يتجدد الجدل على الساحة السينمائية المغربية، سواء بشأن إشكالية الاغتراب عن الواقع، وصور الابتذال التي تطغى على أفلام تتناول قضايا هامة، أو ضعف الفكرة وغياب الإبداع، في أعمال تندرج تحت ما يسمى «السينما التجارية»، بينما تبقى الأفلام «الجيدة» معدودة، حسب نقاد. وفي الآونة الأخيرة شهد المغرب جدلا حول فيلم «غزية» للمخرج نبيل عيوش الذي يوصف بأنه الرجل الأجرأ في السينما المغربية.
وبدأ عرض الفيلم بدور السينما في الرابع عشر من الشهر الماضي، وتناول قضية الحريات الفردية في المجتمع المغربي.
الفيلم الذي تم انتقاده عبر المواقع ومنصات التواصل الاجتماعي أعاد إلى الواجهة النقاش حول واقع السينما المغربية، خاصة بما حمله من مشاهد ساخنة، أكد نقاد أنها تتجاوز التقاليد، والأعراف المجتمعية، فضلا عن غياب واضح لوحدة الموضوع.
مع ذلك تعرض القاعات السينمائية أعمالا جديدة حازت متابعة مقدّرة، حسب نقاد، مثل العمل السينمائي الكوميدي «الحنش» الذي قال كاتب نصه عبد الإله الحمدوشي إنه باع أكثر من 250 ألف تذكرة خلال الشهر الأول من عرضه في القاعات في 13 ديسمبر الماضي.
اتجاهان رئيسان
يقول الناقد السينمائي المغربي مصطفى الطالب إن «هناك اتجاهان أساسيان في السينما المغربية السائدة اليوم». ويضيف «الاتجاه الأول يحاول أن يتخذ في مقاربته السينمائية بعدا فكريا ومجتمعيا ويعالج قضايا كبيرة مثل الأقليات والحريات الفردية وغيرها، لكنها غالبا ما تثير الجدل لأنها تسقط في السطحية والابتذال».
ويوضح أن مثل هذه الأعمال تثير الجدل لأن تناولها السطحي غالبا ما يضرب مباشرة في ثقافة المجتمع المغربي وهويته وفي ما هو متعارف عليه، كما أنها تسقط في جرأة مجانية ولا تخدم السينما المغربية.
أما الاتجاه الثاني حسب الناقد؛ فهو الذي سارت فيه العديد من الإنتاجات في الآونة الأخيرة، وهو ما سماه الطالب «السينما التجارية».
ويشرح ذلك بالقول «هذا التوجه وجد ضالته في السينما الكوميدية التي تستقطب جمهورا كبيرا».
ويتابع «السينما الكوميدية قد تعالج بعض المواضيع، وقد تظهر لنا ممثلين جددا، لكنها غالبا ما تعاني من ضعف في الفكرة ومن الرتابة وغياب وجهة نظر إبداعية».
ويستدرك «صحيح أن السينما الكوميدية ضرورية وهي موجودة في كل العالم لكن عندما ترى فيلما كوميديا أمريكيا فستجده بفكرة مبدعة وبقواعده المعروفة، أما عندنا فقد تنجح هذه الأفلام تجاريا لكنها لا تنجح من وجهة نظر إبداعية».
ويخلص الطالب إلى أن «هذا ما يجعل السينما المغربية سينما عرجاء ما بين الابتذال وما بين السعي إلى إنتاج أفلام في المستوى».
في المقابل لا يخفي الناقد أن هناك أفلاما في المستوى «لكنها تبقى قليلة جدا وتعد على رؤوس الأصابع وتظل محصورة بين النقاد والنخبة».
وعلى الرغم من ذلك يرفض الناقد وصف الأفلام السائدة بالرديئة، معتبرا أن الرداءة صفة للعمل حينما يكون ضعيفا جدا على جميع المستويات بما فيه المستوى التقني والفني.
ويشير إلى أن «أغلب الإنتاجات السينمائية اليوم على المستوى التقني والفني جميلة جدا وإن كانت تعاني مشكلة في الفكرة والمضمون».
النقد الغائب
يبدو أن المشكلة الكبيرة من وجهة نظر المخرج المغربي عز العرب العلوي أن «الجو العام السينمائي في المغرب ليس صحيا لأن الغالب فيه هو تصفية الحسابات»، وهو «أمر لا يدع السينما تتطور».
ويضيف «إذا كنت تريد أن تكون سينمائيا في المغرب فما عليك فعله هو أن لا تفعل شيئا، لأنك إذا فعلت ستُرمى بالسهام من جميع الجهات».
ومن بين الأسباب التي ساهمت في هذا الوضع حسب المخرج المغربي «مشكل ضعف المتابعة النقدية الحقيقية». وتابع «النقاد السينمائيون في المغرب رقم محدود جدا وأغلبهم نقاد انطباعيون أو صحافيون يشتغلون في جميع القطاعات».
وخلال الأسبوع الماضي قدم العلوي في العاصمة الرباط العرض ما قبل الأول لفيلمه السينمائي الجديد «دوار البوم» الذي يتناول فيه موضوع السجون السرية في المغرب.
ويقدم الفيلم الذي تابعه الكثير من النقاد والمهتمون زاوية جديدة هي المعاناة النفسية لحارس السجن الذي صوره الفيلم على أنه معتقل بدون قضية.
مؤشرات إيجابية
ورغم هذا الجو الذي وصفه بغير الصحي، يعتبر العلوي أن هناك مؤشرات إيجابية في السينما المغربية، والدليل أن «المغرب في البداية كان ينتج فيلما في أربع سنوات والآن ينتج ثلاثين فيلما ويبحث فيها عن ثلاثة أو أربعة أفلام جيـدة».
ومن بين تلك المؤشرات أيضا «حضور السينما المغربية في الكثير من اللقاءات الدولية كمشارِكة وليست كبانوراما، وكذلك ظهور مؤسسات سينمائية كثيرة ومدارس أفرزت شبابا يهتمون بالسينما وهو ما أضاف إلى السينما من ناحية الجودة»، حسب المخرج المغربي.
ومن أجل الاستجابة لتوقعات الجمهور؛ يدعو العلوي السينمائيين إلى الكتابة بطريقة محلية وعن قضايا نابعة من المكان، معللا ذلك بقوله «لأن المخرج حينما يبتعد عن هموم الشعب والمواطن المغربي فلن يجد صدى داخل المغرب ناهيك عن خارجه».
ويضيف «هناك أفلام كما لو كانت قادمة من الخارج بثقافة أخرى ورؤية أخرى غريبة عن واقع المغرب». ويختم العلوي حديثه قائلا «لو قارنا السينما المغربية مع السينما الإيرانية سنجد أن هذه الأخيرة منسجمة مع ذاتها وتنتج انطلاقا من واقع معين وتغرف من مكان واحد، بينما نحن في السينما المغربية نغرف من أمكنة متعددة. عدم التجانس هذا لن يعطينا سينما بل سـيعطينا أفلاما مغـربية متعـددة ولكل فيـلم اتجـاهه الخـاص».