهيل وحماية أكثر من 35 موقعا ذا أهمية بيولوجية، وكذا المواكبة التقنية والمادية للجماعات الترابية في مجال تأهيل المناطق الخضراء، تنمية السياحة القروية وشبه حضرية المستدامة، تحسين وتدبير المواد الطبيعية وتعزيز المحافظة على التنوع البيولوجي على المستوى الترابي.
كما كشفت بوقرطاشة أن هذا البرنامج يروم أيضا تعزيز التربية البيئية والتوعية والتحسيس، مشيرة إلى أن هذا البرنامج تشتغل عليه الوزارة منذ سنوات وتضع كل سنة اعتمادات مالية تمنح للجماعات المحلية من أجل تأهيل المواقع البيئية.
ولفتت المسؤولة بوزارة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة إلى أن حجم الاستثمار الخاص بهذا البرنامج بلغ إلى حدود عام 2022 حوالي 622 مليون درهم، منها 217 مليون درهم مساهمة من الوزارة، حيث أن تفعيل هذا البرنامج يتم بشراكة مع الجماعات الترابية والقطاعات المعنية.
وبالنسبة للمشاريع الجديدة المبرمجة بين 2023 و2025، الخاصة بهذا البرنامج الخاص بتثمين وحماية التنوع البيئي، أبرزت بوقرطاشة أن الوزارة خصصت اعتمادات تناهز 94 مليون درهم.
أمنية حمي: التنوع البيولوجي الذي يتمتع به المغرب يواجه كثيرا من الضغوطات التي تهدده

من جهتها، قدمت أمنية حمي رئيسة شعبة علم الحيوان والإيكولوجية الحيوانية بالمعهد العلمي بالرباط، عرضا مفصلا حول التنوع البيولوجي بالمغرب وتحديات التدبير والمحافظة، والتي تطرقت من خلاله إلى ما يتمتع به المغرب من تنوع بيولوجي جيني والذي يشمل النوع الواحد، سواء على مستوى النباتات أو الحيوانات والموارد الوراثية والأنواع الاستثنائية من عدد من الكائنات.
وأفادت حمي أن المغرب يعرف تراثا وراثيا لا جدال فيه للعديد من الأنواع والأصناف المزروعة والنباتات العطرية والطبية، فضلا عن وجود العديد من أصناف الزيتون والتين واللوز والكروم ونخيل التمر والزعفران والعديد من الأصناف التي تتكيف مع الظروف المناخية للبلد.
وشددت رئيسة شعبة علم الحيوان والإيكولوجيا الحيوانية بالمعهد العلمي بالرباط أن هذا التنوع البيولوجي الذي يتمتع به المغرب يواجه كثيرا من الضغوطات التي تهدده، وفي مقدمتها التزايد السكاني، والاستعمال المفرط للأراضي مما يؤدي إلى تدهورها وفقدان الموائل وتجزئتها مما يتسبب في اختفاء الأنواع والسلالات والأصناف.
كما لفتت حمي إلى أن الاستعمال المفرط للأسمدة والمبيدات، والزيادة في النفايات الصلبة والسائلة بالقرى والمدن الصناعية يؤدي إلى مزيد من التلوث، وبالتالي ضغوطات تهدد هذا التنوع البيولوجي، بالإضافة إلى التأثيرات المرتبطة بالتغيرات المناخية وارتفاع نسبة ثنائي أكسيد الكربون في الجو.
وعموما، أكدت المتحدثة أن العالم يعرف الكثير من المتغيرات والضغوطات التي من شأنها أن تؤثر على التنوع البيولوجي، بحيث كشفت أن أزيد من 42 ألف نوع مهدد بالانقراض حسب الاتحاد العالمي للحفاظ على البيئة.
إلى ذلك، قالت حمي إن اتخاذ العديد من الإجراءات للحد من التهديدات التي تعرفها النظم البيئية ومحاولة إصلاح الضرر الناجم عن أخطاء الماضي أضحى ضروريا، متابعة أن ذلك يتم من خلال مراعاة القيمة الاجتماعية والاقتصادية للتنوع البيولوجي وخدمات النظام الإيكولوجي في عمليات التخطيط القطاعية والإقليمية وفي القرارات السياسية المرتبطة بحوكمة الحفاظ على التنوع البيولوجي.
كما أضافت المتحدثة أن من بين الإجراءات للحد من التهديدات التي تعرفها النظم البيئية تشریع وسن القوانين وتفعيلها وذلك بالتسريع بإخراج المراسيم التطبيقية لحماية النظم البيئية والحد من الاستغلال البشري، فضلا عن تعزيز التآزر بين نقاط الاتصال لمختلف الاتفاقيات والاتفاقات المتعددة الأطراف بشأن البيئة من خلال إنشاء إطار تشاور متعدد القطاعات وتوطيده.
ودعت الخبيرة في علم الحيوان والإيكولوجية الحيوانية إلى تقييم أسباب تآكل التنوع البيولوجي وإبراز تأثيره على رفاهية الإنسان، وكذا إنشاء محميات طبيعية لتشجيع الحفاظ على التنوع البيولوجي، وترميم الموائل الطبيعية، وكذا الحد من النفايات عبر التقليل من الاستهلاك، ثم وضع برنامج وطني للتحكم في الأنواع الغريبة الغازية ومكافحتها، وضمان الحفاظ على البذور المحلية وحق المزارعين في الاحتفاظ بالأصناف التقليدية واستخدامها وتسويقها.

سعاد الحجاجي: المغرب ضمن 20 دولة مهددة بالإجهاد المائي نتيجة التغيرات المناخية

من جانبها، قالت سعاد الحجاجي نائبة عميد كلية العلوم بالرباط ورئيسة اللجنة العلمية للائتلاف المغربي للماء إن هناك خطرا داهما يهدد الموارد المائية على المستوى العالمي وبالمغرب الذي يعد من ضمن الدول الذي يواجه أزمة الماء نتيجة التغيرات المناخية.
وأوضحت الحجاجي أن المغرب ضمن 20 دولة مهددة بالإجهاد المائي نتيجة التغيرات المناخية الأخيرة، منبهة إلى مخاطر حالة الإجهاد المائي في المغرب وآثاره على تطور التنوع البيولوجي في البلاد.
وأشارت الحجاجي إلى أن المغرب عرف خلال السنوات الأخيرة وخصوصا منذ 2021 قلة التساقطات وندرتها، ما أدى إلى انخفاض مقلق في احتياطات السدود بنحو 89 بالمئة بالمقارنة مع المعدل السنوي الذي كان يسجل في السابق.
وسجلت الأستاذة والخبيرة في الموارد المائية أن هذه الحالة قد تستمر لسنوات بفعل التغيرات المناخية، حيث قالت إن التساقطات المطرية حسب مجموعة من الدراسات تسير في اتجاه تنازلي، إذ من المقرر أن يستمر خلال السنوات القليلة المقبلة، ما يعني استمرار وتفاقم أزمة ندرة المياه في المغرب.
وربطت الحجاجي بين ندرة الماء في المغرب وطريقة استخدام هذه المادة واستنزافها، خصوصا بالقطاع الفلاحي التي قالت إنه يستهلك ما يزيد عن 80 بالمئة من الموارد المائية بالمغرب.
وشددت المتحدثة على أن المغرب يواجه في نهاية المطاف موارد مائية محدودة، بسبب جغرافيته القاحلة وشبه القاحلة، وكذا مع التراجعات التي تعرفها التساقطات، التي وإن وجدت لا تكفي في كثير من الأحيان لتلبية الاحتياجات المائية المتزايدة للسكان والزراعة والصناعة.
وبالنسبة للموارد المتاحة حاليا، لفتت رئيسة اللجنة العلمية للائتلاف المغربي للماء إلى أن هذه الموارد يتم استغلالها بشكل مفرط، خاصة المياه الجوفية نتيجة التوسع في الزراعة المكثفة من خلال مخطط المغرب الأخضر ووضع زراعات لا تناسب البيئية المغربية وتستنزف الثروات المائية من قبيل الأفاوكادو وغيرها من الزراعات المستهلكة للمياه.
إلى ذلك دعت الحجاجي إلى ضرورة اتخاذ مجموعة من الإجراءات لمواجهة شبح العجز المائي والإجهاد الكلي، عبر إدارة الموارد بشكل مستدام، من خلال الحد من التلوث واستخدام المياه بشكل معقول ومعالجة واستخدام المياه التقليدية عبر تحلية مياه البحر، ومراجعة مجموعة من الأنواع الزراعية المستهلكة للماء.
كما دعت إلى تعزيز تقنيات الري الجديدة الفعالة وتنويع مصادر المياه، بما في ذلك من خلال تحلية المياه وإعادة استخدام مياه الصرف الصحي واستعادة مياه الأمطار.

دليلة الأوديي: يجب إشراك الجماعات الترابية في التفكير الإيكولوجي والقيام بخطوات استباقية لحماية موارد البلاد

بدورها، قالت دليلة الأوديي عضوة المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية ورئيسة لجنة القضايا الإيكولوجية إن دعم التنوع البيئي مسألة أضحت ضرورية، وأصبحت تفرض نفسها، مشيرة إلى ضرورة أن يتم الأخذ بعين الاعتبار هذا المعطى ضمن السياسات العمومية.
وتوقفت الأوديي في كلمتها عند الدور المهم والأساسي الذي من الممكن أن تلعبه الجماعات الترابية في هذا الصدد، حيث قالت إن هناك ما يزيد عن 1500 جماعة ترابية، أقل من خمسها حضرية، فيما الباقي جماعات ترابية قروية، مضيفة أن هذه الأخيرة تبقى بعيدة عن القضايا الإيكولوجية والتنوع البيئي، ودورهما في التنمية خصوصا بهذه الجماعات.
ودعت الأوديي إلى ضرورة الاشتغال على هذا الجانب، من خلال الاشتغال مع المنتخبين مهما كانت انتماءاتهم السياسية من أجل تسليط الضوء على الأهمية الإيكولوجية وضرورة دعم التنوع البيئي وتثمين الموارد الطبيعية للبلاد، مشيرة إلى أن هذا الأمر يهم جميع المغاربة ولا يخضع للمزايدات السياسية أو شيء من هذا القبيل، وشددت على ضرورة العمل بشكل تشاركي والتعاون بين الجميع على هذا المستوى.
البيئة هي مسألة لا يمكن الانتظار إلى الانقراض واستنزاف الثروة لأن الحلول حينها مستحيلة وتنعدم لأن ما حدث قد حدث بالفعل على عكس الوقت الراهن الذي تظهر فيه المؤشرات وهناك وقت كافي للإصلاح والقيام بخطوات استباقية.
وأوضحت رئيسة لجنة القضايا الإيكولوجية بحزب التقدم والاشتراكية أن هذه الخطوات الاستباقية تأتي في قلب السياسات المحلية في علاقتها بالسياسات الحكومية في عمل التقائي يأخذ بعين الاعتبار ضرورة حماية الموارد الطبيعية للبلاد وتثمينها، والنهوض بالتنوع البيولوجي والجيني وحمايته.
إلى ذلك، خلص المتدخلون في ذات اللقاء الذي حضرته عدد من الفعاليات الأكاديمية والمختصين والباحثين في علوم البيئة، إلى ضرورة مراجعة السياسات العمومية والأخذ بعين الاعتبار سؤال الإيكولوجية ضمنها، وتثمين وحماية الموارد الطبيعية للبلاد وفي مقدمتها الموارد المائية وذلك لحماية حاضر ومستقبل البلاد، والحفاظ على الثروات الطبيعية للأجيال القادمة.

< محمد توفيق أمزيان
< تصوير: رضوان موسى

Related posts

Top