“رسائل زمن العاصفة” للروائي المغربي عبد النور مزين

  تستعيد رواية “رسائل زمن العاصفة” جوانب من سنوات المطاردة والاعتقال السياسي لطلبة المغرب من الشباب الواعد في ثمانينات القرن الغابر (ق. 20)، بحيث تقف عند حالات انكساره وتبعثر حياته ووأد أحلامه. وهذا الاسترجاع لم يكن مرادا لذاته، وإنما كان خلفية تاريخية لتصوير انكسار قصة حب وتشظيها بفعل وقائع سياسية ملتبسة وظروف قاسية. ولم تكن القصة تخص البطل وغادة الغرناط، فحسب، وإنما تشمل تجربة جيل كامل أصيب بلعنة العواء، ودفع ثمنا فادحا لأوهامه: السارد وغادة وهند والزهرة والريكي وسعيد وثريا الذين وقعوا ضحية “عوَّاء” كبير هو الراضي أبكوز (بوعلي) الذي حسبه الآخرون نسرا يتطلع إلى الأعالي، بينما لم يكن في حقيقته سوى خفاش يمتص دماء ضحايا أوهمهم بالنضال أو بالعواء، كما يحب السارد أن ينعته. وتبقى تجربتا الحب والسياسة أهم ما صورتهما الرواية ونوعت في حكيهما وعرضهما ومقاربتهما فنيا. وقد شخصتهما الرواية بلغة أدبية راقية، غنية بالصور المجازية، والاستعارية، وبالتوريات والإشارات، إذ أصبحت هذه الإمكانات البلاغية طاقة سردية خالصة نمت مشاهد الرواية ومنحتها قدرة دلالية وترميزية كبيرة.
 تنطلق الرواية من حدث دال في مسار الرواية وحافز هام في تطور وقائعها: لقاء غادة الغرناط مع حبيبها (مجهول الاسم في الرواية) عند مشارف مدينة تطوان، في شاطئ الريفيين، بحيث جمعتهما لحظة عشق عاصف وشغف متأجج، وهو اللقاء الذي سيليه انقطاع أواصر القربى وضياع غادة والسارد معا في متاهة دوامة السياسة التي لا ترحم. مباشرة بعد هذا اللقاء ستبدأ مطاردة الطلبة واعتقالهم والزج بهم في المعتقلات والسجون.. وكان من بينهم البطل/السارد الذي اعتقل، وفقد خيط التواصل مع حبيبته غادة، وبعد مغادرته المعتقل (سجن لعلو بالرباط) صار يبحث عنها بين الرباط وتطوان وطنجة دون أن يعرف مصيرها، وما حدث لها بعد أحداث الدار البيضاء.
 ولكن تفاصيل ما حدث سيعرفها البطل (والقارئ معه) من خلال الرسائل التي كتبتها غادة وسلمتها له أختها الزهرة الغرناط التي أدت دورا في قصة أختها، وفي مصيرها ومآل حبيبها. ولقد كانت رسالة الزهرة الغرناط الطويلة، التي تروي فيها حكاية أختها وما عرفته من وقائع وأحداث، الصوت الموازي لصوت البطل، والوجه الآخر الذي يكشف حقيقة ما حدث، والسر الكامن وراء انكسار أحلام غادة والسارد، وانتهاء قصتهما. لقد كانت الزهرة عنصرا فاعلا في تدمير تطلعات أختها لأنها كانت تحقد عليها، وتنتقم لفشلها وانخداعها عبر صب نقمتها على أختها البريئة. وقد كانت الزهرة أداة طيعة في يد الراضي أبكوز (بوعلي) رجل المخابرات المدعي للنضال، والذي ساق زملاء وأصدقاء الزهرة وغادة إلى السجون. وكان وراء معاناة بطل رواية “رسائل زمن العاصفة” الذي عانى السجن والغربة والبعد عن الوطن، كما عانى قساوة الحياة في المنفى وظلم الظروف المحيطة به. فكما ذاق مرارة الاعتقال داخل الوطن سيذوق مرارة سجون إسبانيا وتهمة قتل أحد زملائه، لكنه على الرغم من هذه القساوة سيجد حنوا وتفهما من نساء كثيرات عبرن حياته.
 ولا تسرد الرواية قصة البطلين فحسب، وإنما نجدها تسرد حكايا شخصيات أخرى في الرواية: قصة الأم، وقصة أسرة غادة الغرناط، وقصة سعاد وأمها التي ظلت تنتظرها في محطة الطرق بالرباط وتأبى تركها آملة رؤية ابنتها تنزل من إحدى الحافلات، وقصص هند والريكي وسعيد وثريا وغيرهم من رفاق درب البطل وغادة والزهرة من طلبة جامعة الرباط، كما تحكي الرواية وقائع وأحداث تخص شخصيات أخرى: دونيا مونثيرات وزوجها وابنتها ليندا وحنين الابنة إلى مدينة طفولتها: شفشاون المغربية الجبلية.
 إن من يقرأ الرواية يرى أن معاناة البطل تتوازى مع معاناة الشخصيات الأخرى، وترصد حالات إنسانية في إيقاع روائي مشوق، وبأسلوب شاعري القسمات غني بالرموز والإيحاءات. وقد كان الحس الإنساني سمة جوهرية في تصوير الشخصيات وتقديم خصائصها الفنية. وهذه السمة منحت الرواية مصداقية كبرى في معالجة ثيماتها، وجعل المتلقي يتعاطف مع شخصيتها المحورية، ومع الشخصيات الأخرى التي ارتبطت وأسهمت معه في تشكيل العالم الروائي المتميز في “رسائل زمن العاصفة”.   

بقلم: محمد المسعودي

Related posts

Top