درس أوروبي آخر

صار لبريطانيا رئيس وزراء جديد هو ديفيد كاميرون، ولا يزيد عمره عن 43 سنة، وهو، بذلك، يعتبر أصغر وزير أول  بريطاني  منذ 200 سنة، ويصغر حتى توني بلير لما تولى المنصب ذاته عام 1997، و تضم حكومة كاميرون أيضا وزير مالية لم يتجاوز بعد 38 سنة. وفي اسبانيا، لازالت صورة  ثاباتيرو محفوظة في ذاكرة الكثيرين، لما جرى اختياره لزعامة حزبه، ولما عين على رأس الحكومة، والصور ذاتها يحفظها مشاهدو التلفزيون وهم يتعرفون على مسؤولين كبار في بلدان أوروبية وفي الولايات المتحدة الأمريكية لا تزيد أعمارهم عن الأربعين،  وقد شاهد المغاربة في الأيام الأخيرة عبر التلفزيون  رئيس وزراء مقدونيا الشاب  الذي يزور بلادنا.
عندنا، وإن كان الأمر شهد بعض التغير في السنوات الأخيرة، فإن ضعف  تواجد شباب في مسؤوليات سياسية وتدبيرية عليا لازال يستحق التأمل والدرس.
المسألة هنا ليست تقديسا لجيل، أو إضفاء أسطورية ما على الأعمار، أو الطعن في شخصيات وطنية ذات سن أكبر، إنما دعوة لتحليل الظاهرة.
مجتمعنا شاب، ونسبة الشباب مرتفعة وسط الساكنة، وهذه الفئة تبقى، منطقيا، هي الأقدر على الحركة والعطاء، وأيضا على التفاعل مع مستجدات العصر، وبالتالي فإن بلدا مثل المغرب، بكل ما يشهده اليوم من تحولات وديناميات إصلاحية وتنموية، في حاجة إلى انخراط شبابه في العمل السياسي وفي الاهتمام بالشأن العام.
ولن يتم كسب هذا الرهان إلا باستعادة السياسة لنبلها ومصداقيتها، وتشجيع الأحزاب والنقابات والمنظمات الشبابية على دمج الشباب في صفوفها، وضمن هياكلها القيادية.
وبقدر ما أن المسألة ترتبط بعمل الأحزاب، فإنها أيضا مسؤولية الدولة، التي عليها أن تلعب دورا لنزع الخوف من الانتماء الحزبي وممارسة السياسة.
صحيح أن الواقع عرف عديد تغير، لكن مع ذلك، الخوف لا زال في لاوعي العديد من الأسر وفي ذاكرتها ، ولدى الشباب أنفسهم، واليوم كلما ارتفع المستوى التعليمي والأكاديمي للشاب(ة)، كلما زاد ابتعاده(ها) عن السياسة وعن الاهتمام بالشأن العام، وهذه أيضا ظاهرة تستحق الانتباه، خصوصا من طرف الأحزاب ومنظماتها الشبابية.
هناك أيضا الإعلام، وخصوصا البصري، الذي يتحمل دورا رئيسيا، من خلال الإصرار على الترويج لصور نمطية عن شباب اليوم، لا تخرج في الغالب عن الترفيه وبرامج الواقع، وذلك بدل المساهمة في جعل الشباب يهتمون بواقع بلدهم وبرهاناته الديمقراطية والتنموية، وتعزيز الحراك السياسي في البلاد، وبالتالي  تحفيز الشباب على التشبث بمواطنته.
فقط بانخراط كل الأطراف، يمكن أن ينخرط الشباب أكثر في الحياة السياسية، ويصير في متناولنا  أن نحلم بدورنا بوزراء ومسؤولين وزعماء لا يزيد سنهم عن الأربعين، وفي نفس الوقت لهم مستويات علمية وتكوينية عالية، ومهارة سياسية  وتدبيرية رفيعة.

Top