بعد تعيينه مديرا للمعهد العالي للتنشيط الثقافي والفن المسرحي المعروف اختصارا بـ «ليزاداك»، يقدم الدكتور رشيد منتصر في هذا الحوار الذي أجرته معه «بيان اليوم» رؤية جديدة للعمل الإداري بهذه المؤسسة الحيوية.
وهكذا يرى الدكتور منتصر على أن التكوين بالمعهد يحتاج إلى عمل وتضافر جهود ورؤية جديدة تواكب تطورات المرحلة الحالية.
مدير المعهد العالي للتنشيط الثقافي والفن المسرحي تحدث عن مشروعه الذي تضمنه ملف ترشيحه لمنصب مدير المعهد، والخطوط العريضة التي سيشتغل عليها، بالإضافة على طرحه مجموعة من النقاط الأساسية حول التكوين الأساسي بالمعهد وكذا التكوين المهني، بالإضافة إلى إبرازه للإصلاح الجامعي الذي سيعرفه المعهد من خلال الانتقال إلى نظام LMD.
كما يشرح رشيد منتصر، في هذا الحوار، عددا من التحديات التي تواجه إدارة المعهد، كما يقدم حلولا عملية لهذه التحديات كما يراها من وجهة نظره.
والدكتور رشيد منتصر أستاذ التعليم العالي مؤهل، تخصص أدب فرنسي بالكلية متعددة التخصصات، تازة؛ جامعة سيدي محمد بن عبد الله، فاس. له عدة أعمال منشورة تتعلق بعالم المسرح، منها: «الشاعرية في خادمات جون جونيه» Jean Genet ، منشورات جامعة ليل، فرنسا؛ «المسرح وحوار الثقافات»، منشورات مورثيا (Publication Université de Murcie, Espagne) ؛ أيضا له عدة مقالات حول المسرح المكتوب بالفرنسية، وكذلك حول أشكال العرض وفنون الفرجة في المغرب. يعد الأستاذ رشيد منتصر مؤسس المشروع الفكري الثقافي: مقاربة إثنوسينولوجية بالمغرب Ethnoscénologie، الذي ينظم كل سنة «مهرجان فنون الفرجة» بتازة.
ككاتب مسرحي سبق له أن ألف «تحالف اسمه الصحراء» Une alliance nommée désert ، منشورات مرسم، الرباط. كما له كتابات في المسرح محررة بالغة الإسبانية مثل: « مسالك الاشواق » ، (Los caminos del deseo)، «نصر الدين وشهرزاد»، (Nasrudin y Shahrazade) ، « في الخارج»: (Fuera, fora, dehors).
إن الأستاذ رشيد منتصر أيضا هو عضو في الجمعية الفرنسية للإثنوسينولوجية، التي تديرها الباحثة ناتالي گوطار Natalie Gauthard بجامعة نيس Nice, France .
فيما يلي نص الحوار:
> أولا تحدث لنا عن حدث تعيينك مديرا للمعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي والمشروع الذي تقدمت به؟
< بداية أود أن أشكر اللجنة التي سهرت على المباراة التي تم الإعلان عنها من قبل وزارة الثقافة والاتصال والتي تهم منصب مدير المعهد العالي للتنشيط الثقافي والفن المسرحي، كما أشكر أعضاء الحكومة وخصوصا وزارة الثقافة والاتصال على ثقتها في شخصي والمصادقة على قرار تعييني.. وبالنسبة للمشروع الذي تقدمت فيه للترشيح للمنصب كان يتضمن مجموعة من النقاط التي ركزت عليها، على رأسها الشق البيداغوجي، لأننا نعرف أن المعهد اشتغل على مدى 30 سنة وعمل على مد الساحة الفنية والمسرحية بأسماء مرموقة اليوم، فكان من الضروري أن أولي الاهتمام للشق البيداغوجي، الذي يتطلب الدقة والانضباط في المناهج الديداكتيكية وفي دفتر التحملات، وذلك من خلال احترام نقطتين أساسيتين: الأولى وهي المهنية، لأن هذا المعهد يكون شبابا في ميدان التمثيل وميدان تقنيات الخشبة، في الإنارة، وفي السينوغرافيا بصفة عامة، وأيضا في مجال التنشيط الثقافي، لذا من الضروري التركيز على الجانب المهني كما عمل على ذلك مؤسسو المعهد وأولهم مدير المعهد الأول مولاي أحمد بدري والذي بدوره يمتلك خصوصية كونه أستاذا جامعيا ومخرجا وباحثا في الفن المسرحي، وله تجربة بالمسرح الوطني بسترسبورغ، حيث أكد بدوره على الجانب المهني والحرفي بالنسبة للممثل والسينوغراف وكذلك للمنشط الثقافي، فإعادة النظر في هذه المنظومة البيداغوجية كنقطة أولى بالإضافة إلى ما يسمى التكوين الأساسي كنقطة ثانية، يأتي انطلاقا من المعطيات الحالية ومعطيات المرحلة التي نعيشها والتي عرفت تطورا كبيرا في المجال الإعلامي ومستويات أخرى، وأصبحت هناك تخصصات جديدة لم تكن قائمة منذ 30 سنة في المجال المسرحي على سبيل المثال.
أيضا ملف ترشحي أكد على نقطة ثانية مهمة وهي أهمية إدماج الخريجين في سوق الشغل، والآن هناك نقاش حول الجامعة المغربية ومستقبل خريجيها، والحديث عن كون هذه الجامعة تنتج عاطلين، رغم أنني ضد هذه الفكرة، فالمعهد بما أنه معهد للتكوين من الواجب أن يكون من أولوياته إدماج الخريجين في سوق الشغل، وهنا يطرح سؤال “هل بالفعل هناك متابعة بعد مرحلة التكوين؟”، فالمشروع الذي تقدمت به حاول ما أمكن أن يحدد إمكانيات إدماج الخريجين، وكانت هناك مقترحات في هذا الصدد، منها ربط شراكات مع مؤسسات عمومية ومؤسسات خاصة في ميدان التنشيط الثقافي، ربط علاقات مع مخرجين سينمائيين ومع منتجين في القطاع، فتح الآفاق على المستوى الإفريقي وأيضا الأوروبي، وأشياء تصب في نفس الإطار.
كذلك أذكر أنه بعد الإعلان عن النتائج كان لي لقاء مع السيد وزير الثقافة والاتصال الأستاذ محمد الأعرج وخرجت منه بإحساس أن الوزارة مستعدة لدعم المعهد على جميع المستويات سواء على المستوى المادي أو على مستوى الموارد البشرية والمستوى الرمزي من خلال الحضور والمشاركة في الأنشطة والفعاليات التي سينظمها المعهد.
> كيف ترى تسيير هذه المؤسسة الحيوية التي احتدم النقاش حولها في الآونة الأخيرة، خصوصا مع مرحلة “الفراغ” الذي عرفته؟
< بدون مراوغة وبصدق، أقول إن هناك مجموعة من المشاكل التي يعيشها المعهد حاليا، وكان يعيشها بعد وفاة المرحوم الأستاذ جمال الدين الدخيسي، الذي قدم الشيء الكثير لهذا المعهد، وحاليا كما قلت هناك مشاكل كثيرة على مستوى الموارد البشرية وأساسا على مستوى هيئة التدريس التي تعرف خصاصا كبيرا في بعض التخصصات التي تهم التكوين الأساسي، وأيضا هناك خصاص على المستوى الإداري وفريق العمل. وهنا أعود إلى إشكالية خصوصية المعهد، لأن هذه المؤسسة تفتح أبوابها ابتداء من الثامنة والنصف وقد تنتهي الحصص والورشات والتكوينات بعد العاشرة ليلا، لذا فالمكتبة مثلا يجب أن تقدم خدماتها للطلبة وتساعدهم على البحث، خصوصا طلبة السنة الرابعة، ولو أن يتم تمديد فترة عملها لغاية السادسة وذلك لتمكين الطلبة من إنجاز أبحاث، ولدي آمال بأن هذه المشاكل سيتم تجازوها لأنني أشعر بأن هناك انخراطا إيجابيا من قبل أساتذة المعهد وفريق العمل الإداري الذين أبدوا منذ البداية انخراطهم في المشروع الذي تقدمت به أمام لجنة الانتقاء والذي كما قلت لقي تجاوبا إيجابيا.
هناك نقطة ثانية أيضا تتعلق بالشروع في الانتقال بالمعهد من صيغته الحالية إلى صيغة LMD أي صيغة إجازة – ماستر – دكتوراه، وهذا تحدي تقني يطرح مجموعة من الأسئلة والتحديات، والتي سنعمل على الإجابة عليها والبحث عن حلول لها من خلال لقاءات ومن خلال كذلك الأيام الدراسية التي سننظمها في المرحلة الحالية بالمعهد، في هذا الصدد، لنا مجموعة من اللقاءات، أولها لقاء عبارة عن يوم دراسي تحت عنوان “خصوصية التكوين المسرحي” يوم 4 ابريل القادم، والذي سيحضره خبراء مغاربة وأجانب خاصة من إسبانيا، وهناك يوم دراسي ثان سيعلن عنه لاحقا سيخصص لخصوصية التكوين في ميدان التنشيط الثقافي. وكما ذكرت ستعرف هذه الأنشطة انفتاحا على عدد من الخبراء المغاربة والأجانب. لأن المعهد اليوم يكتسي خصوصية وهي أنه “عملي” أي يقوم بتكوين مهنيين، بالإضافة إلى كونه، أيضا “أكاديميا” أي يهتم بالبحث المسرحي. وهناك ورش مفتوح على مستوى الشُعَب من أجل إعداد دفاتر تحملات بيداغوجية من أجل تقديمها في الأشهر القادمة من أجل أن تصادق عليها اللجنة الوزارية المنبثقة عن وزارة التعليم العالي، وذلك كي نتمكن في الشروع بالعمل بهذا النظام الجديد.
> استكمالا للسؤال السابق، ما هي التحديات التي تواجهكم بعد الانتقال نحو هذا النظام الجديد؟
< هناك مجموعة من التحديات فيما يخص تطوير القطاع، وأساسا في الشق المتعلق بالتكوين الأساسي الذي تحدثت عنه، والذي قلت إنه لا يجب أن يبقى ذاك الخصاص في الموارد البشرية، إذا تطرقنا مثلا لمسألة “التشخيص” فلا يمكن لأستاذ واحد أن يلم بجميع طرق التشخيص التي عرفها تاريخ التشخيص والفن الدرامي في شقه البيداغوجي التطبيقي الفعلي، لا يمكن للأستاذ أن يعرف ستانيسلافسكي، غروتوفسكي، ميور هولد، وأسماء كثيرة تمتد عبر التاريخ. وأملنا هو أن يتم إدماج خريجي المعهد الذين تابعوا دراستهم سواء داخل الوطن أو خارجه والذين ناقشوا أو يعدون أطروحتهم في الدكتوراه، كأساتذة داخل المعهد، لأنني على يقين بأن هناك طاقات شابة، طاقات قادرة على إعطاء قوة للتكوين الأكاديمي الأساسي.
كذلك يجب إعطاء قوة لمجموعة من التخصصات، وعلى سبيل المثال هناك تخصص اسمه “البوفون” وتخصص “المسايفة” ومجموعة من التخصصات التي نفكر فيها على المدى القريب والمتوسط في استقطاب طاقات مغربية تكونت فيها من أجل إدماجهم في المعهد كأساتذة، هذا في شق تكوين الممثل والسينوغراف، أما بالنسبة للتكوين في شق التنشيط الثقافي فهناك طلبات كثيرة من أجل فتح فضاءات لتدريب طلبة المعهد والتي تحتاج رؤية شمولية من أجل أن يتمكن هؤلاء الطلبة من استكمال تكوينهم على مستوى التنشيط الثقافي، في هذا الصدد كانت هناك محاولات ولا زالت، وفي اعتقادي أننا لم نستوف ولم نطرق جميع الأبواب من أجل إيجاد فضاءات لهؤلاء الطلبة بعد تخرجهم من المعهد، خصوصا مسألة الإدماج، حيث نتباحث اليوم حول صيغة التدريب والإدماج، أي أن يقوم الطالب بتدريب لمدة 3 أشهر بأي مؤسسة عمومية كانت أو خاصة على أساس أن يتم إدماجه في العمل بعد هذه الفترة من التدريب.
> بالحديث عن الإدماج، ما هي نظرتكم لمواجهة “العطالة” التي يعيشها عدد من خريجي المعهد، وما هي بنظركم الحلول العملية من أجل ملاءمة التكوين مع سوق الشغل لا سيما وأن طلبة المعهد يتلقون تكوينا مهنيا؟
< المسألة معقدة، بالنسبة لي ما يمكن أن أؤكد عليه وما أراه ضروريا في التكوين هو ليس فقط التكوين المهني بل أيضا التكوين على مستوى التدبير وتمكين الطلبة من آليات وإمكانيات فرض الذات وسط سوق الشغل الذي يعرف منافسة شرسة، وبالتالي فالتركيز على التدبير والتسويق الذاتي سيعطي فرصة كبيرة لطلبة المعهد باعتبارهم يمتازون بالتكوين عن منافسيهم.
أيضا هناك التركيز على إدخال مجموعة من الوحدات الجديدة كتسيير المقاولات الثقافية أو الفنية، بالإضافة إلى وحدات للتسيير والتدبير والتسويق الذاتي وذلك كي يستطيع الطالب أن يدمج نفسه بسوق الشغل “ذاتيا” من خلال تسويق قدراته أو من خلال إدارة مقاولة فنية أو شيء من هذا القبيل، فضلا عن تمكينه من التفوق على منافسيه في سوق الشغل الذي يكون مفتوحا أمام عدد من الأقطاب كما أسلفت الذكر.
لي يقين بأن الممثل والسينوغراف والمنشط الثقافي لهم طاقات لا يعرفون كيفية تسويقها بالخارج، وأعطي نموذجا بسيطا، هناك عدد من رؤساء ومديري شركات خاصة يعانون من مشكل في الإلقاء مثلا أو مشكل في التعامل مع الجسد، الإلقاء أمام الجمهور، لذا بإمكان الطلبة المكونين في المسرح والتنشيط الثقافي أن يستثمروا قدراتهم في هذا المجال. ولهذا ندافع من داخل المعهد ونعمل على ترسيخ التكوين المستمر والتأطير في هذا الجانب.
> كيف تتطلعون لمستقبل المعهد وما هي رؤيتكم لتطوير أدائه وعبر ذلك أداء المسرح المغربي؟
< النقطة المهمة بالنسبة للمعهد هو تحدي الإصلاح الجامعي وتوافق هذا الإصلاح مع منظومة التكوين، وأقول إنه يجب أن يكون هناك نقاش هادئ وعميق لكي لا نسقط فيما سقط فيه التدريس في الجامعة، والجميع يعرف الإشكاليات المرتبطة بالتدريس الجامعي، والذي تمت مراجعته أكثر من مرة، وهناك اليوم دعوة لإعادة النظر في هذه المنظومة. لكن هناك أمل في أن ننجح في هذا الورش لا سيما وأن وزارة الثقافة مشكورة تعمل على بناء مقر جديد للمعهد والذي سيتم تسليمه بعد سنة ونصف على الأكثر، هذا المقر الجديد ستتوفر فيه ظروف الاشتغال أفضل بكثير من الظروف الحالية، كما أنني متأكد أنه إذا تحسنت البنية التحتية بالنسبة للمدرسين والظروف التقنية للتدريس فبشكل طبيعي سيتحسن الأداء أكثر. وإذا تحسن التكوين، وأصبحنا نرى على مستوى الساحة الفنية ممثلين في المستوى، مهنيين ومصممي ملابس ومصممي ديكور ومخرجين وكتاب مسرحيين فبشكل طبيعي وتلقائي سيتطور المسرح المغربي، وبالمناسبة كنت جد سعيد حين سمعت عن تتويج ثلاثة من الأسماء المرموقة بجوائز بمهرجان طنجة للفيلم، والقاسم المشترك بينهم أنهم من خريجي المعهد، كما أن هناك مسرحيات أصبحت تشارك في الخارج وتنال إعجاب الجميع، فضلا عن حصولها على مجموعة من الجوائز على المستوى العربي. وهذه أشياء تؤكد على أنه إذا كان التكوين مبنيا على الجدية وعلى الدقة والانضباط، لا يمكن إلا أن يعطينا المسرح الذي نريد، مسرح مهني يرقى بالذوق العام يحترم نفسه ويحترم جمهوره.
> هل الميزانية المرصودة للمعهد حاليا تساعدكم على بلورة هذه الرؤية؟
< بكل صراحة ليست كافية لكي نصل إلى هذه الأهداف التي سبق وذكرتها، لا على مستوى التكوين، ولا على مستوى التسيير الإداري أو فتح شراكات مع العالم الخارجي لكي يستفيد الطالب، فالميزانية ضعيفة جدا لدرجة أننا نضطر للاقتصاد في المسائل التي نعتبرها ثانوية في حين أنها رئيسية، وأعطي مثالا بتدبير المكتبة، فبالإمكانيات التي نتوفر عليها لا يمكننا وضع نظام معلوماتي لهذه المكتبة وهذا لا يعقل، لا يمكن أن نكون في عصر متقدم في حين لا زلنا نسجل أسماء الطلبة المستفيدين من الكتب في السجلات بالإضافة إلى صعوبة البحث عن المراجع بالنسبة للطلبة، والأمل هو الرفع من هذه الميزانية، كما أشير إلى أن جميع المدراء الذين سبقوا طالبوا بذلك.
> أستاذ منتصر بعيدا عن جانب التكوين المهني، ما هي مكانة البحث الأكاديمي المسرحي في رؤيتكم لعمل المعهد؟
< إذا رجعنا للنصوص القانونية التي تنظم التدريس داخل المعهد نجد من ضمن النقاط التي أكد عليها المشرع هو أنه من ضمن تكوينات وتخصصات المعهد مركز دكتوراه، موجود في النص القانوني، في حين أن هذه المسألة لم تطبق على أرض الواقع، أتمنى في هذا النظام الجامعي الجديد أن نستطيع بلورة ذلك، وكي أكون واضحا أكثر فنحن خلال المرحلة الحالية نراهن على الإجازة وفي نفس الوقت مشروع “الماستر” لا سيما وأن عددا كبيرا من الخريجين في العشر سنوات الأخيرة يواصلون دراستهم العليا، وبالتالي هناك وعي بأهمية مواصلة الدراسة وهذا أمر إيجابي. ويحتم الاشتغال على برنامج تكوين يمتد إلى سلك الدكتوراه من أجل تشجيع البحث، وأملنا في ذلك التنسيق مع وزارة التعليم العالي لأن هيئة التدريس داخل المعهد فيها فئتان، الأولى تتضمن أساتذة للتربية الفنية ثم الفئة الثانية التي تتضمن الأساتذة الدكاترة، الفئة الأولى تتضمن أسماء مرموقة في الساحة الفنية لهم تجارب ناجحة بل هم خبراء فى تخصصاتهم وبالإمكان أن يتم منحهم الدكتوراه من خلال تقييم تجربتهم وتحديد معايير محددة، وهذا الحل اختارته عدد من الدول الأوروبية وغيرها التي عاشت ومرت من نفس المشكل. كما أنني أعتقد أن هذا الحل سيمكننا من التفكير في آفاق خلق دكتوراه من داخل المعهد، لأنه حاليا، وأتمنى أن أكون مخطئا، ليست لنا دكتوراه في التعبير الجسدي، مثلا، وليست لنا دكتوراه في الإخراج، في الدراماتولجيا، في السينوغرافيا، وهذه آفاق يجب النضال والعمل من أجلها. لأنه حقيقة لا يمكن أن نُكَوِن ممثلين، سينوغرافيين… وألا نُكَون مقابل ذلك باحثين ونقادا.
> كأكاديمي ومدير معهد كيف ترى مستوى البحث والنقد المسرحي المغربي في الخريطة المسرحية العربية؟
< بالحديث عن النقد المسرحي، حاليا، أرى أن النقد المغربي اتخذ مسارا متطورا، ولن أكون “شوفينيا” إن قلت إن النقد المسرحي المغربي متفوق جدا على ما يمكن قراءته في البلدان العربية والدليل على ذلك أن جميع المشاركات المغربية في جميع المهرجانات العربية تكون متميزة. وهذا أمر مشجع من أجل خلق جيل من الباحثين.
> بالعودة لكل ما سبق، كيف ترون السياسة الثقافية للمغرب وما هي الآفاق التي ترونها ضرورية لتطوير هذه السياسة؟
< أظن أن التفكير وتسيير الشأن الثقافي لا يجب أن يبقى منحصرا في قطاع واحد، بل يجب أن يكون أولوية جميع الوزارات أي أن يكون الشأن الثقافي أولوية في جميع القطاعات بتنسيق طبعا مع وزارة الثقافة، وشخصيا لا أتصور سياسة ثقافية بدون تكوين مدرسي وبدون تربية فنية انطلاقا من المستوى الابتدائي، لذا أرى أنه من الواجب إعادة النظر في المنظومة البيداغوجية منذ الابتدائي لأنه صراحة حينما نرى المستوى العام للمرشحين الذين يجتازون مباراة ولوج المعهد فإن الإحساس العام هو أنه ليست هناك ثقافة مسرحية، وهذا ليس قدرا بل يمكن أن يتم معالجة هذا الإشكال من خلال إعادة برمجة التربية المسرحية والفنية في المنظومة التربوية.
كذلك أرى أن وزارة الثقافة لا تكتفي فقط بمسألة الدعم المسرحي، لأن هناك إرادة، هناك، أيضا، تطور على مستوى البنيات التحتية والقاعات بعدد من المدن كمدينة بني ملال، الحاجب، تازة، الأقاليم الجنوبية، لكن هذه البنية التحتية يجب أن يوازيها التفكير في تكوينات موجهة للطلبة على مستوى تدبير الشأن الثقافي، وأعتقد أنه لو تم وضع استراتيجية على المستوى القريب والمتوسط والبعيد ستعطي نتيجة وفعالية، وسيتم خلق فضاءات جديدة يكون فيها الشأن الثقافي والفن المسرحي والإبداع من مكونات المجتمع المغربي الحديث، ونحن نعي جيدا أهمية الثقافة في مواجهة أشكال التطرف وتصبح بذلك الثقافة ضرورة وحقا مشروعا لجميع الفئات والشرائح، أي أن تصبح الثقافة حاجة وحقا وليس امتياز.
> ما الذي بنظركم يجب أن تتضمنه هذه السياسة الثقافية من أجل نجاحها؟
< الخلاصة هي ضرورة وضع سياسة ثقافية مندمجة بين جميع القطاعات لها نظرة شمولية وتعمل على ترسيخ الفعل الثقافي وتنمية روح الإبداع في الأجيال الصاعدة وخصوصا الأطفال بالمدارس، لأن التربية الثقافية والفنية يجب أن ترافق الفرد من صغره، بالإضافة إلى ذلك يجب اليوم التفكير في فتح معاهد وشعب خاصة بالفن المسرحي، لأنه لا يعقل أن يكون في المغرب على مدى 30 سنة معهد واحد فقط. وهنا أقول إنه لا يمكن الوصول إلى ذلك إلا من خلال تضافر جهود جميع الفاعلين في مجال التكوين وفي مجال الاعلام والتربية.
فاليوم ونحن نحتفي باليوم العالمي للمسرح، ولأجل إعطاء أهمية ليس فقط لهذا اليوم وإنما للمسرح دائما يجب أن يكون هذا الفن “هما”نحمله جميعاوتحمله جميع المؤسسات سواء عمومية كانت أو خاصة كالقنوات التلفزية والمدارس العمومية والمراكز الثقافية والشركات، وأن يكون هناك تحسيس بأهمية المسرح كفن يحمل في عمقه احترام الآخر، فن في عمقه التثقيف والخطاب، فن مهم على مستوى الانفتاح على الآخر. أتمنى أن نحتفي بالمسرح يوميا.
> بالحديث عن اليوم العالمي للمسرح، نحتفي هذه السنة بتألق المسرح المغربي على الصعيد العربي، كيف ترى الإشعاع الذي عرفته العروض المسرحية المغربية على مدى السنتين الأخيرتين؟
< أظن أنه يجب الاحتفاء بهؤلاء المبدعين، يجب الإصغاء إليهم، إبرازهم كنموذج لمهنيين في الميدان، مسألة أخرى هو أن يكون هناك تحفيز لهؤلاء الشباب الذين خلقوا لنا عوالم جد إيجابية، خصوصا عبر تكريس ثقافة “الاعتراف” لأن الفنان بطبعه يطمح للاعتراف من ذويه وليس من الخارج، يجب تشجيع هؤلاء الشباب، والثقة في الشباب الذين لا زالوا يبحثون عن فرصتهم وإبراز قدراتهم، في هذا الصدد أتمنى من الجميع أن ينخرط في هذا المشروع. وكما قلت آنفا، المغرب فيه إبداع، فيه رقي وحسن ذوق، والاحتفال والاحتفاء أمر جيد لكن من الضروري مواكبة هذا القطاع ومرافقة الفنانين والشباب خريجي المعهد وفتح قنوات أخرى على مستوى الجهات والقطاعات أمر مهم من أجل أن نصل إلى المسرح الذي نريده، مسرح يمثل المغرب أحسن تمثيل، أن يكون المسرح مساهما في الديبلوماسية الموازية وتسويق الصورة التي نريدها خارجيا.
> حاوره: محمد توفيق أمزيان