ذكرى القاصة والباحثة المغربية مليكة نجيب

غيب الموت القاصة والباحثة المغربية مليكة نجيب، قبل أيام قليلة، من هذه السنة التي تعد سنة رحيل الأدباء والفنانين بامتياز، والله يحد البأس.

وأنا أتصفح الأعداد الأخيرة من هذا الملحق الثقافي، أنتبه إلى أن آخر ما نشرته الراحلة العزيزة مليكة نجيب، كان على صفحاته، بالضبط في عدد الجمعة 1 يناير 2016 وذلك بعد صمت طويل. وكانت مساهمتها عبارة عن تقييمها للحصيلة الثقافية لتلك السنة، بطلب مني، أعيد نشرها هنا، تكريما لروحها العزيزة، تغمدها الله بواسع رحمته.

كانت سنة أوراش دعم وإصلاح  وتجديد وترميم ولكن..

بداية أتمنى لك سنة سعيدة محملة بجديد مفرح وطيب وخير يمحو بعض مشاكل وإحباطات السنة التي تستعد للرحيل.
لقد اعتقدت أن تقييم الشأن الثقافي لسنة 2015، كما طلبت مني، مسألة هينة، لأكتشف أن الأمر عصي علي، لماذا؟
أولا هل أمتلك  أدوات وآليات التقييم ؟
ثم هل الشأن الثقافي واضح وشفاف وجلي ليتمكن الباحث من كشف مكوناته وخفاياه؟
ولأنني أعجز حتى على الإحاطة بهذين التساؤلين، فإنني أجازف وأنقل ما أشعر به، مع العلم أن الشعور مسألة حسية لا تعتمد على العلم وبالتالي فرأيي لا يرتكز على اليقين، مجرد رأي حمال لكل التأويلات.
يذهب  كثيرون إلى أن الثقافة هي وجه الدولة الذي يكشف صحتها وسلامة تفكيرها ونبض قلبها وتطلعات مواطنيها وأمانيهم وأحلامهم، هي الترمومتر الذي يقيس مستوى الحرية  التي يتمتعون  بها والحق في التعبير الذي يقوي ويغني إبداعاتهم.
وقد شهدت السنة المنصرمة قريبا أوراش دعم وإصلاح وتجديد وترميم  وتعميم، ذلك  ما اتضح خاصة من خلال خطابات كثيرة، وبالفعل كانت هناك مبادرات تحمل التفاؤل وتبشر بنظام يصلح ثقوب الفساد التي لم تسلم منه الثقافة. فخطورة الفساد أنه أخطبوط نهم،  يلتهم كل الحيتان خاصة تلك المضيئة أجسادها والطامحة إلى الخروج من العتمة إلى النور.
ومن المبادئ الغائبة أو المغيبة  هي  تكافؤ الفرص ومقاربة التشارك والمشاركة، فعلى سبيل المثل لا الحصر نجد مجموعة من الأشخاص تقوم وصية على الثقافة في المغرب، فهي حاضرة في كل الملتقيات والتظاهرات والندوات والتكريمات، هي المستفيدة من النشر والإصدار والترجمة وتمثيل المغرب في الداخل والخارج، نفس الأشخاص والأصوات والمنابر والتوجهات والمواقف وووووووووو..
هل يمكن اعتبار ذلك ضمن الريع الثقافي؟ الخطير أن تداعياته مفلسة ومحبطة لكل المبدعين الذين لا يصطفون تحت خيمة من خيام “المحميات”، محمية القبيلة ومحمية الحزب ومحمية المحسوبية ومحمية الإخوانيات، ومحميات أخرى يسهر الفساد على تبنيها واحتضانها لأنه يعشش في أحشائها.
أعتقد أن الثقافة تتطلب استراتيجية رؤية ورؤيا وعمل تنفذها سياسات عمومية محترمة وتستجيب لدفاتر تحملات شفافة وواضحة، وتتيح مشاركة كل الفاعلين بمختلف انتماءاتهم وألوانهم ومعتقداتهم ومواقفهم. يجب إتاحة الفرصة للجميع. الثقافة تصير كاسدة تفترش اليباب عندما تحصر بين جهات بعينها، إنها تضعف وتجتر نفسها وتضيع على البلد سنين وسنين من التقدم.
إن الشأن الثقافي في المغرب غالبا ما يعتمد على المناسبات والواجهات والأحداث الراهنية، بينما هو يتجذر في حياة الدول والشعوب ويشهد صادقا على مستوى رقي الدولة.
وبالرغم من الأوراش المتعددة المفتوحة والتي تروم النهوض بالثقافة، فللأسف يبقى الوضع الثقافي في حلة شروخ وعجز يغذيه تشتت المؤسسات الثقافية عوض التنسيق والتكامل بينها، وكذلك تتسبب المحميات المهيمنة في كبوة فرسها الذي يرمز إلى تنوع وغنى وتعدد مثقفين ومبدعين حالفهم طالع التهميش والإقصاء.
والسلام.

 ع. بركات

Related posts

Top