خمس مداخل لترسيخ ثقافة اللاعنف

فنن العفاني

خمس مداخل لترسيخ ثقافة اللاعنف، ومناهضة العنف اتجاه النساء، خرج بها المشاركون في الدورة الثالثة لمنتدى الجمعية الجهوية للاتحاد الوطني لنساء المغرب بسلا، تتمحور أساسا في الجانب التشريعي والسياسات العمومية، وتقوية الآليات الكفيلة بالتحسيس ونشر الوعي بمناهضة العنف خاصة الإعلام العمومي .
وخلال هذا  المنتدى، وفي لحظة تكريم وتفعيل لثقافة الاعتراف، تم تكريم إسماعيل العلوي رئيس مجلس رئاسة حزب التقدم والاشتراكية، كشخصيته متفانية في خدمة قضايا الوطن، كما تم تكريم الكولونيل محمد السعيدي لإشرافه على مؤسسة دار البنات التابعة لجمعية نور للرعاية الاجتماعية، وكذا الراحلة ثورية نجمي نظير العمل الإداري والجمعوي والتطوعي الذي باشرته لسنوات بالجمعية الجمهوية للاتحاد الوطني لنساء المغرب.
 ودعا المشاركون إلى إعادة النظر في المناهج التربوية  بالدفع بدور المدرسة، فضلا عن تعبئة المجتمع ودعم مؤسسات المجتمع المدني العامل في الميدان، وإعداد دراسات حول الظاهرة.
وقال أحمد عبادي رئيس الرابطة المحمدية لعلماء المغرب، في ورقة علمية قدمها باسمه، محمد أمنتار المسؤول عن الإعلام بالرابطة، “إن اقتلاع ثقافة العنف اتجاه النساء داخل المجتمع يتطلب مجموعة من المراجعات الجادة، وجب أن تدمج ثمارها في برامج التربوية والإعلامية والنسيج التشريعي والقانوني للحيلولة دون استمرارها”.
واعتبر عبادي، خلال المنتدى الثالث للجمعية المنظم مساء السبت الماضي بمقر عمالة سلا، والذي تمحور حول موضوع” ثقافة اللاعنف اتجاه النساء :رؤية استشرافية” أن العنف اتجاه النساء ظاهرة وليس مجرد حالات عرضية، وهي محصلة لمجموعة من الأسباب تأتي على رأسها استتباب عدد من القيم السلبية اتجاه النساء في ثقافتنا الجمعية،حيث سيطرت هذه الثقافة في مراحل تاريخية على استنباط النصوص الدينية مما جعل بعضها توحي خطأ أن النساء في مرتبة دونية .
وأشار إلى وجود  أسباب أخرى تساهم في إشاعة ثقافة العنف حيال النساء، أبرزها أن المؤسسات التربوية التكوينية  لا تهتم بإحداث التوازن بين الجنسين بل مقابل ذلك تقيم في بعض الأحيان تمايزات بينهما استنادا إلى مجموعة من الأعراف والتقاليد التي أنتجتها أوضاع تاريخية، مسجلا  استمرار تنميط صورة المرأة من خلال الأدوار المسندة إليها اجتماعيا، مما يؤدي إلى تكريس غير منطقي وباطل لدونية المرأة والحيف اتجاهها، و”هذا يستدعي التصحيح واليقظة إلى هذا النوع من النكوص”، يشير عبادي
كما سجل في جانب الأسباب، عدم التفعيل الكافي للقوانين التي تم اعتمادها في مجال حقوق المرأة، وكذا عدم تفعيل اتفاقية السيداو بالشكل المطلوب، قائلا” كثير من المؤسسات ذات الصلة  بحقوق المرأة تجهل أو تتجاهل هذه الاتفاقيات التي صادق عليها المغرب ، علما أن الدستور ينص صراحة على أن الاتفاقيات من الواجب أخذها بعين الاعتبار”.
ودعا في هذا الصدد إلى إعادة إعداد عدة علمية للتدخل مكونة من مسوغات في الموضوع ، بحيث يتم جرد المفاهيم والمعطيات الشرعية ضد العنف التي يتضمنها القرآن الكريم والسنة النبوية وذلك  لدعم مناهج التربوية المعتمدة ، هذا بالإضافة إلى إعادة دراسة عدد من المفاهيم القرآنية من قوامة ، والضرب لتصحيح التأويلات الخاطئة التي تلصق بها”.
ومن جانبها ، قالت شمس الضحى العلوي الإسماعيلي رئيسة الجمعية الجهوية للاتحاد الوطني لنساء المغرب بسلا، “إن اختيار موضوع ثقافة اللاعنف خلال هاته الدورة يأتي امتدادا للنقاش الذي تم إطلاقه قبل نحو سنة من لدن سمو الأميرة للامريم خلال الاحتفاء باليوم العالمي للمرأة ،  من أجل إشاعة هذا الثقافة والدفع بها لتصبح سلوكا يوميا لدى المواطنين “.
وأشارت رئيسة الجمعية الجهوية أن هذا الامتداد سجل هذه السنة بإشراف الأميرة رئيسة اتحاد نساء المغرب خلال نفس المناسبة “8 مارس” على تدشين مركب للتأهيل الاجتماعي بسلا سيضم طابقا مخصصا لإيواء النساء المعنفات ودعمهن طبيا ونفسيا والدفاع عن حقوقهن قانونيا”، مؤكدة من ذات السياق على ضرورة تنزيل مضامين الدستور الجديد الذي أعطى دفعة قوية للمرأة المغربية وفك قيود عديدة كانت تكبلها وتمنعها من الانطلاق والمساهمة بكل ثقة في رفع التحديات ، وتمتيعها بالحقوق والحريات ذات الطابع المدني والسياسي والاقتصادي والاجتماعي والبيئي من أجل المناصفة.
وسجلت شمس الضحى العلوي، على أن المرأة لازالت تعاني من ظاهرة العنف الذي انتشر كالسرطان داخل المجتمع متسببا في تشتيت الأسر  ونخر جسد المجتمع ، وذلك بالرغم من الرسالة الملكية الموجهة للمنتدى العالمي لحقوق الإنسان التي أعلن فيها عن قرب إحداث هيئة المناصفة، وبالرغم من المجهود الحكومي بتحسين وضع المرأة والحفاظ على كرامتها، واتخاذها عددا من الإجراءات العملية والقانونية ،آخرها قرب صدور قانون للحد من ظاهرة العنف اتجاه النساء وعدم الإفلات من العقاب.
ومن جهتها أكدت رحمة بورقية ، عضوة أكاديمية المملكة، والتي أشرفت على تسيير أشغال هذه الدورة، أن العنف منبوذ ومرفوض، مبرزة أن الحديث عن العنف ضد النساء أساسا يأتي لكون هذا النوع من العنف هو الغالب في كل التجارب العالمية، مستطردة بالمقابل، على أن هذا” ليس معناه أنه لاوجود للنساء يعنفن بعض الرجال، ولكن كل الدراسات والتحاليل تبين أن النساء هن من يكن في الغالب ضحايا العنف، وأن إعطاء الموضوع هذه الأهمية فليس صدفة بل لكونه أصبح ظاهرة يجب مكافحتها ومقاومتها”.
واعتبرت أن التوصيات بتصنيفاتها الخمس، تعد المدخل الأساسي لمناهضة العنف ونشر ثقافة اللاعنف والتسامح اتجاه النساء، بل وداخل المجتمع،  بل  تتكامل في جوانبها لمواجهة ظاهرة العنف التي تمثل تهديدا للمجتمع، مبرزة بذلك أهمية التوصيات التي تم استنتاجها من مختلف تدخلات المشاركين في هذه الدورة والتي تمحورت حول،”دور الإعلام في ترسيخ ثقافة اللاعنف اتجاه النساء”، قدمها مصطفى الخلفي وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة، و الجانب المتعلق “بالعنف وحقوق الإنسان، الذي فصلت فيه أمينة بوعياش رئيسة الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان، فضلا عن “دور العلماء في نشر ثقافة التسامح ” والذي تناوله محمد أمنتار نيابة عن أحمد عبادي رئيس الرابطة المحمدية للعلماء، ثم جانب “الإدماج الاقتصادي وتحصين القانون من أجل مستقبل أفضل للنساء” الذي قدمته حجبوها الزبير عضوة المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي،، وجانب يهم العلاقة ما بين العنف والهدر التنموي حينما يتعلق الأمر بالمرأة، والذي قاربه عبد الرحيم العطري.
وشدد المشاركون في هذا الصدد على الجانب التشريعي ، مبرزين أن تأطير ثقافة اللاعنف يأتي أولا وقبل أي شيء من التشريعات والقوانين والسياسات العمومية، على أساس أن يتم إقرار قانون واضح يحدد بشكل دقيق الحماية وكل الآليات التي يجب وضعها لمناهضة العنف اتجاه النساء وإشاعة ثقافة التسامح، هذا على أن تشمل تلك الآليات الحماية من العنف الذي قد يمارس داخل الإدارة، والذي قد يأتي في شكل التحرش الجنسي أحيانا .
هذا على أن يتم العمل على تقوية الآليات التي من شأنها المساهمة في وضع المجتمع على سكة استشراف ثقافة اللاعنف، وتعلق الأمر بشكل أساسي بالإعلام الذي يعد دوره أساسي وخاصة الإعلام العمومي ، حيث أبرزت التدخلات أنه “كيف ما كانت الفضائيات فالدراسات التي أنجزها المغرب قد أبانت أن المغاربة مع ذلك فهم يقبلون بكثافة على مشاهدة القنوات العمومية “.
كما تم التأكيد على دور المدرسة وضرورة تغيير مناهج التعليم والتي تضم صورا تشجع على العنف، كما تضم صورا نمطية عن المرأة، منبهين إلى العمل على تغيير التمثلات والتصورات حول دونية المرأة وترسيخ ثقافة اللاعنف، و التحصين الاقتصادي للنساء لحماية المرأة لأن الضعف الاقتصادي يعرضها للعنف الاقتصادي والأنواع الأخرى للعنف، فضلا عن العمل على دعم مؤسسات المجتمع المدني  الذي يلعب دورا مهما وأساسيا في مناهضة العنف  وتوسيع نطاق عمله والاعتراف به  كشريك أساسي في المجال،أو الاستفادة من تراكمه وتجاربه .
كما تمت الدعوة إلى  دعم إطلاق دراسات لتسليط الضوء على كل جوانب ظاهرة العنف وتبادل التجارب ، الحرص على إصدار تقرير حول العنف كل سنة أو سنتين، يتم فيه وضعية العنف ضد النساء داخل المغرب، على أن أضخم عمل يجب القيام به يتمثل أساسا في التعبئة الوطنية، على اعتبار” أن قضايا مثل هاته والتي تكون مستعصية تتطلب تعبئة وطنية،  ذلك أن العنف ضد فئة عريضة من المجتمع ممثلة في النساء هو تهديد لأمن المجتمع، وهو لا يستهدف أساسا وحصرا المرأة  ولكن يستهدف المجتمع برمته”يقول المشاركون.

Related posts

Top