صورة من احتفالات عيد العرش

سجل كثير من المتابعين لاحتفالات عيد العرش وأنشطة جلالة الملك بالمناسبة، صورة لم تخل من دلالات، ويتعلق الأمر بتوشيح شخصيات أمنية بأوسمة ملكية على إثر مساهمتها في التحقيقات الخاصة بالاعتداء الإرهابي الذي استهدف مقهى أركانه بمراكش. إنها فعلا ليست المرة الأولى ولا الأخيرة، حيث يتسلم أمنيون أوسمة ملكية، لأن الأمر يتعلق بخدام للدولة مثل غيرهم في مصالح أخرى، ولكن أهمية الصورة الحالية تكمن في كون المغاربة شاهدوا عبر التلفزيون المدير العام لإدارة التراب الوطني، والمراقب العام للإدارة نفسها، وهما يتلقيان وساميهما من جلالة الملك، تماما كما جرى الأمر مع شخصيات أخرى، وفي هذا إشارة هامة  تفيد أن الأجهزة الأمنية والاستخباراتية تسير نحو الانتظام ضمن مقتضيات الزمن المغربي الجديد، الذي يجعلها مؤسسات عادية في خدمة المغرب والمغاربة، وتسري عليها، كما على غيرها، قوانين البلاد والقانون الأسمى للمملكة، وتخضع هي كذلك لجدلية المسؤولية والمحاسبة.
سنكون في عمق الشرود إذا اختزلنا الصورة المشار إليها في البحث عمن صعدت كفته ومن هبطت نحو الهاوية، من ضمن المؤسسات الأمنية، وسعينا إلى جر المعنى نحو صراعات وحروب الكواليس، حتى ولو كانت متوهمة، ولكن تشديد جلالة الملك على التأويل الديمقراطي لأحكام الدستور، يجعلنا نقرأ الصورة في دلالتها المومأ إليها أعلاه، لأن التحول تصنعه أيضا هذه الإشارات والرمزيات والصور والسلوكات.
إن جعل عمل الأجهزة الأمنية والاستخباراتية يقترب من الناس، ويخضع للقانون، ويندرج ضمن حكامة أمنية عصرية ومؤسساتية وشفافة، يعتبر من ضمن محددات المعنائية العامة  للتحول.
وإن اقتران توشيح مسؤولين من إدارة مراقبة التراب الوطني بالتفجير الإرهابي الذي استهدف مقهى أركانه بمراكش، يحيل أيضا على أهمية دور هذه الأجهزة وغيرها من المصالح الأمنية والترابية في حماية أمن البلاد واستقرارها، وإن الإشادة بنجاح عملها على هذا الصعيد يعني أيضا التأكيد على أن دورها الأساسي يوجد هنا بالذات، أي في السهر على الأمن الداخلي للمغرب، وعلى طمأنينة المغاربة.
وهنا لا بد من الإشارة كذلك إلى أن القدرة على تنظيم احتفالات عيد العرش في شمال المملكة، في خضم كل ما يشهده شارعنا من حراك، وما يعيشه العالم العربي وجوارنا المغاربي من أحداث دموية، يحيل أيضا على مقدرات حرفية لعناصر الأجهزة الأمنية والترابية، فضلا، بطبيعة الحال، عن التفاف الشعب المغربي وتلاحمه.
لم يأت خطاب العرش وحده طافحا بالرسائل الموجهة لمختلف الفاعلين المعنيين، إنما اللحظة ذاتها، وما رافقها من أنشطة وقرارات ملكية لم تخل هي الأخرى من إشارات ودلالات، يجب أن تنتظم كلها في سياق الانتقال بالمغرب إلى مرحلة مختلفة، أي مرحلة الجيل الجديد من الإصلاحات الشاملة، ومرحلة تطبيق القانون في مختلف مجالات الحياة العامة.
[email protected]

Top