ألقى الوزير الأول أمام غرفتي البرلمان تصريحا حكوميا حول حصيلة حكومته في منتصف ولايتها، وستشرع المؤسسة التشريعية في مناقشته، من دون أن يعقب ذلك أي تصويت. من دون شك أن مثول عباس الفاسي أمام البرلمان يأتي وسط انتقادات توجه هنا وهناك للحكومة ولعملها، وحملات تستهدف شخص الوزير الأول أحيانا، بالإضافة إلى انتشار خطابات العدمية وتبخيس كل ما له صلة بالسياسة وبالأحزاب، ومن ثم فقد كان طبيعيا أن تعمد الحكومة إلى “خطاب مضاد”، وهو ما تجسد في الاستعراض المفصل لما أنجز في مختلف القطاعات، مع اهتمام أقل بتفاصيل الأفق السياسي الذي يؤطر التوجهات المستقبلية للحكومة.
استعراض تفاصيل المنجز الحكومي، والتأكيد على أن الحكومة تمكنت من التحكم في أجندتها والتزاماتها، وأنها انخرطت في مجموعة من الأوراش الكبرى، وأن الاقتصاد الوطني حقق أداء جيدا بالرغم من الظرفية القاسية للأزمة الاقتصادية العالمية، كان هو مضمون الرسالة الجوهرية الأولى لخطاب عباس الفاسي أمام البرلمان.
من جهة أخرى، إن حرص جلالة الملك على “المنهجية الديمقراطية” في تعيين الوزير الأول من الحزب الذي احتل المرتبة الأولى في الانتخابات، جعل الهاجس الانتخابي، بطريقة أو بأخرى، حاضرا لدى عدد من الأحزاب، وبالتالي فإن الاستعداد لاستحقاق 2012، في الواقع، انطلق منذ تشكيل الحكومة الحالية، سواء وسط الهيئات السياسية سعيا نحو المراتب الأولى، أو وسط قيادييها لإيجاد مواقع، وهذا الواقع لم يكن غائبا عن خلفية الخطاب، عندما شدد الوزير الأول على تخليق العمليات الانتخابية، وتحصين المكتسبات، وإعادة الاعتبار للشأن السياسي “حتى يكون المغرب هو الفائز السياسي الأول في استحقاقات 2012 “، وهنا تجسدت رسالة أخرى وجهها خطاب الوزير الأول.
وارتباطا بهذه الرسالة، تضمن الخطاب رسالة ثالثة مضمونها أن الحكومة التي تصر على إنجاح إصلاحات بنيوية لن تبرز جدواها في المدى القريب، هي بعيدة عن الهاجس الانتخابوي.
أما الرسالة الرابعة في الخطاب فيمكن أن نضع لها “الثقة” كعنوان، وأيضا كدعوة من الوزير الأول إلى المغاربة بالثقة في بلدهم وفي مستقبله، وهذا يتجلى من خلال استعراض الإنجازات وربطها منهجيا بالظرفية الاقتصادية العالمية الصعبة، وأيضا بما تضمنه التصريح الحكومي لسنة 2007 من التزامات وأهداف، مع التنبيه إلى ضرورة استمرار اليقظة تجاه تواصل تداعيات الأزمة…
وعندما تحضر إنجازات مختلف القطاعات الحكومية في خطاب الوزير الأول، فإن ذلك يحيل على حرص على إبراز البرنامج الحكومي وليس الشخص صاحب الخطاب، وفي نفس الوقت دعوة البرلمانيين والمراقبين إلى مناقشة مضامين الخطاب وتفكيكه، بدل حملات استهداف الأشخاص، وهنا رسالة أخرى لجعل جلسات مناقشة التصريح الحكومي لحظة سياسية عالية المستوى تقدم فيها أفكار وتحاليل ورؤى، وتصورات مضادة.
لنتابع…