خطر الانتحار على الفرد والمجتمع.. مدينة الخميسات نموذجا

بر ظاهرة الانتحار من الظواهر الاجتماعية المأساوية والمعقدة التي تمس حياة الأفراد داخل المجتمع، إذ تتداخل فيها عدة عوامل منها الاجتماعية والنفسية والبيولوجية.

فالانتحار هو فعل يهدف إلى إلحاق الضرر بالذات وبالتالي وضع الشخص حدا لحياته عمدا بمختلف الطرق والوسائل.

وشكلت ظاهرة الانتحار إحدى التحديات والإشكاليات الاجتماعية الكونية التي أثارت اهتمام العديد من علماء الاجتماع والمحللين النفسيين وعلماء الدين بدراستها وفهمها من مختلف جوانبها لكونها تمس جميع الفئات العمرية ذكورا وإناثا.

وحسب تقديرات منظمة الصحة العالمية تفيد بأن المغرب يعد من الدول التي تسجل نسبا مرتفعة للانتحار في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، إذ ارتفع معدل الانتحار ليصل إلى 7.2 لكل مائة ألف نسمة كمعدل متوسطي، حيث سجل في وسط الذكور 9.7 مقابل 4.7 وسط الإناث لكل مائة ألف نسمة، مما جعله يحتل المرتبة الثانية بعد مصر في قائمة الدول العربية من حيث معدلات الانتحار.

إن مدينة الخميسات ليست بمعزل عن هذه الظاهرة حيث سجلت أرقاما مقلقة وملفتة للنظر خاصة في الآونة الأخيرة مما جعلنا ندق ناقوس الخطر بسبب هذه الأرقام المسجلة خلال شهري يوليوز وغشت من سنة 2024، مما يفرض علينا طرح عدة تساؤلات منها:

ما هي الأسباب والدوافع الرئيسية لهذه الظاهرة بمدينة الخميسات؟

ما هي الحلول الممكنة لتحصين الأشخاص دون السقوط في فخ الانتحار؟

الأسباب والدوافع الرئيسية لهذه الظاهرة بمدينة الخميسات

لفهم أسباب ودوافع ظاهرة الانتحار فإنه لابد من الوقوف على أهم الدراسات السوسيولوجية التي عالجت هذه الظاهرة وما قدمه المحللون النفسيون وعلماء الدين.

إن أهم علماء الاجتماع الذين اهتموا بدراسة الانتحار دراسة مستفيضة نجد السوسيولوجي الفرنسي إميل دوركايم من خلال كتابه “الانتحار” سنة 1897، واعتبر أن الانتحار ليس سلوكا فرديا وإنما ظاهرة اجتماعية لها مسببات اجتماعية محضة.

ومن خلال كتابه “الانتحار” فإن دوركايم قسم الانتحار إلى أربعة أنواع:

1- الانتحار الأناني

ويحدث الانتحار الأناني عندما يكون الفرد غير مندمج في المجتمع، وقد يكون هذا بسبب العوامل التالية:

– العزلة الاجتماعية: عندما يكون لدى الفرد عدد قليل من الروابط الاجتماعية، فإنهم يكونون أقل عرضة للحصول على الدعم حينما يواجهون الأزمات.

– الفردية المفرطة: عندما يركز الفرد على نفسه واحتياجاته الخاصة، فإنه يكون أقل عرضة للالتزام بالمعايير الاجتماعية.

– التغيير الاجتماعي: يمكن أن يؤدي التغيير الاجتماعي السريع إلى الشعور بالاغتراب والضياع، مما قد يؤدي إلى الانتحار.

2- الانتحار الغيري

يحدث هذا الانتحار عندما يُجبر الفرد على الانتحار من قبل المجتمع. ويرجع هذا إلى العوامل التالية:

– الضغوط الاجتماعية: قد يُجبر الفرد على الانتحار من أجل تلبية التوقعات الاجتماعية أو لحماية شرف الأسرة.

– الدين: تفرض بعض الأديان قيودًا صارمة على حياة الفرد، مما يؤدي إلى الانتحار.

– الحرب: قد يُجبر الجنود على الانتحار من أجل تجنب الأسر أو القتل.

3- الانتحار الفوضوي

يحدث هذ الانتحار عندما يكون المجتمع غير منظم وغير مستقر بسبب العوامل التالية:

– الحروب الأهلية: يمكن أن يؤدي العنف والاضطرابات الاجتماعية إلى زيادة معدلات الانتحار.

– الأزمات الاقتصادية: قد يؤدي فقدان العمل والدخل إلى الشعور باليأس والاكتئاب، مما يؤدي إلى الانتحار.

– الكوارث الطبيعية: يمكن أن تؤدي الكوارث الطبيعية إلى اضطراب الحياة الاجتماعية، مما قد يكون سببا في الانتحار.

4- الانتحار القدري

هذا النوع الأخير من الانتحار لا يشار إليه كثيرا – الانتحار القدري – والذي ناقشه دوركايم في إحدى حواشي كتابه (الانتحار).

بالإضافة إلى الأسباب الاجتماعية فإن هناك أسبابا نفسية التي قد تدفع الشخص إلى التفكير في الانتحار، وتشمل:

1- الاضطرابات النفسية: مثل الاكتئاب، اضطراب القلق، واضطراب ثنائي القطب، هذه الاضطرابات يمكن أن تؤدي إلى شعور الشخص باليأس والعجز.

2- التجارب الصادمة: مثل التعرض للعنف أو الإساءة، فقدان أحد الأحباء، أو التعرض لأحداث مؤلمة.

3- الضغوط الحياتية: مثل المشاكل المالية، البطالة، الانفصال أو الطلاق، والأمراض المزمنة.

4- العوامل البيولوجية: مثل الوراثة والتغيرات الكيميائية في الدماغ التي تؤثر على المزاج والسلوك.

إن الفراغ الروحي وخاصة ضعف الوازع الديني يبقى من أهم الأسباب المباشرة التي تدفع بالأشخاص إلى تسلل الفكر الانتحاري إلى أذهانهم، إذ أن الإيمان الكامل الصحيح يفرض على المؤمن اليقين والرضا بقضاء الله وقدره وعدم الاعتراض على ذلك القدر مصداقا لقوله تعالى في {سورة الشورى:28}: “وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته وهو الولي الحميد”.

ومن منظور القانون الجنائي المغربي فإنه لا يعاقب على الانتحار ولا على محاولة الإقدام عليه، إلا أن المشرع ذهب إلى معاقبة كل شخص ساعد عن علم في الاعمال التحضيرية للانتحار (المادة 407 من القانون الجنائي).

نبذة عن إقليم الخميسات

يحتل إقليم الخميسات موقعا استراتيجيا داخل خريطة المغرب نظرا لتموقعه الجغرافي بجهة الرباط سلا القنيطرة، ويقع شرق العاصمة الرباط، حيث يمتد على مساحة شاسعة تقدر بـ 8305 كيلومتر مربع، ويصل عدد سكانه حوالي 542025 نسمة حسب إحصاء 2014.

تعتبر الفلاحة أهم مورد اقتصادي في الإقليم، في حين يعرف القطاع الصناعي ركودا شبه تام نظرا لغياب المعامل والحي الصناعي، أما فيما يخص المرافق الترفيهية والمساحات الخضراء فإن معظمها طالها التخريب دون العناية بها (منتزه ثالث مارس نموذجا). وضعف الإنارة العمومية لما لها من راحة نفسية لدى الإنسان، وبالنسبة لدور الشباب فإنها تبقى دون تطلعات الشباب والساكنة عموما، كما تراجع قطاع الرياضة بالإقليم بعدما كان يتصدر المشهد الرياضي خاصة العاب القوى التي أعطت أبطال عالميين.

تعرف مدينة الخميسات تسجيل حالات انتحار كل سنة بنسب متفاوتة، إلا أن الملفت للنظر خلال سنة 2024 وبالأخص شهري يوليوز وغشت حدوث 6 حالات انتحار متقاربة، حيث سجلت أولى الحالات يومه 8 يوليوز لرجل يبلغ من العمر 64 سنة، وفي اليوم الموالي مباشرة أقدم شاب في 25 من عمره على وضع حد لحياته، وفي يوم 12 من نفس الشهر تم تسجيل حالة ثالثة لرجل في عقده الرابع.

وفي شهر غشت سجلت ثلاث حالات انتحار أيام 15 و18 و21 لأشخاص يبلغون من العمر على التوالي 21 و26 و37 سنة.

كما شهدت بداية هذا الشهر يومه 5 حالة جديدة لرجل ستيني.

وانطلاقا من المعطيات والأرقام السابقة يتضح أن كل الحالات السبعة قد سجلت في صفوف الراشدين من الذكور فقط، وتعود الأسباب الاجتماعية المؤدية إلى حالات الانتحار بالمدينة إلى عدة عوامل منها:

– الضغوط والعزلة الاجتماعية الناتجة عن الهشاشة الاقتصادية والاجتماعية التي تعتبر بدورها سببا من الأسباب التي تدفع بالأفراد إلى الانتحار، فالضعف السوسيو-اقتصادي الذي تعيشه مدينة الخميسات يولد الشعور بالدونية و”الحكرة” لدى الشباب ويدخلهم في دوامة الانطواء والبعد عن كل ما هو اجتماعي، إضافة إلى ما تعيشه بلادنا من غلاء في الأسعار الشيء الذي يشكل عبئا أكبر على أرباب الأسر، كما أن تعاقب سنوات الجفاف يعتبر من عوامل قلة فرص الشغل.

– لا يمكن حصر الجانب الاجتماعي فقط في تحديد الأسباب التي تدفع بالأفراد إلى الانتحار وإنما توجد أسباب نفسية مرتبطة بالاضطرابات النفسية والتجارب العاطفية والضغوط الحياتية كلها عوامل نفسية كافية تدفع بالأشخاص إلى التفكير في الانتحار، فالاكتئاب والتعرض للعنف والمرور بحالة عاطفية كفقدان أحد الأحبة والفراق وفقدان العمل يجعل الفرد يشعر باليأس وأن الحياة لا قيمة ولا معنى لها ويبقى التفكير في الانتحار هو الحل الأوحد لوضع الحد للحياة.

– كما للفراغ الديني الوجداني دور في الانتحار فالفراغ الروحي وضعف الوازع الديني للأفراد يجعلهم عرضة القنوط وتحت رحمة الأفكار السلبية والعزلة والابتعاد عن كل ما هو إيجابي في الحياة والايمان القوي بالابتلاء والاختبار الدنيوي.

الوقاية وسبل العلاج دون الوقوع في الانتحار

فالوقاية والعلاج من الانتحار يحتاج الوقوف عند عدة مستويات منها ما هو اجتماعي وما هو نفسي وما هو مجتمعي سواء تعلق الأمر بمؤسسي أو بمجتمع مدني.

إن للتنشئة الاجتماعية دورا كبيرا في ترسيخ أفكار إيجابية اتجاه الذات والتربية على حق النفس في الحياة وكون الانتحار ما هو الا سلب لهذا الحق، لهذا وجب العمل على المؤسسات الصحية بالعناية والانخراط بشكل فعلي في توفير أطر الصحة النفسية في المستشفيات وخاصة مستشفيات القرب وتنظيم حملات تحسيسية عن طريق الإعلام وبشراكة مع فعليات المجمع المدني لتشمل الأوساط المدرسية والمهنية وبالأخص الأحياء الهامشية وتخليد اليوم العالمي لمنع الانتحار 10 شتنبر من كل سنة والعمل على اتخاذ التدابير الملوسة في هاد الشأن لخفض معدلات الوفيات جراء الانتحار.

كما وجب على المؤسسات التعليمية والاجتماعية العمل على تقوية الجانب النفسي والرحي للشباب وبالأخص القاصرين بإدماجهم في أنشطة الحياة المدرسية وكذا أحياء دور المسرح وإنشاء ملاعب القرب لما لها من أثر إيجابي على نفسية الأشخاص، ويبقى للمسجد دورا هاما في تأطير الجانب الديني وتثبيت القيم الإنسانية.

 بقلم: هشام حنوز

*باحث في العلوم القانونية والاجتماعية بجامعة محمد الخامس بالرباط

Top