الأستاذ علي علاوي فنان مسرحي مغربي، ممثل وباحث وناقد، شارك مرتين في مسابقة البحث العلمي المسرحي التي تنظمها الهيئة العربية للمسرح لفائدة الباحثين الشباب، آخرها الدورة السادسة لعام 2021 خلال أزمة كوفيد، وفاز بالمركز الأول في الدورتين معا.. التقيناه في بغداد ضمن الوفد المسرحي المغربي المشارك في الدورة الرابعة عشرة لمهرجان المسرح العربي الذي تنظمه الهيئة العربية للمسرح بتعاون مع وزارة الثقافة والسياحة والآثار ونقابة الفنانين العراقيين في الفترة الممتدة ما بين 10 و18 يناير الجاري، وأجرينا معه الحوالر التالي:
> أولا، أنت حاضر هنا ببغداد لتتويجك بعد أن فزت بالمركز الأول في المسابقة العلمية للبحث المسرحي في دورتها السادسة برسم عام 2021 فهنيئا لك بهذا التتويج في مسابقة الباحثين الشباب.. فما الذي تشكله لك هذه الجائزة خصوصا وأنك تظفر بها للمرة الثانية؟
< كل الشكر لكم، ومن خلالكم لهذا المنبر الذي أجده بكل صدق منبرا يدعم ويحتضن كل الطاقات الإبداعية المغربية وفي جميع التلوينات والأطياف الفنية. الشكر أيضا موصول للهيئة العربية للمسرح على إتاحتها الفرصة للباحثين الشباب من أجل إبراز كفاءاتهم وطاقاتهم مما جعل من هذه المسابقة مشتلا لمشاريع باحثين ما أحوج المسرح العربي اليوم إليهم..
وبالنسبة لسؤالكم المتعلق بمدى تمثل الجائزة بالنسبة لي، فأظن أن الباحث العربي الشاب هو في مسيس الحاجة لهكذا مسابقات لعدة غايات من أهمها إثبات ذاته كصوت شاب جديد ومتجدد، زاده المعرفة النقدية، التي تبدو في جغرافيتنا العربية المسرحية عملة نادرة، وهذا راجع لآفة الاتباع.. ناهيك على أن فرصة المسابقة التي تتجدد من خلال الناظم الفكري الذي تطرحه الهيئة العربية للمسرح كل سنة، هي محك حقيقي لكل باحث لكي يتوسل الآليات الحجاجية، ويضبط إيقاع الكتابة النقدية، وينفتح على المظان المعرفية سواء كانت نقدية أو إبداعية، وهذا يعطيه في نظري المقدرة على فرض مكانته كمبدع شاب متحرر من سلطة الأسماء أحيانا، كاشفا عن الحجاب الذي وضعه أو وُضع له أحايين أخرى؛ لأن أي باحث، كما هو معروف، عليه أن يسلك دربه متحوزا عدته المعرفية، مخلصا ومحبا لما يقوم به. وعندما يبلغ الباحث هذا المبلغ من الإدراك، يتسنى له حينها المشاركة في المسابقة المذكورة والتي تشرف عليها الهيئة العربية للمسرح في إطار المهرجان العربي الذي تأتي دوراته تباعا بدءا من العاشر من يناير مطلع كل سنة حيث يتزامن هذا التاريخ مع اليوم العربي للمسرح.
وإلى جانب هذا كله تشكل لي هذه المسابقة تحديا كبيرا لأن اسمي ارتبط بها في دورتين وهما الدورة الثالثة والدورة السادسة، لذلك أنا أدرك حجم المسؤولية الملقاة على عاتقي، خاصة أن اسم المغرب يكون حاضرا كمتوج في كل دورة من دورات هذه المسابقة، بل عبر تاريخها الممتد عبر ثمان سنوات.. وأقول، هنا، تحديا ولا ألقي الكلام على عواهنه وذلك مرده لسببين:
أولهما أن المغاربة يفوزون بهذه المسابقة منذ دورتها الأولى وإلى الدورة الثامنة التي نعيش اليوم فعالياتها في بغداد مدينة الجمال والجلال، وهذا إرث ثقيل لا يدركه إلا من اهتجس بالبحث وحاول تجريب كل السبل لتحقيق الفرادة.
وثانيهما أن مدة إنجاز البحث مرهونة بعامل زمني ضيق، وإن بدا ممتدا، لأن أشد ما يتعب الباحث هو الوقت، لأن الأخير هو عدو الباحث الأول. أقول هذا لأن المدة المنذورة لإنجاز البحوث لا تتجاوز، في أقصى حالتها، ستة أشهر؛ كما أن هناك عامل ضغط يتجلى في كيفية التعامل مع ناظم الدورة لأن المشرفين على هذه الدورة من رجالات الهيئة العربية ينحتون ناظما كل سنة ليكون هو القاعدة الفكرية التي ينبغي السير على ركبها وإنجاز البحوث إنطلاقا منها وكل بحث لا يُنتج على مدارها يعتبر لاغيا.
> على ذكر الناظم الفكري الذي تحدده الهيئة العربية للمسرح، كل سنة، والذي أشرت إليه في كلامك، حيث يتعين أن يندرج البحث ضمن إطاره وأن يكون منسجما مع مفرداته ومجيبا أو مقاربا لأسئلته.. فهلا أوجزت لنا أهم محاور ومضمون اشتغالك في بحثك الفائز؟
< لقد تقدمت إلى المسابقة ببحث كان عنوانه على النحو الآتي:
"تأملات نقدية في الجغرافية العربية المسرحية: نحو تفكيك الزوج الإبستيمي". وذلك استجابة لناظم الدورة، وتناولت فيه بالدرس والتحليل والنقد والتفكيك بنية الجغرافية العربية من حيث الإبداع، والنقد؛ حيث بدت هذه البنية في شقيها كما ذكرت مرتهنة بزوج إبيستيمي بعينه هو الإيديولوجيا في كل ما تعلق بالكتابة سواء كانت نقدية أم تنظيرية أم إبداعية.. وبالميتافيزيقا في جانب الفرجة، لأن الأخيرة لا يمكن أن تستقيم إلا بحضور الجسد.
يفهم من هذا الكلام أن سقفنا المعرفي (أي الإبيستيمي) تجثم عليه الإيديولوجيا في مجال اللغة والميتافيزيقا، كتمركز حول جزء من الجسد ينعت بالمقدس؛ وتنفي الميتافيزيفا، في مقابل هذا، الجزء المشار إليه بالمدنس.
لقد تعامل العرب بالمعنى المذكور مع المسرح كمنظومة للترفيه والترويح عن النفس، ولم يجعلوا منه مدعاة للتفكير، إذا صح القول إن العرب لم يفكروا في المسرح تفكيرا مسرحيا، وإنما ظلت جهودهم وصفية توثيقية، ولم تسبر غور البنية الآنف ذكرها. لأن كل تجديد وتجدد يحتاج إلى تفكير في الداخل ومن الداخل، وليس علينا اقتراض العدة المفاهيمية ولا أدوات اشتغالنا من الخارج، أقصد خارج البنية المسرحية وضمن مجالها الفكري الذي هو الجغرافية الإيديولوجية. فكل إصلاح لا ينصب على داخل البنية بغية تفكيكها وإعادة تركيبها لا يعول عليه.
لذلك بدا لي أن أمر تفكيك البنية الفكرية للجغرافية العربية المسرحية، صار ضرورة قصوى ومستعجلة.
> بالإضافة للمجال البحثي الذي برزت فيه بدراسات علمية ومقالات نقدية، فأنت أيضا ممثل في المسرح والسينما والدراما التلفزيونية.. ولعلك من بين الفنانين القلائل الذين يجمعون بين الممارسة الإبداعية والبحث النظري والنقد.. فكيف يتأتى لك الاشتغال في كلا المجالين علما أن لكل منهما خصوصياته وإكراهاته خصوصا الزمنية منها.. وهل ثمة تأثير مجال على آخر لاسيما وأنك أيضا دارس ومدرس للفلسفة؟
< صراحة هذا السؤال يطرح عليّ كثيرا، بينما أنا أجد المماهاة بينهما شرط وجوب، لأن البحث والتمحيص يفيد المبدع وذلك شأن بريتولد بريخت، ودأب أنطونان أرتو.
عندما يتحقق الجمع بين البحث والنقد والإبداع كممارسة مسرحية، إن على مستوى التشخيص أو التأليف أو الإخراج، فإن ذلك من شأنه أن يغني السجلين معا في الآن ذاته: سجل الباحث وسجل الفنان، ودون هيمنة سجل على آخر؛ هذا في حالة ما إذا اعتبرنا أن الباحث بالمعنى الشاسع للكلمة ليس فنانا، في حين أن العكس هو الحاصل تماما. لماذا؟ لأن الفنان هو الذي يتحوز رؤيا بأفق ممتدد أفقيا وعموديا ولا مسافة زمنية تحدها، بمعنى رؤيته خارج الزمن أي خارج الإطار المحدد سلفا لعامة الناس، سواء كان هذا الإطار سلفيا أو إيديولوجيا أو حداثيا أو أصاليا... وهو بهذا يعد فنانا وما دون ذلك فهو واحد من الناس ينخرط بوعي أو بدونه ضمن نفس الإطار، ويكرره بشكل فني جاف لا عمق فيه وإن ظن أنه يبلور بعدا جماليا. لأن متكأ الجمال هو المنظور الذي لا يمكنه أن يتحقق إلا برؤيا.. هذا من جهة، ومن جهة ثانية أجد أن كل هذا يدخل في صميم المهام الموكولة للباحث الذي سمي كذلك لأنه كثير البحث عن مسارب الهروب بغية الحرص على تحقيق المنعطف كلما حاول الإطار المذكور آنفا بسط سيطرته. ولأن الوعي بهذا كله سبق وتحقق فلا تجدني أمنع نفسي من مناكفة الإطار سواء تولدت الرغبة في نحث الإبداع نقدا أو بحثا أو تعبيرا فنيا، وتأكيدا على هذا انتهيت للتو من جولة مسرحية بعرض تحت عنوان "كلام الليل" تأليف اسماعيل بوقاسم إخراج بوشعيب الطالعي. ولعبت فيه دورا إلى جانب كوكبة من المبدعين منهم حسن عين الحياة، وبشرى مسطاري ووفاء عصادي.
> من خلال تتبعك لفعاليات دورة بغداد لمهرجان المسرح العربي ومشاهدتك لعروضه المسرحية، لاشك أنك تمكنت من تكوين انطباع عام حول العروض المسرحية المقدمة في هذه الدورة ومنها العروض المغربية، هل ثمة قراءة أو مقاربة شخصية لما راكمته من مشاهدة خلال هذا المهرجان؟
< يبدو أن العروض المسرحية العربية المشاركة في الدورة 14 هي عروض متمايزة ومتباينة على عدة مستويات سواء كانت فنية أو تقنية أو فكرية.. وهذا أمر مقبول لأن المخرجين المشاركين هم من أجيال متنوعة وبحساسيات مختلفة وبسرديات عديدة، لكنها نابعة من معاناة الذات العربية.. وعلى سبيل الذكر لا الحصر أنوه بالمسرح العراقي المعاصر الذي لا يدخر جهدا في بسط سرديته بعد الغزو الأمريكي للعراق، وكذلك الشأن بالنسبة لسردية المسرح التونسي والإماراتي والجزائري، ناهيك عن المسرح المغربي الذي يعلن عن نفسه كمسرح متعدد السرديات والأشكال الفنية والجمالية، وهذا جلي من خلال المشاركة المغربية في هذه الدورة.. فمثلا المخرج بوسلهام الضعيف يمثل حساسية جمالية تولي أهمية للنص ولشعرية الكلمة فيه، لذلك نجده يشتغل على الكاتب والروائي محمد برادة، ويواصل مشروعه الفكري والجمالي، وهذا اختيار يحسب له، لأن الموجة تتجه صوب إنشطارية النص بل وتغريبه والانتصار للوسائط الجمالية الأخرى. أما الفنان ياسين أحجام الذي عاد إلى الإخراج المسرحي بعد صيام طويل، فله شكله الذي يمتح تصوره من جماليات العرض المسرحي بلمسة غاية في الجمال والمتعة. أما المخرج أمين نسور فخط لنفسه طريقة أصبح يعرف بها، وطنيا وعربيا، تتوسل آليات إنتاج عناصر وعلامات العرض الجمالية من الموسيقى والأهازيج، والاشتغال على الفرجات الشعبية... وتبعا لذلك ألفي أن المشاركة المغربية في دورة العراق لمهرجان المسرح العربي تعكس غنى وتنوع وتعدد الحساسيات الفنية المغربية.
> باعتبارك متتبعا لمهرجان الهيئة العربية وحضرت على الأقل لثلاث أو أربع دورات، وتتبعت أخرى عبر البث المباشر، هل يمكن في نظرك اعتبار هذا المهرجان محرارا لقياس حالة المسرح العربي عموما ومدى تطور وتنامي التجارب الدرامية العربية؟
< قولك صحيح وسديد كون المهرجان العربي للمسرح بمثابة محرار لقياس درجة الوعي الجمالي لكل الحساسيات المسرحية العربية من خلال الاحتكاك المباشر، والتفاعل الدائم حضوريا وافتراضيا، وأقصد به البث المباشر، وبالنتيجة يصير المهرجان العربي فضاء مفتوحا للتلاقح والتبادل والتكامل والاختلاف والتمايز لكل المسرحيين العرب، أما بالنسبة للشق الثاني من سؤالك والذي جاء عارضا مسألة تطور وتنامي التجارب الدرامية، أنا أجد أن المسرح العربي يتقدم مثل طريقة حصان الشطرنج، فهناك بعض الحساسيات العربية تقطع شوطا مهما من الناحية الجمالية في دورة من دورات المهرجان العربي، فتعد هذه التجربة رائدة، وفي الدورة الموالية أو التي بعدها يحدث تراجع كبير، تقنيا وجماليا. حدث هذا مثلا مع المسرح الجزائري، والأردني، والتونسي من خلال تجارب بعينها لا يتسع المجال لذكرها. ولذلك قلت بأن بعض التجارب المسرحية لا يمكن حصرها لا في تقدم مستمر ولا في تقدم منقطع، فكلاهما معا يسم خط التقدم في التجارب الدرامية العربية لذلك أجد استعارة حصان الشطرنج مناسبة لوصف الوضع القائم. ألم تقل العرب إن لكل حصان كبوة؟
> طيب، في ختام هذا الحوار، بودي أن أسألك هل ثمة مشاريع جديدة في اشتغالك المسرحي، بحثا وإبداعا، وهل تنوي المشاركة في الدورة القادمة لمسابقة البحث العلمي المسرحي المخصصة للباحثين الشباب؟
< بطبيعة الحال، بعد عودتي للمغرب، سأستأنف نشاطي الفني والعلمي، فأنا حاليا بصدد التهييئ للدكتوراة، كما سأنكب على إنتاج عمل مسرحي خلال هذا الموسم الجديد، وسأنهي بعض الاشتغالات النقدية حول بعض العروض المسرحية المغربية، ومن دون شك سأعود محملا بنزر من الكتب اقتنيتها من العراق وعلي أن أقتطع وقتا من التزاماتي المهنية والجمعوية للاطلاع عليها.. أما فيما يخص إمكانية مشاركتي في الدورة المقبلة لمسابقة البحث المسرحي فأعتقد بأنها ستكون واردة مبدئيا إذا ما سنحت لي ظروفي بذلك، وإذا تمكنت من التقدم نسبيا في تحرير أطروحة الدكتوراة، وعلى كل حال سأنتظر إلى حين إعلان الهيئة العربية عن الناظم الفكري الذي ستحدده للدورة المقبلة...
< حاوره: الحسين الشعبي
على هامش الدورة 14 لمهرجان المسرح العربي ببغداد .. بيان اليوم تحاور الباحث المسرحي المغربي الأستاذ علي علاوي
الوسوم