شغب كرة القدم…

أحداث الشغب والتخريب التي عاشها المركب الرياضي الأمير مولاي عبد الله بالرباط، بمناسبة مباراة فريقي الجيش الملكي والمغرب الفاسي يوم الأحد الماضي، يجب أن تعتبر إنذارا آخر للقائمين على شأننا الكروي الوطني، ودافعا للتفكير في حلول حقيقية.
لم يعد شغب الملاعب الرياضية محصورا في الاعتداء على الحكام فقط أو على لاعبي ومسيري الفريق الخصم، ولم يعد عبارة عن مشادات واشتباكات بين مشجعي الفريقين في المدرجات، ولكنه بات، فضلا عن كل هذا، يمتد إلى محيط الملعب، ويتجسد في الاعتداء على الناس، وتخريب ممتلكاتهم وقطع الطرقات واقتراف السلب والنهب، أي أن الأمر تحول إلى مس صارخ بالأمن العام، وإلى استهداف السلامة الشخصية والجسدية لمواطنين ليست لهم علاقة مباشرة بالمنافسة الرياضية.
صحيح، أن الشغب في ملاعب كرة القدم تعيشه العديد من البطولات الدولية، ولاشك أن مباريات وتظاهرات كروية عديدة، في المقابل، تمر ضمن اشتراطات الروح الرياضية والتنافس الشريف، ولا تتخللها أي توترات، ولكن ما حدث في الرباط، وبرغم كل هذا، يجب التصدي له بقوة.
والبداية، يجب أن تكون من خلال طرح الأسئلة ذات الصلة:
لماذا لم ينفع القانون المتعلق بالتصدي للشغب والدوريات والتدابير المستوحاة من أحكامه في القضاء على الظاهرة؟
لماذا يتغاضى الجميع في أبواب الملاعب عن دخول القاصرين بدون مرافقة ذويهم؟ ومن يقتني لهم التذاكر؟ ومن يتغاضى عن إدخال أدوات قابلة للاشتعال أو بعض الأسلحة اليدوية حتى؟
ومن جهة ثانية، وإذا تعمقنا في الأسئلة أكثر:
لماذا جرى التغاضي طيلة سنوات عن جماعات منظمة للمشجعين، تحولت، بالتدريج، إلى «لوبيات ضغط» في المدرجات، وضد المسيرين؟ ولماذا تركت تعيث حتى وسط الأحياء وتنشر الشعارات على الجدران، وتمارس كل أنواع الضغط، بل وحتى بعض الأنشطة التجارية على ظهر شعارات التشجيع ومناصرة الفريق؟
كل هذا التغاضي هو الذي أوصلنا اليوم إلى الانفلات، وإلى غياب أي تأطير للمشجعين والأنصار في المدرجات وخارج الملاعب.
قد نكون نجحنا في بعض التدابير التنظيمية والمؤطرة لممارسة كرة القدم في بلادنا، وقد نكون نجحنا في إشعاع صورة بلادنا داخل مؤسسات كرة القدم القارية والدولية، ولكن لا يمكن لكل هذا أن يغطي على فشلنا الصارخ في توفير شروط فرجة كروية عادية في ملاعبنا.
وهنا، لا بد أن نكرر سؤالا يطرحه الكثير من المتابعين لشأننا الكروي الوطني، وهو لماذا مثل هذه الأحداث الأليمة والمنبوذة تقترن كثيرا بجمهور الفريق العسكري، ومرات أيضا بجمهور المغرب الفاسي؟
ليس في الأمر أي استهداف أو تركيز مبالغ فيه، ولكنه واقع ناجم عن أحداث سابقة تكررت أكثر من مرة، فما بالك عندما يلتقي الفريقان، ويجتمع الجمهوران في مدرجات ملعب واحد.
الأمر يتطلب اليوم مساءلة كامل المنظومة التدبيرية لممارستنا الكروية الوطنية، وإعمال تفكير جدي وعميق في سلوكات الشغب وفِي خلفياتها وأبعادها، وأيضا في امتداداتها وتداعياتها الرياضية وغير الرياضية.
لن تكفي العقوبات التأديبية والمادية في حق الفرق، ولن يجدي الرمي بالمسؤولية على كاهل هذه الفرق ومسيريها، ولكن الأمر أكبر من ذلك، ويتطلب إعمال القانون بكامله، وأيضا التفكير في تدابير هيكلية واستراتيجية لمحاصرة الظاهرة والحد منها.
هناك طرف آخر يتضرر من مثل هذه الأحداث، وهم المواطنون العابرون صدفة قرب الملاعب، أو السكان المجاورون للملاعب، وهناك كذلك مشكل العقلية التي يجري التطبيع معها، وهو أن هذا الشغب يصير عاديا ولا يستوجب العقاب، أو الاعتقاد على أن هناك من يحمي المتورطين فيه  أو ينجيهم من كل عقاب أو جزاء، وهنا خطورة ما يحدث.
التفكير يجب أن يتوجه نحو عمق الأشياء، نحو الظاهرة وخلفيتها وآثارها المجتمعية..

<محتات‭ ‬الرقاص

[email protected]

الوسوم , ,

Related posts

Top