درس تونس والعرب

جاءت انتفاضة الشعب التونسي وسط عديد توترات اجتماعية وسياسية في البلدان العربية، ما يمنح لسؤال الديمقراطية راهنيته اليوم في هذه المنطقة الحساسة من العالم.
إن الأحداث الأخيرة في مصر مثلا، قد جعلت التوتر ممتدا من خلال موجات غلاء الأسعار المتتالية، وتفاقم الفقر، وقد نقلت القنوات صور المظاهرات المؤيدة للتونسيين من وسط القاهرة، حيث رفع المحتجون مطالب داخلية أيضا.
في الأردن، من جهتها، تتواصل المسيرات الشعبية منذ مدة، وقد صاح الأردنيون، خلال تضامنهم مع التونسيين، «حيوا الشعب الثائر في تونس والجزائر».
في اليمن يستمر الغليان بلغة القتل، وقد خرج اليمنيون للشارع دون أن ينسوا عرض المطالب المحلية وترديد شعارات التهديد والوعيد لنظام بلدهم.
وفي لبنان أسقطت المعارضة حكومة سعد الحريري وأدخلت البلد في المجهول من جديد، وفي السودان البلد ينفصل، وفي الكويت، وزير الداخلية يستقيل.
وقريبا من تونس، يستمر الغليان والاحتقان في الجارة الجزائر، وقد انتقلت ظاهرة انتحار العاطلين المحبطين إلى هناك…
أما في بلدان الخليج فلا تخفى الهشاشة، لكن ريع النفط وما أتاحه من توزيع المنافع، هو الذي يؤجل الغضب، وفي ليبيا، فإن النفط والإسناد القبلي هنا أيضا يلعبان دور المطيل لعمر النظام…
ولهذا، فإن ما حصل في تونس يحمل درسا بليغا لكل هؤلاء العرب، ومن أكبر عناوينه: الديمقراطية.
فعندما غيب بنعلي الأحزاب، وحول الحياة السياسية إلى مسخ وديكور شكلي، وعندما جعل الصحافة مبحوحة ومكبلة، وعندما اختار الاعتماد على أجهزة الأمن وعلى حزب حاكم فاسد وعلى المقربين، فإنه كان في الواقع يبني نظاما من دون صمامات أمان، ويؤسس للفراغ من حوله، ويوم الامتحان هرب الجميع، وتركوه عاريا يواجه السقطة الأخيرة وحيدا وذليلا.
أمام هذا الدرس القوي، من الواجب عندنا نحن هنا والآن أن نرفع الكلام عاليا لنشدد على أن التعددية الحزبية والدينامية المدنية في المغرب هي التي مثلت دائما صمامات الأمان لديه، وهي التي جعلته متميزا في محيطه العربي والإفريقي.
وعندما نتأمل اليوم الأوضاع الداخلية في بلد مثل مصر أو في سوريا أو في لبنان أو في الأردن أو في الجزائر، وعندما نتابع بعض الاحتقانات الموجودة في الخليج ولو أنها خفيضة الصوت، فإن الواجب يحتم الإصرار على «الموديل» المغربي، والمطالبة بحمايته، ومواجهة كل المخاطر التي تحدق به، وكل الانحرافات التي بدأت في السنوات الأخيرة تتهدده.
هذا هو المطلوب مغربيا اليوم من كل الوطنيين الحقيقيين ومن كل الغيورين فعلا على هذه البلاد وعلى مستقبلها الديمقراطي والتنموي.

Top