دقت مجموعة من الناشطات الحقوقيات ناقوس الخطر بشأن الانتهاكات المستمرة والتعامل التعسفي مع القانون لتزويج الفتيات القاصرات بالمغرب.
وأجمعت متدخلات، في ندوة نظمتها جمعية نعمة للتنمية، الأربعاء الماضي بالرباط، حول موضوع “تزويج القاصرات بين المقاربة القانونية والمقاربة السوسيو ثقافية” أن القضاء على ظاهرة تزويج القاصرات يحتاج إلى إرادة حقيقية وإلى تعديل القوانين للقطع مع هذا الإشكال الحقوقي.
في هذا السياق، قالت نزهة الصقلي الحقوقية والوزيرة السابقة للتنمية الاجتماعية والتضامن والأسرة، إن زواج القاصرات يستهدف الفتيات بين 14 و17 سنة، وليس بين 17 و18 سنة كما يتم الترويج له.
واعتبرت الصقلي، في مداخلتها، في الندوة الصحفية التي نظمتها كل من جمعية نعمة للتنمية ومنظمة إيلّي لحماية الفتاة، أن تزويج الفتيات في أقل من السن القانوني هو اغتصاب باسم الزواج و”إعدام للطفولة”، وفق تعبيرها.
ونبهت المتحدثة إلى أن المغرب يشهد سنويا ارتفاع الظاهرة بالرغم من كون القوانين نصت على القطع معها، وأساسا مدونة الأسرة، مشيرة إلى أن الإشكال يكمن في بعض الفصول التي تعطي للقضاة الحق في اتخاذ القرار المناسب بشأن كل حالة.
وأوضحت الصقلي أن القضاء تحال عليه طلبات بالآلاف في العام الواحد، مبرزة أن 99 بالمئة من هذه الطلبات تتعلق بالفتيات القاصرات، كما أن 80 بالمئة من هذه الطلبات يتم قبولها، داعية إلى التعاون والترافع من أجل وقف هذه “الجريمة” في حق الطفولة.
الوزيرة السابقة أكدت، في كلمتها، على أن زواج القاصرات يرقى لمستوى الجريمة بالنظر لكونه يخلف حالات اجتماعية صعبة، ذلك أن عددا كبيرا من الفتيات القاصرات المتزوجات يتعرض للطلاق في سن مبكر ويكن قد أنجبن أطفالا، يصبحون بدورهم بدون معيل، ناهيك عن كون المطلقات يواجهن العطالة لكونهن لا يتوفرن على أي مستوى دراسي.
من جهتها، كشفت حفيظة بنصالح، رئيسة جمعية نعمة للتنمية، عن مجموعة من الخروقات التي تتم والتجاوزات باسم الزواج والقانون، وذلك من خلال إلباس الاغتصاب ثوب الزواج فيما يتعلق بالقاصرات.
وأفادت بنصالح أن الجميع مسؤول عن ما آلت إليه الأوضاع الحقوقية للفتيات، لاسيما الدولة والأسرة، من خلال التحايل على القانون، خصوصا من قبل أولياء الأمور الذين يلجؤون إلى “زواج الفاتحة”، قبل اللجوء إلى مسطرة تسوية الوضعية والتي تتحمل فيها الدولة المسؤولية، من خلال تشريعاتها بهذا الشأن.
وشددت بنصالح على أن القانون يجب أن يجرم الزواج على جميع الفتيات أقل من السن القانوني، وذلك للقطع النهائي مع هذه المسألة التي تضرب في العمق حقوق الطفولة والمقتضيات القانونية الدولية التي صادق المغرب عليها.
من جانبها، أكدت فوزية ولكور، رئيسة منظمة “إيلّي” لحماية الفتاة والمنسقة الوطنية للدفع بتغيير مدونة الأسرة، أن تزويج القاصرات يؤدي إلى بروز حالات اجتماعية صعبة ترتبط بالفقر والحرمان وغيرها، بالإضافة إلى العنف وغيره.
وأشارت ولكور، في مداخلتها خلال ذات اللقاء الذي أدارته الخبيرة في مقاربة النوع رشيدة الطاهري، إلى أن حدة المشكلة ترتفع أكثر في القرى والجبال والأقاليم المنسية، إذ تتعرض، بحسبها، فتيات في مقتبل العمر لمصادرة أحلامهن ويتم الدفع بهن إلى الزواج والمسؤولية بدون الاعتبار لعامل سنهن.
وشددت المتحدثة على أن الدولة مسؤولة تجاه الأطفال، ومطالبة بالتدخل للعمل على إنهاء هذا الوضع، خصوصا وأنه يتم عبر التحايل عبر القانون، مشيرة إلى أن الظروف الاجتماعية الصعبة للأسر بالأقاليم المهمشة والقرى تدفعها لتزويج الفتيات أو تشغليهن.
ودعت المتحدثة إلى ضرورة وضع حد لهذه الإشكالات من خلال التنمية أولا وتغيير العقليات ثانيا، مجددة التأكيد على أن الدولة مسؤولة عن أطفالها ومطالبة بالتدخل بهذا الشأن.
إلى ذلك، قدمت فاطمة أوكادوم، نائبة رئيسة اتحاد قاضيات المغرب، قراءة في الأرقام المرتبطة بزواج القاصرات، حيث قالت إن رقم 80 ألف حالة زواج، يعبر عن مصادرة 80 ألف حلم، و80 ألف مسار فعلي في الحياة.
واعتبرت أوكادوم أن تزويج القاصرات مصادرة لحقهن في الحياة، ولحقوقهن الطبيعية في مرحلتهن العمرية تلك، متسائلة باستغراب عن كيفية السماح لفتاة في مقتبل العمر بدأ حياتهن بالمحاكم، وذلك في إشارة منها إلى مسطرة الزواج الخاص بأقل من السن القانوني 18 سنة، حيث يتم عرض الفتاة على القاضي للتقرير في الطلب.
ودعت أوكادوم إلى العمل والترافع على تجويد النص القانوني من جهة، ومن جهة أخرى العمل على تغيير العقليات، وجعل الأسر تفكر في تدريس بناتها وتعلميهن، مجددة التأكيد على أن النص القانوني وضع للحالات الاستثنائية لكنه صار، وفق المتحدثة، هو القاعدة، داعية إلى تغييره والقطع بصفة نهائية مع هذه المعضلة الحقوقية.
محمد توفيق أمزيان
تصوير: رضوان موسى