درس خروج الاستقلال

الخطوة التي أقدم عليها أخيرا حزب الاستقلال، من خلال استقالة وزرائه من الحكومة الحالية، ستجعل من دون شك الشهر الكريم هذه السنة أيضا شهر السياسة بامتياز، وستحول مجالس الحديث وأعمدة الصحف إلى فضاءات للتوقعات والتخمينات وتبادل التحاليل.
وفي الإطار نفسه، فإن الخطوة المذكورة وضعت حدا لمسلسل غرائبي طال أكثر من اللازم، ومن شأن نهاية حلقته الأخيرة الآن، أن تؤسس لنوع من الوضوح في المشهد، وأن ينطلق كل الأطراف نحو «الأشياء الجدية» في هذا الاتجاه أو ذاك، ويرفع الالتباس.
وقبل السالف ذكره، فإن قرار حزب الاستقلال في شموليته، من القرار إلى المذكرة المرفوعة إلى الملك إلى تنفيذ القرار واستقالة الوزراء، كشف عن معطى جوهري، هو ما يجسد الحدث الحقيقي.
يتعلق الأمر بنأي جلالة الملك عن التدخل في نزاع بين حزبين، أو خلاف داخل تحالف حزبي، وبالتالي فهو أصر على حماية الأفق الدستوري الجديد للبلاد، وانتصر للتأويل الديمقراطي لمقتضيات دستور 2011، وفي ذلك رسالة ليس فقط لحزب الاستقلال الذي دفع منذ البداية بالفصل 42، قبل أن يقدم وزراؤه على استحضار الفصل 47 في خطوة تقديم الاستقالة، وإنما في الأمر رسالة إلى كامل الطبقة السياسية في البلاد، بأن الزمن ليس هو الزمن، وبأن الأسلوب ليس هو الأسلوب، وبأن السياسيين آن لهم أن يتعودوا على العمل السياسي والحزبي المستقل بلا انتظار تدخلات فوقية أو جانبية أو غيرها.
هذا هو الدرس الملكي القوي من كل هذا التمرين الذي تسبب للبلاد في انتظارية لم تكن مرغوبة أو ضرورية منذ البداية.
من جهة أخرى، أكدت تطورات مشهدنا الحزبي والسياسي، التي لا زالت بعض تداعياتها جارية إلى اليوم، أن القطائع والمقاربات الحدية الجامدة لا تنفع في السياسة، وخصوصا في سياقات مثل السياق المغربي، الذي انتصر في كل المحطات الكبرى لمنهجية التوافق الوطني، والالتزام الجماعي بثوابت البلاد ومصلحتها العليا، وهذا يحتم التحلي بكثير من النضج في  ممارسة السياسة، وفي القول والموقف والعلاقات.
وإن الظرفية اليوم، وطنيا وعلى المستوى الإقليمي، تفرض أكثر من أي وقت مضى استدعاء العقل، والتحلي بالنضج والمسؤولية تجاه بلادنا وشعبنا من أجل ربح رهانات الاستقرار والديمقراطية والتنمية والتقدم والتحديث، وهنا المسؤولية مشتركة بين كل الأطراف، بعيدا عن كل تحكم أو هيمنة أو عمى في البصر وفي قراءة… السياق.
وبغض النظر اليوم عن كل المآلات، فحزب الاستقلال حزب وطني حقيقي، وهو حزب له تاريخ وتراكمات ووزن، ومن مصلحة البلاد أن يكون هذا الحزب قويا وفاعلا، ودائما ضمن ديناميات الإصلاح، ووسط القوى الوطنية والديمقراطية.
[email protected]

Top