عبد العزيز الگواطري: ينبغي العناية بلغة أدب الطفل لتنمية قدراته التعبيرية

عبد العزيز الگواطري قاص من مدينة تاونات، يكتب بشغف للطفل الذي خبر عالمه الخاص عن تجربة حياتية ومهنية كأستاذ للتعليم الإبتدائي لأكثر من ربع قرن، بكل تأن وإنصات للطفل وأسئلته البريئة وأجوبته الذكية.
ولأنه يملك عين المبدع الثاقبة والحادسة والصبورة كعين الذئب التي يطبعها الصبر والدقة في اقتناص القصة المناسبة للطفل وتقديمها له في أبهى حلة حكائية ولغوية، تجعل عين الطفل لا تغفل عن الحدث الذي يطبعه التشويق والمتعة والمعرفة وإذكاء الرغبة في التعلم.
ولأنه أخرج إلى الوجود مجموعة من القصص تحت عنوان “رحيق الجبل” خاصة بالطفل، كان لنا معه هذا الحوار الذي هم هذه الباقة المكونة من القصص التالية:
البط الحكيم، والدجاج المزركش المصلح، والفأر الأبيض المغرور، وورطة باز، وحيلة ذئب، والذئب الموسيقي، وإشاعة ثعلب، وعدنان يتعلم القفز، ومصارعة الثيران.‏
وحول تجربته في الكتابة والعمل الثقافي عموما.

> لنبدأ معك السيد عبد العزيز الگواطري هذه الدردشة الثقافية، لماذا اخترتم الكتابة للطفل وما الدافع إلى هذا الاختيار وما هو الحافز إلى الكتابة إلى للطفل؟
< أولا لا أدعي الفطرية في اختياري الكتابة للطفل، لكني لا أجد حرجا في القول إن الكتابة للطفل هي الموقع الذي وجدت فيه نفسي بشكل طبيعي، ففي مستهل”قصة البط الحكيم”، أول قصة كتبتها ألمحت لماذا هذا الاختيار، بالإضافة إلى كوني كنت مدرسا وعشت مع الطفل واحتككت بعالمه، حيث درّست المستوى الأول ابتدائي ربع قرن بالتمام والكمال، وبكل محبة وتفان. الطفل في تصوري مشروع أمة فكم يكبر الأطفال أمامي وكم أفرح بالمستقبل المزهر الذي ينتظرنا لما أرى الأطفال يقرأون بنهم وبحماس، أنا مازلت حتى اللحظة أتابع خطوات تلاميذي وأفرح بتفوقهم وكل إجابات الأطفال تدعوني للتأمل، لأني أعرف أن الأطفال لا يخطئون لأنهم يمتحون أجوبتهم من المجتمع وبكل براءة.

> في أغلب قصصكم تحضر الشخصيات الحيوانية كأبطال ونماذج وقوى فاعلة ما الذي تحاولون قوله ضمنيا من خلال الاتكاء على الشخصية الحيوانية التي تتميز في المخيال الشعبي ببعض الأبعاد والقيم؟
< قصص الأطفال تدعونا لتأثيث عالم الطفل بما تميل إليه نفسه فإقبال الأطفال على الحيوانات له طعم وشعور خفي بالتملك، فيبذل من أجل ما يملك فتتولد لديه قيمة السخاء التي هي أم القيم، فيتحرر من السلبية والأنانية والأخذ من الكبار فقط، ورغم إتكائنا على البطولة في ثوب حيوان ما، فإننا حاولنا تخليصها من بعض القيم السلبية الماضوية المتجاوزة وشحنها بالقيم الإنسانية والأخوة الكونية، فالقيم النبيلة من تسامح وتعاون ورفق وتعلم وذكاء، هي التي قادت وحركت أبطال قصصنا التسعة بأبعاد المستقبل الذي ينبش في المخيال الشعبي ليهذبه ويهيمن عليه ولا ليحذو حذوه أو يتمثل أبعاده وقيمه.

> كذلك تحضر في تجربتكم القصصية التي بين أيدينا بعض الملامح والسمات الخاصة بالحكاية الشعبية، هل الأمر له علاقة بالخلفية الثقافية لديكم، أم الأمر مجرد آلية جمالية وفنية من جانبكم لإعطاء لمستكم الخاصة لفعل الكتابة من جانبكم؟
< حاولت مراعاة عناصر قصة الطفل من خلال قصص المجموعة القصصية ككل فنيا وجماليا، ومن ناحية القيم ومن حيث السرد والحوار الذي يدور على ألسنة الأبطال، ولم أغفل دور الشخصيات الثانوية في تطوير الحبكة للوصول إلى أهداف القصص بشكل واضح، وإن لاحت هناك تقاطعات مع الحكاية الشعبية فهي في الظاهر فقط ولا يزيد على النهل من بعض مضامينها وهو أمر لا يختلف عن النهل من كل رصيدي في القراءة من كل الآداب من روايات وقصص، ومنها قصص الأطفال، فكما قيل: إذا أردت أن تكون شاعرا عليك أن تحفظ ألف بيت من الشعر ثم تنساها، وبعد أن تحصل لك الملكة ستنظم الشعر وليس بمجرد حفظ العروض بعلله وزحافاته ستقول شعرا، فلمستي لم تكن حبيسة جنس الحكاية الشعبية، بل لمستي كانت في بناء عالمي الصوري بعيدا عن الخلفيات الموروثة والقيم الماضوية العتيقة وفي ثقتي بقدرة الطفل على التحليق في أرحب فضاءات المحبة والخير والخيال إذا طوعنا له اللغة طبعا ومكناه من معجمها وأساليبها.

> يبرز بشكل جلي الاهتمام من جانبكم باللغة العربية الفصحى وعناصر غناها المعجمي والجمالي، هل هذا الاهتمام باللغة العربية نابع من محبة للغة العربية أم أملته ضرورات واختيارات الكتابة؟
< لا تحتاج لتقص للطفل بلغة مكتوبة فتستعمل حينها أصوات الأشياء أو صورها وتساعده على الوصول إلى الهدف، لكن لما تفكر بأن تنقل له قصة باستقلال عنك كليا أو نسبيا، لا مناص من البحث عن وسيلة لتقص له، والوسيلة لن تكون سوى اللغة، وكل اللغات تبقى معبرة عند الناطقين بها، ولها جماليتها ومعجمها، ونحن بحكم تواصلنا باللغة العربية نستشعر بعدها الجمالي ونحب جرس وموسيقى كلماتها، كما قد يحب بلزاك أو فكتيور هيكو أو مولير ورامبو ودوسوتفيسكي أو سارتر لغتهم، فليس هناك تمايز بين هذا وذاك، قد تترجم هذه المجموعة “رحيق الجبل” على سبيل المثال إلى لغات أخرى وإذا كانت الترجمة بعين حدقة، سوف تكون بلغة جميلة وبمعجم مناسب، المهم أن تكون بلغة أدبية تخضع للجمالية الداخلية لأي لغة وأن تحمل القيم الكونية وتحافظ على نقاء الرؤية التي أعالجها كمؤلف، ومجموعتي القصصية تنقسم إلى قسمين: قسم يروج القيم كهدف وقسم يروج بالإضافة إلى القيم معجما، أرى بأنه ضروري للأطفال حتى ينمو رصيدهم اللغوي ويتسع أفقهم في التعبير عن ذاتهم وما حولهم بكل دقة وحرية.

> لننتقل مما هو خاص بتجربتكم للكتابة للطفل إلى واقع أدب الطفل، كيف ترى واقع أدب الطفل وطنيا وعربيا وماهو التقييم والصورة التي يمكن وضعها من جانبكم لأدب الطفل، هل هي صورة إيجابية أم صورة سلبية، خصوصا في العلاقات التي تحكمه واقع القراءة والنشر والفاعلين فيه؟
< في العالم الثالث ينصب اهتمام الرجل أولا بعالم أشيائه، فيهتم بثوره أو جمله في المرتبة الأولى ثم يهتم بالمرأة ثانيا ويأتي الطفل في المرتبة الثالثة والأخيرة، هذا الرأي هو للزعيم التركي، كنت قرأته في صفحة لمجلة ما منذ 1992 عندما كنت بمركز تكوين المعلمين بميسور- بولمان، بقي عالقا في ذهني، من غير نصه ربما زدت فيه شيئا أو نقصت منه شيئا، لكني أعتقد بأنه رأي مازال ساريا في واقعنا للأسف، فأتاتورك أو أبو الأتراك تكلم في عصره وصنع لبلده كل شروط نهضتها الحالية، لأنه كان يعرف ما يقول. نحن رغم كل الحمولة التي نتكلم عنها فنحن وطنيا وفي العهد الجديد وضعنا القدم على الطريق، فهناك أقلام في أدب الطفل لها باع طويل وتجارب ناجحة وتتعامل مع دور نشر وطنية وعربية وعالمية، وأما عربيا لا يمكن أن نعدم الفضل لأهله في بعض الدول الرائدة عربيا ولا سيما على مستوى التشجيع ودور النشر، لكن الانطلاقة الحقيقية تحتاج إلى مجهودات إلى تشجيع المؤلفين مباشرة إلى تشجيع نوادي القراءة وتشخيص وضع أدب الطفل من الجهات العليا لتضع له لبنة النهوض فنهضة أدب الطفل يترتب عليها نهوض الآداب بعامة.

> تنشطون في العمل الجمعوي الثقافي منذ عدة سنوات، كيف تقيمون تجربتكم الجمعوية في هذا المجال وما هي الخدمة والإضافة التي يمكن أن يقدمها العمل الجمعوي للإبداع عموما وأدب الطفل خصوصا؟
< العمل الجمعوي كان أحد الواجهات التثقيفية المضمونة المردودية التي يقبل عليها الشباب ففي الفترة التي كنت تلميذا وكان ارتيادنا دار الشباب بتاونات متنفسا ومتعة لحضور الندوات واللقاءات التي كانت تنظم هناك من جمعيات مختلفة كجمعية الأمل للثقافة وجمعية أوراش الشباب المتطوع وجمعية النادي السينمائي… ومن هنا اكتسبت شغف الانخراط في العمل الجمعوي وفي 1997 كنت من حاملي لواء تأسيس جمعية تنموية ثقافية بالزريزر والتي يرأسها حاليا الأخ والصديق المثقف أحمد السامري وظللت منخرطا فيها وعضوا وجاءت بعدها العضوية في منتدى الوحدة للدراسات والأبحاث في العلوم الإنسانية الذي أسسه صديق الطفولة والشباب الأخ عبد العزيز بنعيش وحاليا فأنا عضو مؤسس في جمعية مقدمات للإبداع والثقافة بتاونات والتي جمعتنا بثلة من خيرة المهتمين بالفعل الإبداعي وعلى رأسهم الأخ والصديق والمثقف العضوي إبراهيم ديب وأخريات وآخرون ليس أمامي إلا أن رفع لهن ولهم القبعة فالعمل الجمعوي كما أعايشه هو رئة ومتنفس للإبداع فالمبدع في أمس الحاجة لفضاءات لتلقيح تجاربه والبوح للمهووسين بالفعل الثقافي فإذا كنت تريد شراء عطر لا محالة ستذهب إلى العطار وإذا كنت تريد أن تتنفس إبداعا فعليك بالعمل في الحقل الجمعوي، وماذا يمكن أن يقدم للإبداع ولاسيما لأدب الطفل، فأنا في تجربتي الأولى مع أدب الطفل وتواصلي مع الجمعيات، أعطاني أكثر من إرهاصات إيجابية ورغبة أكيدة في تشجيع التجربة، فمدينة فتية لا تتوفر على مرافق لعرض الإبداع، فجمعيات المجتمع المدني هي ذلك البديل ليرفع التحدي ويرفع التهميش ويعبر عن حرقة الإبداع والتعطش للكلمة.

> كلمة أخيرة:
< في الأخير أقدم لكم الأخ والصديق العزيز محمد العزوزي بتشكراتي على هذا الحوار وهذه الدردشة، وأتمنى لكل مهتم بمجال المستقبل مجال الإبداع الذي هو تطلع لبناء مستقبل زاهر للأجيال القادمة لأطفالنا الذين هم ثروتنا الحقيقية وهم مشروع نجاح هذا الوطن الغالي الذي لا يستسلم أبدا، لهذا نقول الغد لنا، الغد للإبداع، للثقافة، محبتي للجميع.

حاوره: محمد العزوزي

Related posts

Top