شباب طائش يحولون حياة البيضاويين إلى جحيم خلال عاشوراء

سلسلة من الحوادث الشنيعة يتبادل الناس بشأنها الحديث، هذه الأيام، في المقاهي وصالونات الحلاقة وحتى في الحافلات وسيارات الأجرة، تنجم عن اللعب المتهور بالمفرقعات والألعاب النارية. في الحقيقة، هي وقائع تثير سخط وتدمر البيضاويين في كل المناطق خصوصا بالأحياء الشعبية والمهمشة. إنها من أبشع مظاهر الاحتفال بعاشوراء في مدينة الدار البيضاء، حيث الشباب الطائش والمتهور، لا يقبل أي وسيلة أخرى للتسلية سوى هذه الألعاب النارية الخطيرة التي تحدث عن إشعالها دويا يشبه صوت المتفجرات.  بيان اليوم تحدثت إلى عدد من البيضاويين بمناطق مختلفة حول المفرقعات والألعاب النارية التي تبقى من أكثر السلع رواجا، خلال هذه الأيام، بل يزيد الإقبال عليها حتى قبل حلول الشهر الذي يحتفل فيه المسلمين بعاشوراء، أي مباشرة بعد عيد الأضحى.
حميد برادة، موظف، متزوج وأب لثلاثة أطفال، التقته بيان اليوم بسيدي معروف، وسألته عن رأيه بخصوص الظاهرة، ليتحدث بكثير من التذمر عن التساهل الذي تلقاه من قبل الأباء والأمهات وتصير به مستفحلة في المجتمع، فالظاهرة رغم أنها مستفزة لمشاعر البيضاوين والكل يدينها بقوة، يقول برادة، الا ان هذا الرفض للظاهرة يبقى حبيس النفوس عند الغالبية من المجتمع، ولا يترجم إلى أفعال ناهية وتحسيسية للأطفال بخطورة اللعب بالمفرقعات .. موضحا في سياق كلامه، أن الكثير من الأباء يرغمهم ابناؤهم على مدهم بالمال لشراء هذه الألعاب الخطيرة، بل من هؤلاء، يضيف، من يصطحبون أطفالهم لشراء هذه المحظورات، او يتجشمون عناء البحث عنها وجلبها للمنزل معتقدين أن في ذلك ما يخلق السعادة لأطفالهم. واستطرد المتحدث، أنه في هذه الفترة التي تتزامن واقتراب عاشوراء الذي يصادف عاشر محرم، تتحول الشوارع والدروب بكل الأحياء والمناطق إلى فضاءات لاستعراض القوة بين الأطفال، من خلال التنافس في استعمال المكثف للألعاب النارية والمفرقعات غير مبالين بخطورتها على المارة والأطفال الصغار الذين يلعبون في محيط منازلهم. برادة الذي تابع كلامه، أكد أن هذه الألعاب النارية الخطيرة، تسود احتفالات عاشوراء كل سنة، مرجعا سبب ذلك إلى تهاون السلطات الأمنية بالعاصمة الاقتصادية في الحد ومحاربة هذه الظاهرة وذلك من خلال تشديد العقوبات على تجار ومستوردي الألعاب النارية والمفرقعات، مشيرا في السياق نفسه، إلى أن طفلة صغيرة أصيبت مؤخرا بحي السعادة، عندما رمى شاب بـ”مينة” لتنفجر في الهواء وتصيب الضحية على مستوى الوجه، و لولا الألطاف الإلاهية لفقدت الضحية إحدى عينيها يقول المتحدث.
في الواقع، احتفالات عاشوراء في حاضرة كالعاصمة الاقتصادية التي تحلم بريادة المدن الأكثر تقدما ليس على المستوى الوطني فقط، بل الافريقي كذلك، لها طعم خاص بفضل الخصوصية الثقافية المتنوعة والمتعددة لهذه المدينة التي تجمع بين طياتها المتناقضات بين ما هو حداثي تقدمي وما هو هامشي بئيس، هذا ما عبرت عنه، نوال لشهب، طالبة بمعهد عال للتجارة وإدارة المقاولات، والتي تقطن بحي كاليفورنيا. نوال التي التقتها “بيان اليوم” وسط المدينة، أضافت ان الأحياء الراقية لا تشهد أي استعمال للألعاب النارية او المفرقعات خلال هذه الفترة وأن مظاهر الاحتفال بعاشوراء شبه منعدمة بهذا الحي الراقي الذي تبقى فيه السلوكات والتصرفات منضبطة إلى أبعد حد، وأي إزعاج من المترددين على هذا الحي، قد يكون موضوع اتصال هاتفي من قبل أحد سكانه بالشرطة التي تحضر لتطهير المنطقة من الأشرار..تبتسم نوال، وتتابع كلامها، بأن هناك فرقا شاسعا بين الأحياء الراقية والشعبية حيث تتعدد مظاهر الاحتفال بعاشوراء من طقوس وعادات وإن اختلفت تفاصيلها من أسرة إلى أخرى، فإن القاسم المشترك يبقى رسم الابتسامة على وجوه الأطفال وإشراكهم فرحة هذه المناسبة الدينية التي تروم تعزيز وترسيخ التضامن والتكافل بين فئات المجتمع.
واستطردت المتحدثة، أنها عادة ما كانت تقوم في هذه المناسبة بزيارة احدى قريبتها بحي شعبي بالبرنوصي، ولكنها لم تعد تفعل ذلك منذ أكثر من سنتين، خوفا مما يصدر عن بعض الشباب الطائش الذين يستغلون حلول عاشوراء لإطلاق العنان لسلوك وتصرفات خطيرة تحت ذريعة الاحتفال بالمناسبة، حيث يستهدفون المارة بالمفرقعات خصوصا الفتيات، وليس هذا فقط، بل إن الفتيات يكن عرضة للأفعال العدوانية، من قبيل الرشق بالماء الملوث والبيض الفاسد، تقول المتحدثة التي نددت بهذه المظاهر السلبية التي ليست لها اية علاقة بالاحتفال بهذه المناسبة، مؤكدة، أن يوم عاشوراء مناسبة لترسيخ قيم التضامن الاجتماعي وإخراج الزكاة وإعطائها للفقراء والمحتاجين، وهو أيضا فرصة لزيارات الأهل والأحباب وقضاء بعض الوقت الممتع معهم.
في الواقع، البيضاويون يجلون هذه المناسبة الدينية ويفردون لها طقوسا خاصة، ويظهر ذلك من خلال الاستعدادات التي يخصصونها لاستقبال عاشوراء مع بداية شهر محرم، حيث تكثر محلات يع الفواكه الجافة او ما يصطلح عليه بـ” الفاكية” التي تعد إحدى المقومات الضرورية للاحتفال، وتتحول الشوارع لفضاءات لبيع لعب الأطفال من دمى ومسدسات مائية وآلات موسيقية وغير ذلك من هذه المنتوجات الصينية الصنع. غير أن كل هذه الفعاليات الاحتفالية تبقى من دون طعم في أجواء يكدر صفوها اللعب بالمفرقعات والألعاب النارية، التي تصدر دويا شبيها بصوت المتفجرات التي تستخدم في المناجم، فهي تذهل الناس وتحول حياتهم إلى جحيم لا يطاق، خلال هذه الفترة. عائشة ربيب، التي التقتها بيان اليوم بسوق باب مراكش وبالضبط بمحل لبيع الفواكه الجافة، تحدثت عن أجواء الاحتفال بهذه المناسبة، حيث تقول إن من العادات التي مازالت الأسر تحافظ عليها في إحياء ليلة عاشوراء، تحضير الكسكس بـ”الديالة” (لحم أضحية عيد الأضحى)، التي تبقى من أهم مكونات هذه الوجبة المغربية بامتياز، مبرزة، اللمة العائلية التي تضفي طابعا خاصا على ليلة الاحتفال والتي يتم فيها توزيع الفواكه الجافة على أفراد العائلة. المتحدثة في سياق كلامها، لم تفتها الإشارة إلى المظاهر السلبية التي تسود هذه الاحتفالات، ومنها اللعب بالمفرقعات والألعاب النارية الخطيرة، التي صارت كابوسا مزعجا يقض مضجع الأسر البيضاوية، مبرزة في هذا الصدد، المآسي التي تسببت فيها هذه الألعاب الخطيرة، من بتر لأصابع أطفال وفقأ لأعين تلاميذ، وحروق وإصابات مختلفة لضحايا من بينهم أناس كانوا في الشارع أو ازقاق “الخطأ” حين كان شباب طائش يرمون بهذه المفرقعات في الهواء لتصيب المارة.
فبالرغم من وجود قانون يمنع استيراد الألعاب النارية والمفرقعات، ويحظر استعمالها في الحفلات والأعراس، بل وحتى في المناسبات الدينية، فإن أصوات هذه الألعاب الخطيرة تصم الأذان في الأحياء الشعبية حيث تقلق راحة المواطنين وتشعرهم بالخوف، الشيء الذي يشكل تناقضا صارخا. وعن هذا الواقع، سالت بيان اليوم محمد او بها، شابا في مقتبل العمر التقته بـ” درب عمر”، فكان جوابه أن الألعاب النارية والمفرقعات، تباع بـ”المكشوف” بهذا السوق من طرف باعة متجولين، مشيرا، إلى أن هناك فعلا دوريات للشرطة تقوم بحملات من حين لآخر لمنع تجارة هذه الألعاب الخطيرة، إلا أن ذلك يبقى دون جدوى. وأكد هذا الشاب أن الإقبال على شراء الألعاب النارية والمفرقعات يبدأ مباشرة بعد عيد الأضحى، مشيرا، إلى أن مهربين يجلبونها إلى هذا السوق، حيث يبيعونها لباعة يقومون ببيعها بالتقسيط للشباب وللأطفال الصغار.
ومن بين أسماء هذه المفرقعات الخطيرة، كما يقول هذا الشاب، “داعش” “زيدان” “ميسي” و”كراناد”، أما “الزيدانية”، يضيف، فتعتبر من أخطر أنواع هذه الألعاب المتداولة بالسوق، فهي شبيهة بالمتفجرات التي تستعمل في المناجم وصوتها يصم الأدان، واللعب بها يشكل خطورة كبيرة على الأطفال والمارة الذي قد يصابوا بأجزائها المتطايرة وتتسبب لهم بعاهات مستديمة.

سعيد ايت اومزيد

Related posts

Top