يواجه البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، انتقادات حادة من قبل المنظمات والجمعيات الدولية المهتمة بقضايا المناخ والديون البنكية للدول النامية والفقيرة.
فما أن يعلن البنك والصندوق عن عقد اجتماعاتهما في مكان ما في هذا العالم، إلا ويحزم أعضاء المنظمات حقائبهم، ويتوجهون أمام مراكز الاجتماعات للاحتجاج على سياسات الصندوق والبنك.
ووقفت جريدة بيان اليوم، خلال الاجتماعات السنوية لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، التي انعقدت بمدينة مراكش، ما بين 9 و15 أكتوبر، عند المحطات الاحتجاجية التي قادها مناهضو سياسة البنك والصندوق الدوليين.
وندد المحتجون الذين حجوا من مختلف دول العالم التي تنتمي إلى أمريكا اللاتينية، وأوروبا، وآسيا، وإفريقيا، بسياسة الصندوق والبنك، التي تسببت في “تدهور المناخ العالمي”، والأزمة المالية للشعوب التي باتت تعيش “استعمارا جديدا” بفعل تراكم الديون على حكومات الدول الفقيرة والنامية.
ويطالب المحتجون صناع القرار بالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، بإلغاء الديون على الدول الفقيرة والنامية، ووقف تمويل المشاريع التي تدمر المحيط البيئي، لا سيما النفط والفحم والغاز، مقترحين الاتجاه نحو الطاقة النظيفة من أجل مستقبل أفضل وعادل لمختلف الشعوب والأجيال.
ومقابل سخونة النقاشات التي احتضنتها فضاءات الاجتماعات الدولية لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، نظم تنسيق “قمة الحركات الاجتماعية العالمية المضادة للاجتماعات السنوية لصندوق النقد الدولي والبنك العالمي”، لقاءات وورشات معاكسة لتوجه المؤسستين الاقتصاديتين الدوليتين، عبر مشاركة حقوقيين، وأساتذة جامعيين، وخبراء اقتصاديين، يرفضون السياسة المالية والنقدية للصندوق والبنك.
وشهدت الندوات المضادة لاجتماعات البنك والصندوق، مناقشة مواضيع من قبيل “الدين كأداة للاستعمار المالي من خلال استمرار الشمال العالمي في الهيمنة على الجنوب بتواطؤ من الطبقات الحاكمة المحلية بشمال إفريقيا والشرق الأوسط، إلى جانب التطرق إلى الاستعمار الفرنسي في إفريقيا، ناهيك عن مواضيع الدول والحدود في أوروبا، والأزمة الديمقراطية والنزعة الاستبدادية الجديدة، واستراتيجيات التحرر”.
وواكبت بيان اليوم المسيرة الاحتجاجية التي أشرف عليها تنسيق “قمة الحركات الاجتماعية العالمية المضادة للاجتماعات السنوية لصندوق النقد الدولي والبنك العالمي”، والتي انطلقت من ساحة باب دكالة، مرورا بساحة 16 نونبر، وصولا إلى ساحة جامع الفنا، حيث حمل فيها المحتجون
لافتات، مطالبة بتغيير النظام العالمي، ومناهضة سياسات التقشف ومحاسبة الفاسدين المتسببين في تلويث مناخ كوكب الأرض.
وقال محتج تونسي: “إن المؤسستين منذ إحداثهما قامتا بتهميش شعوب دول الجنوب واستعبادها عبر شرنقة الديون التي ارتفعت بفعل زيادة نسب الفوائد”، مؤكدا، أن هذه الديون “باتت استعمارا مقنعا من البلدان الغنية للبلدان الفقيرة والنامية”.
وعبر المحتج التونسي في تصريح لبيان اليوم، عن رفضه لسياسة البنك والصندوق الدوليين، خصوصا في شق تمويل المشاريع المضرة بالبيئة والتي أدت إلى تغير خطير في المناخ العالمي، وذلك على حساب شعوب دول الجنوب الضعيفة”.
من جهته، اعتبر محتج سينغالي، أن أجندة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، هي ترجمة حرفية للرأسمالية والإمبريالية، مشددا بأن سياسة الصندوق والبنك، مجرد تظاهر بحب الخير لشعوب العالم، التي تستنزف ثرواتها ومجهوداتها عبر تراكم فوائد الديون.
ودعا المحتج السينغالي الذي قدم من فرنسا، في حديث مع بيان اليوم، تلبية لدعوة “قمة الحركات الاجتماعية العالمية المضادة للاجتماعات السنوية لصندوق النقد الدولي والبنك العالمي”، (دعا) إلى رفض سياسات التجويع والتفقير وسياسة الاستعمار الجديد الذي ينتهك سيادة دول الجنوب.
ويأتي هذا التحرك الاحتجاجي الذي يواكب انعقاد أي لقاء لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، للتنديد بقرارات المؤسستين الماليتين، حيث أبرزت محتجة بلجيكية أن “الإمبريالية الجديدة تحاول السيطرة على الشعوب، من خلال إغراق حكوماتها بالديون، لهذا يجب الوقوف في وجه سياساتها المخربة للوضع الاجتماعي لساكنة دول الجنوب”.
ولاحظت المحتجة في تصريح للجريدة، عقب وقفة احتجاجية أمام باب مركز الاجتماعات الخاص بالصندوق والبنك الدوليين، أن اجتماعات البنك والصندوق بمراكش لم تحمل شيئا جديدا بخصوص الحفاظ على البيئة، بل سمحت للملوثين الكبار بمزيد من التلويث، على أساس أن يدفع الفقراء ثمن هذا الوضع.
ودعت المتحدثة، إلى ضرورة تحالف الفقراء واتحادهم للمطالبة بحقهم في العيش في بيئة نظيفة وفي شروط اجتماعية واقتصادية عادلة، عوض استمرار استنزاف ثرواتهم الطاقية والغذائية من قبل المستعمرين الجدد.
من جهتها، صرحت لورينا لوزا المناضلة الإيطالية بجمعية “the coalition for human rights in developpment ” بأن العالم يجب أن يتجه نحو الطاقات البديلة، ويتخلى جذريا عن استغلال الطاقات الأحفورية المضرة بالبيئة، والتي تهدد الوجود البشري فوق الأرض.
وترفض لورينا لوزا، في تصريح لبيان اليوم، استمرار الفقر والتهميش بدول الجنوب، مطالبة بالعدالة الاجتماعية والاقتصادية، وبضرورة الحفاظ على البيئة انطلاقا من حلول الاستثمار في الطاقات البديلة باعتبارها صديقة للأرض.
وتعتبر هذه المحطة التي قادتها تنسيقية “قمة الحركات الاجتماعية العالمية المضادة للاجتماعات السنوية لصندوق النقد الدولي والبنك العالمي”، صرخة جديدة في وجه صناع القرار داخل البنك والصندوق الدوليين، “الملزمان بالتخلي عن سياساتهما الاستغلالية لشعوب دول الجنوب” على حد تعبير المحتجين.
وجدد المحتجون تأكيدهم على أن تزويق الخطابات والتلاعب بمشاعر وعواطف الشعوب، لن يثني الرافضين لسياسات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي عن معارضتهم لها، لاسيما وأن المناخ بات متدهورا بشكل كبير.
من جانبه، دافع أجاي بانغا، رئيس مجموعة البنك الدولي في كلمته بالجلسة العامة للاجتماعات السنوية لعام 2023، يوم 13 أكتوبر الجاري، عن سياسة البنك التي أصبحت تراعي أحوال المناخ، موضحا أن الاستثمارات المباشرة في قطاع الطاقة الأحفورية اقتصرت العام الماضي على 170 مليون دولار في مجال الغاز، بينما كانت الالتزامات 120 مليارا.
وأوضح أجاي بانغا أن انبعاثات الغازات الدفيئة من الغاز الطبيعي أقل من تلك الناجمة عن الفحم أو النفط، بيد أنه يقر بصعوبة “تحمل فترة أخرى من النمو شديد الانبعاثات”.
ودعا بانغا إلى “إيجاد طريقة لتمويل عالم مختلف، عالم يكون فيه المناخ مصونا، ويمكن فيه السيطرة على الجوائح ــ إن لم نستطع الوقاية منها ــ ويتميز بوفرة الغذاء، وتقهر فيه أوضاع الهشاشة والفقر، إلى جانب القدرة على الصمود في وجه الصدمات المناخية والصحية”.
ويشدد المسؤول الأول داخل البنك الدولي على الاستدامة، “من خلال النمو وخلق فرص العمل، والتنمية البشرية، وإدارة المالية العامة والديون، وتحقيق الأمن الغذائي، والحصول على الهواء النقي والمياه والطاقة بأسعار معقولة”.
ويرى أجاي بانغا أنه “لا يمكننا إحراز تقدم كاف في مجال الصحة العامة في الوقت الذي يؤدي فيه ارتفاع درجات الحرارة إلى تغيير أنماط الأمراض المعدية وظهور سلالات من الجوائح”، فضلا عن أنه “لا يمكننا مساعدة المزارعين على زيادة غلة المحاصيل وإطعام السكان المتزايدين باستخدام أساليب لم يتم تصميمها للتعامل مع سنوات طويلة من موجات الجفاف”.
يوسف الخيدر
تصوير: أحمد عقيل مكاو