عن مثقفينا مرة أخرى

ضمن سياق الحراك الشبابي، وأيضا في خضم الدينامية السياسية والإصلاحية التي تشهدها البلاد، يسجل الكثيرون خلو الساحة من صوت مثقفينا ومفكرينا ومن فعلهم المواكب والمنخرط في كل هذه المسلسلات المجتمعية. سبق أن تحدثنا عن الموضوع، وكتب فيه غيرنا، والعودة اليوم ليست محاكمة، إنما لطرح السؤال مجددا حول هذا الواقع، وحول المعنى والوظيفة والدور وباقي السياقات والعلائق.
بعض أصدقائنا المثقفين يردون أحيانا بأنهم لا يجدون مساحات للتعبير وللفعل، لكن متى كان القيام بالدور تجاه المجتمع يتوقف على إذن مسبق من جهة ما، أو بسط الورود في الطرقات لتكون المسؤولية يسيرة ولا تعب يحيط بها؟
كثير من مثقفينا تآلفوا مع عزلتهم وانسحابهم من كل شيء، واستسلموا ليأس غريب يتناقض حتى مع طبيعة المبدعين وتموضعاتهم الوجودية تجاه المجتمع والعالم والناس.
اليوم، لقد نجحت الديناميات التي انبعثت وسط شوارع العديد من البلدان العربية في «تحرير» هؤلاء المثقفين من عزلتهم ويأسهم، وسمحت لهم بالتأسيس هم أيضا لانتقالهم الخاص، وبالتالي تجاوز «ماضويتهم»، ونفض الغبار عن …الكسل.
في حالتنا المغربية شاهدنا نحن أيضا بعض الفنانين يشاركون في المسيرات، ويدلون للصحافة بتصريحات تتضمن عبارات التضامن والتأييد لمطالب الشباب، ورأيناهم يسيرون و…يتبعون، ويصرحون.
لكننا لم نر مفكرين وأدباء وباحثين وفلاسفة وعلماء اجتماع يخلقون دينامياتهم الخاصة وتحولاتهم، ويجرون المجتمع كله للتداول في منظومات فكرية كبرى من إعدادهم، أي أننا بقينا نعاني من …صمتهم، ومن استقالتهم.
الصمت لم يعد كافيا أيها الأصدقاء.
البلاد في حاجة إلى أفكار وإلى مشاريع فكرية تغني حقلنا العمومي.
إن حركية الشارع اليوم، في المغرب كما في باقي دول العرب، تصنع أفكارها ومرجعياتها على الفيسبوك والتويتر، لأن الساحة خلت من أصواتكم، كما أنه ليست حركية الشارع والشباب وحدها من تحتاجكم اليوم، إنما المعضلات المجتمعية الكبرى تنتظر رؤاكم وفعلكم…
إن بناء الديمقراطية وتقوية الحداثة مشروط بانخراط قوي للمثقفين والمفكرين والأدباء والفنانين كحلفاء أساسيين في معركة الديمقراطية والتحديث، وفرارهم من القيام بهذا الدور هو من أكبر المخاطر التي تهدد أفقنا السياسي والمجتمعي.
لم يعد مسموحا اليوم أن نستمر في التفرج على استقالة مثقفينا من شأن المجتمع والناس، ولم يعد مسموحا أن نتفرج أيضا على من ألفوا الأكل من يدي الديكتاتوريين العرب، وهم اليوم لم يصمتوا ولو خجلا، بل ذهب بعضهم  عند واحد من هؤلاء الطواغيت يخفف عنه الاحتضار، ويسخر من الشعوب والمناضلين.
أمثال هؤلاء، ليبقوا في ماضويتهم، فالشعوب أشاحت عنهم بصرها.
في المغرب كثيرون غيرهم شرفاء ومن أبناء هذا الشعب.
خذوا الكلمة أنتم أيها الأصدقاء.

[email protected]

Top