وضع جلالة الملك مفهوم:»الجدية»في مرتبة المنهجية والسلوك وأسلوب العمل والتدبير بالنسبة للسياسة والاقتصاد والمجتمع و… الدولة، وفي مختلف تجليات ومتطلبات النبوغ المغربي، ولم يتركه مجرد سلوك فردي ينحصر في المعاملات اليومية بين الناس، والمعنى الأخلاقي. لقد تكررت كلمة:»الجدية»كثيرا في خطاب العرش، وبرزت كشعار ملكي للمرحلة، وكشرط مؤسس لخارطة الطريق المستقبلية، وبدت أنها الحاجة الضرورية اليوم لبلادنا، أي أن:( المغرب في حاجة إلى… المعقول)، كما يعنيه التعبير المغربي الدارج، أي… (الجدية). خطاب العرش2023، وبعد أن كان جلالة الملك قد أطلق، طيلة سنوات عهده الأربع والعشرين، العديد من البرامج وأوراش الإصلاح والتأهيل والتحديث، جاء مشددا على أن النجاح في كل تلك المبادرات الملكية، وتحقيق أهدافها والغايات منها، يفرض التقيد بالجدية و»المعقول»والإخلاص في القيام بالواجب وربط المسؤولية بالمحاسبة. جلالة الملك استدعى في متن خطاب العرش بعض النجاحات والانتصارات التي حققها المغاربة في الرياضة والصناعة والابتكار وغيرها، ليبرز قيمة (الجدية)ودورها في إنتاج التفوق، وانطلق من ذلك ليدعو إلى الالتزام بذات القيمة والإصرار عليها في كل المهمات الوطنية الأخرى: السياسة، الإدارة، الديبلوماسية، الاقتصاد، التنمية…، لافتا إلى أن المشروع الملكي الإصلاحي والتحديثي لا يمكن أن ينجح من دون:» المعقول». وهنا تكون»الجدية»ليست مجرد مفردة موضوعة ضمن سردية الانتشاء أو الخطابة أو إطلاق الوعود والشعارات، وإنما الغاية والمعنى أن تكون سلوكا وحرصا، فرديا وجماعيا، يتصل بالتنفيذ والإنجاز والتقييم والمتابعة، ويرتبط بإحداث الآثار الملموسة على واقع البلاد وحياة الناس، وبالتالي يؤسس لانطلاق دينامية مجتمعية وعامة تتجلى في السياسة والتدبير والإدارة والاقتصاد، وتبرز في الحياة الوطنية اليومية بكل مستوياتها، وتكون مذهب الكل في الحياة والعمل، وأن تشمل جميع المجالات. «الجدية» إذن في خطاب العرش كانت دعوة وتوجيه ملكيين تهمان المستقبل وخارطة طريق المرحلة المقبلة، أي أن من يتولى المسؤولية العمومية (حكومة، فعاليات سياسية ، إدارة، اقتصاد، مؤسسات وقطاعات مختلفة، ديبلوماسية…)، يجب أن يقوم بدوره على أحسن ما يرام، ويحرص على إتقانه وأن يخلص فيه، وأن يمتلك الكفاءة والاستحقاق لتوليه، وأن يفكر، أثناء قيامه بالواجب، في المصلحة العامة أولا، وألا يستغل المنصب لتصفية حسابات ضيقة ذاتية أو غيرها، أو لتحقيق التسلق الشخصي أو الابتزاز أو سوى ذلك. هذا هو المعنى المستقبلي المفتوح على انتظارات المغاربة وتطلعهم إلى تقدم بلدهم وتنميته وديموقراطيته، وهنا يجب أن يحس الفاعل السياسي والاقتصادي والإداري، وخصوصا الحكومي، أنه المعني أولا بإعمال توجيهات جلالة الملك على أرض الواقع بشكل ملموس. كما أن إلحاح الملك على تأطير كامل خطاب العرش بمفهوم وقيمة:»الجدية»، يحيل أيضا على وعي جلالته بوجود عمل جار في البلاد، لكن من دون إكماله أو إتقانه أو إنجازه بالجدية المطلوبة، وهو ما يفسر أجواء الالتباس والقلق وسط المجتمع، ومن ثم الدعوة الملكية إلى إعلاء الجدية في كل مستويات الأداء العمومي، وتقوية دينامية إتقان العمل وربط الفعل التدبيري والتنموي بالنتيجة والنجاعة والفاعلية وإحداث الأثر الملموس. البلاد في حاجة إلى… «المعقول»، هذا هو النداء الملكي اليوم.
<محتات الرقاص
