خطورة الإعلام

لم يغفل المراقبون تسجيل درس آخر قدمته انتفاضة الشعب التونسي، ويتعلق الأمر بوسائل الإعلام، وخصوصا التلفزيون.
عند اشتعال نيران الاحتجاجات والغضب أول الأمر في سيدي بوزيد، برز منذ البداية فاعل هام في صنع ديناميات الشارع والترويج لها، وهو المواطن نفسه من خلال الهواتف النقالة ومواقع «الفايسبوك» و «تويتر» وغيرهما، وتحول بذلك هو نفسه إلى وكالات أنباء قائمة الذات، وصار أيضا المصدر الأول لأخبار عدد من القنوات الفضائية والصحف عبر العالم، وهنا وقف بنعلي ونظامه عاجزا ومهزوما في هذه الحرب القاتلة التي كان يفتقد لأسلحتها.
الدرس هنا، أن التعتيم وسياسة الإغلاق لم يعودا مجديين في زمننا هذا الذي حول كل فرد إلى صحافي وناقل للأخبار والمعلومات.
والدرس ثانيا، أن افتقار نظام بنعلي إلى إعلام مهني وذي مصداقية، جعل قناة مثل «الجزيرة» فارسا وحيدا في الأحداث، ولو بالاعتماد على الفايسبوك وعلى الاتصالات الهاتفية، حتى أن وزراء بنعلي أنفسهم كانوا يترجون مسؤولي القناة القطرية ولو من أجل بضع ثواني.
والمناسبة صارت سانحة لجماعة خنفر، لجر القرضاوي كي «ينير» لشعب تونس طريق الثورة ويبعدهم عن … الأصنام، ولإحياء الغنوشي الآخر كي ينقض على غضب لم يصنعه، وكي يهدد وينشر الوعيد، والكل يتفرج ويشاهد ويصنع السيناريوهات، ومقدم أخبار سعودي فكت عقدة لسانه أخيرا وصار يلقي مقدمات خطابية مشتعلة، والدرس في البدء والختام أن المواجهة في حرب الإعلام هذه، تتطلب إعلاما حقيقيا ومهنيا وقادرا على جذب الاهتمام وفرض المصداقية.
من تونس اليوم ترد بعض دروس تتعلق أولا بأهمية امتلاك إعلام محلي تتوفر له المصداقية والحرية والحرفية والإمكانات التمويلية والتقنية اللازمة، وثانيا بضرورة جعل المعلومة متداولة بين الناس ومؤطرة بقوانين وآليات، وثالثا بتقوية الانفتاح والحرية في الفضاء الإعلامي الوطني وفي علاقة البلد مع الإعلام الدولي، ورابعا بالحرص على تقوية المؤسسات الإعلامية المحلية وجعلها تحوز ثقة الجمهور، وخامسا وأساسا لقد صار من قبيل ركائز التدبير الذكي للدول اليوم امتلاك وتفعيل استراتيجيات وطنية للتواصل الدولي، وخطط لصنع صورة البلاد في الخارج.
ولإنجاح الدروس الخمسة، من البدهي التأكيد أن ذلك مشروط بحياة ديمقراطية داخلية أولا، تبقى هي المهمة الأولى اليوم في بلدان المنطقة، والدرس الأبرز مما جرى في تونس.
المغرب لديه مقومات التطلع لاستيعاب الدروس الإعلامية المشار إليها، ومن الواجب اليوم الانكباب عليها، بالنظر لما يمتلكه البلد من إمكانات ديمقراطية وسياسية، مقارنة مع غيره، ما يسمح بإنجاح ورش الإعلام وبكسب الرهان.

Top