لم ينجح الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في جعل خرجته الإعلامية الأخيرة، التي تمت عبر قناة “فرانس 24” مساء السبت، تغير من نظرة المتابعين، في الجزائر وخارجها، لمستواه وسلطاته، ولم يستطع أن يخفي كونه ليس صاحب القرار، وإنما جاء هذا الحوار الصحفي ليكرس من جديد ويفضح سطحيته وبساطة معجمه و… شروده.
ومن الأمثلة على ذلك، قوله، في الحوار نفسه، إنه يرحب بمبادرة من المغرب لتجاوز التوتر القائم بين البلدين (كذا!!!)، ويضيف بأن “الجزائر ليس لديها أي مشكل مع الشعب المغربي الشقيق ولا مع ملك المغرب، وإذا اتخذوا مبادرة فستكون مرحبا بها، وأظن أنه يمكنهم القيام بذلك لإنهاء هذا المشكل نهائيا”.
الكثيرون إما سخروا أو تعجبوا عند سماع هذا الجواب من رئيس البلد الجار الشرقي للمملكة، واعتبروا الأمر العنوان الدال عن حجم الشرود.
يذكر الجميع أن العاهل المغربي سبق أن أعلن في خطاب بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء سنة 2018، عن مبادرة، ودعا إلى إطلاق حوار مباشر وصريح بين البلدين، ثم جدد الدعوة نفسها وذكر بذات المبادرة خلال خطاب العرش للعام الماضي، لكن النظام الجزائري تجاهل كل هذا ولم يقدم أي رد أو تجاوب مع المبادرة الملكية المغربية.
الرئيس تبون يقدم اليوم كلاما لمجرد الاستهلاك الإعلامي البليد، ويحاول أن يقدم الأمر كما لو أنه مسؤولية مغربية، وأن الرباط هي من عليها القيام بالمبادرة.
المثال العجيب الآخر، الذي لفت الانتباه في حوار “فرانس 24″، هو عدم تأكيد الرئيس الجزائري أو نفيه إذا كانت بلاده بصدد إنشاء قاعدة عسكرية على الحدود مع المغرب، وهو جواب غريب لم يكن لائقا برئيس حقيقي لدولة حقيقية أن يتفوه به، ومن خلاله فضح طبيعة شخصيته ومحدودية دوره، وبأنه ليس له أي دور في القرار، وأن المتحكمين الفعليين في القرار الجزائري هم جنرالات النظام العسكري، ومن ثم هم من يقرر في العلاقة مع المغرب، وأيضا في كل القرارات الأخرى، الداخلية والخارجية، وهم من بإمكانهم الجواب عن السؤال، وبالتالي تأكيد أو نفي خبر بناء قاعدة عسكرية على الحدود مع المملكة، أما المسكين فقد أعترف أنه، وإن كان رئيس الدولة، فهو لا يؤكد ولا ينفي…
المثالان أعلاه كافيان للدلالة على تناقضات تبون في حواره مع “فرانس 24″، ولإبراز كل الخواء الذي بدا واضحا وفاضحا في كل الأجوبة التي قدمها للقناة الفرنسية، وبذلك، هو نجح فقط في تقديم نفسه بنفسه على أنه لا يقرر في شيء ولا سلطات له، وأنه فقط مكلف بمهمة لدى عسكريي النظام الفعلي في بلاده.
الأوضاع الداخلية في الجزائر تعيش منذ مدة على إيقاع الاستياء الشعبي الواسع والتوترات الاجتماعية والسياسية الداخلية، ولكن أيضا هي تعرف تبدلات في كثير مواقع بأجهزة الدولة، ما يجعل كل المواقع ومراكز النفوذ والتحكم، في الأمن وفِي الجيش، بصدد التشكل، وإعادة بناء الاصطفاف ومنظومة التحكم، أي الكارتيل الماسك بالقرار، وهنا يوجد النظام الحقيقي وصاحب كل السلطات، وليس لدى تبون أو حواليه.
يعني هذا أن المغرب لا يزال مطالبا بتحمل وجود نظام في بلد جار، يصر على عقليته الغارقة في العتاقة والتكلس، ويتمسك بعدوانية باتولوجية تجاه المملكة، لأن ذلك هو ما يعتقد أنه الوسيلة الوحيدة للقفز على كل احتقاناته الداخلية، ومحاولة تصريفها عبر استهداف جاره الغربي وتحميله وزر كل انغلاقاته وأزماته، وذلك رغم أن الشعب الجزائري لم يعد يصدق كامل هذه الأسطوانة المشروخة، ولم يعد ينطلي عليه الخطاب البليد والشارد لماكينة العسكر والبروباغاندا الجزائرية القديمة.
من جهته، يستمر المغرب في التشبث بالمبادرة الملكية، وبسياسة اليد الممدودة، وفِي نفس الوقت يواصل مساره الوطني المتطلع إلى تمتين بنائه الديمقراطي والمؤسساتي، وتقوية منجزه التنموي، وصيانة استقراره ووحدته، والدفاع عن مصالحه الوطنية والإستراتيجية.
< محتات الرقاص