رواية “هوت ماروك” للكاتب المغربي ياسين عدنان

ما الذي يستوقفنا لأوّلِ وهلةٍ أمام هذا الكتاب؟
ـ عنوانه؟ الأحمرالمشكولُ الخاليُّ من أيِّ جاذبيّة.
ـ إسم مؤلِّفه؟ الشاعرُ والإعلاميُّ المعروفُ مغربيّاً وعربيّاً.
ـ كلمة “رواية”؟ ونحن لا نعرف ياسين عدنان روائيّاً.
ـ الفنك؟ دار النشر المغربيّة المعروفة.
ـ صورة الغلاف؟ المُلغِزة مثلُها مِثل العنوان.

ثمّ بعد الإقرار بالميثاق (pact).. “رواية”

ـ ما الذي حدا بعدنان الرّاسخ في عَلياءِ الشعر كمّاً وكيْفاً، صاحب البرنامج التلفزيونيّ الثقافيّ، الذي يُسائل كبار الروائيّين والنقاد، ينزل إلى أرض الرواية ليتحوّل من تابع إلى متبوع، ومن مُضيف إلى ضَيف؟
ـ إلى أيِّ حدٍّ توفّق في ولوج عالم الرواية؟
أو بمعنًى آخر، هل الرواية الواحدة تكفي للحديث عن روائيّ؟
ـ ثم ماذا أضاف هذا العنوان إلى المُنجَز الروائيِّ المغربيِّ خارج الكمّ؟
ـ وكيف تقبّل النقد هذه الرواية؟
بداية، سنقف عند سؤال الكيْف، لنقول بصراحةٍ وبأسفٍ شديد، أنّ ما شاهدناه بعد صدور هذا العمل لا يعدو بعض حفلات التوقيع هنا وهناك، حفلات يَركن فيها الناقد إلى الكاتب في حضور غير حاضر، مَعنيٍّ بتشغيل مصوّرة هاتفه الذكيِّ أكثر ممّا هو معنيّ بتشغيل مفكّرته للنقاش.
وتعليقات على الفيسبوك تخلو من أيِّ حِسٍّ نقديّ ولا تنمّ حتى عن قراءة سريعة لهذا العمل!  أقلُّ ما يُمكِن القول عنها خربشات، فلا نقرأ سوى سيْل من المحاباة وما يتجاوزها إلى أفدحَ من ذلك ممّا لا يَخدُم النصّ ولا صاحبه.
إنّ غياب الناقد المحترف المتخصّص نظريّاً وعمليّاً بسبب شروده المتواصل خارج الميدان، وكذا القارئ النبيه المتأنّي، أحدَثا ورَماً روائيّاً خبيثاً امتدّ على حين غفلة إلى الكثير من النصوص التي كان بالإمكان أن تُكتَب لها المعافاة والخلود.
ونتيجةً لهذا الفراغِ النقديِّ والقرائيِّ وبسببٍ منه، التجأ روائيّون فطاحِلة إلى سوق الفيسبوك ـ عُكاض آخر زمن ـ يقيمون فيه دكاكين يَعرضون فيها نصوصهم بالتقسيط مقابل تعليقات تافهة و”لايكات” بئيسة يتصيّدونها، فحدَث أن تحوّلوا إلى كراكيز يراقصها أمّيون على الحبال الإفتراضية من وراء الشاشة .
وهو تحوّل فظيع لا يمَسُّ الشأنَ الروائيَّ فحسب، بل يمتدّ إلى الشأن السياسيِّ والإعلاميِّ وكلَّ مناحي الحياة.
ولعمري هذا ما وقف عليه الكاتب ياسين عدنان بالتفصيل والتشريح.
وإذ ليس عبثاً أو من باب الصدفة أن يتناول الشاعر والإعلاميّ هذا الموضوع لولا أنّه من أكبر المكتوين بلظاه:
” قد يكون [المغرب] البلد الوحيـد في العالـم الذي يمكن أن تمارس فيه الصحافـة المكتوبة دون حاجـة بك لمعرفة القـواعد الأساسيـة للغة التي تكتب بها، لأنه في النهاية لا أحد يهتم”. ص 264. ط. 2 .
ولولا أنّه من أكبر المخبرين بخفاياه:
“..بعض مقاهي الأنترنت بدأت تحدد تسعيرة خاصة للطابق العلوي.” ص. 444 .ط.2.
ولعل أرحب فضاءٍ لتناول هذا الواقع المعاش والأمر الواقع.. الرواية. وهو ما يفسّرـ في اعتقادنا ـ لجوء الشاعر عدنان إلى الرواية ونزوله من سماء الشعر الثالثة إلى سماء الكتابة الثانية حسب تصنيف الشيخ الأكبر.
ولكن، ماذا عن اللغة؟
والحديث هنا عن التكنولوجيا الحديثة.
يُمكِن القول باطمئنان، أنّ ياسين عدنان توفّق إلى حدٍّ كبيرٍ في مُجمل نصّه، وهو يُشرِّح ظاهرة تجاوزت العصر، في إعادة الاعتبار إلى اللغة التي يكتب بها، ودحْض كلِّ المزاعمِ التي تنعتها باللغة الباليّة غير القادرة على مُسايرة العصر.
وهو في ذلك متسلّح بعُدّة الشعر.. ديوان العرب، وما قد راكمه خلال مِهنيّته الإعلاميّة الطويلة من فنون النقد والحِجاج والخطابة، ما يَسّر له العبور إلى جنس الرواية دون مشقة وكلفة، حتى أنّنا ونحن نقرأ الرواية ننسى عدنان الشاعر والإعلاميّ.
وسنرى حتى قبل الشروع في قراءة هذا العمل، في الفقرة على الغلاف الخلفيّ للكتاب، كيف أنّ اللغة تطاوع سريعاً الكاتب ـ وهو يتحدّث عن الأنترنتـ فتمدُّه بمادّةٍ معجميّةٍ أصيلةٍ في كلمتيْ “مضارب” و “قطّاع الطرق” على سبيل المثال.
ثم سنرى ـ على مستوى الصّيغة ـ ونحن نتوغّل في النصِّ كيف أنّ الكاتب يراود وسائط الاتصال الحديثة عن نفسها الأمّارة بالتقنيّة، يكبَح جماحها، فيُشعرِنها ويذهب إلى حدِّ أنسَنتها:
“لكن الهاتف عاود الرنين بإلحاح هذه المرة .” ص.418. ط.2.
وهو يتوسّل في ذلك بالقولِ المأثورِ والمَثلِ السائرِ والتشبيهِ والاستعارةِ
والمجازِ والمستملحاتِ… لمّا يأخذ بناصيّتها.
وهو يدعو ـ ضمنيّاً ـ إلى نبذ الحيْونة في التعامل مع وسائط الاتصال الحديثة والتحلّي حُيالها بروحٍ من الوعي والمسؤوليّة لِما لها من “القدرة السحرية الجبارة [على جعل] معلومة عابرة تزلزل حياة شخص وتدمره تماما”. ص.54. ط.2.
ليصل في نهاية الأمر إلى ضبط التسيّب الفاعل في العلاقة بين وسائل الاتصال الحديثة ومستعمليها، والرّقيِّ بها إلى قمّة الإبداع والجمال كما ينبغي لها.
“هوت ماروك”، مأساة إنسانية، جمرة أخرى حارقة يكتوي بها المثقف المغربيّ، وهي تنضاف إلى تاريخه الطويل مع الجمرات.

> بقلم: رشيد أبوالصبر

Related posts

Top