عودة المهرجانات….

تشهد العديد من جهات البلاد عودة الحياة لمهرجانات فنية وثقافية كانت توقفت في العامين الأخيرين بسبب الجائحة وتداعياتها، وبقدر ما تعتبر عودة هذه الدينامية إيجابية ومحفزة للجمهور على الإقبال على الفرجة وعلى الحياة، فهي، في نفس الوقت، تطرح أسئلة بشأن الفاعلية والجدوى والجاذبية والإتقان.
من المؤكد أن هذه المهرجانات تبقى متباينة المستوى، وضمنها تظاهرات حقيقية وكبرى، وتقف وراءها كفاءات في التنظيم والإدارة والبرمجة والتسويق، ولكن هناك أيضا أشياء تقام تحت تسمية مهرجان لا صلة لها بكامل المعنى، وتغطي ممارسات انتهازية وسلبية بلا قيمة أو مردود.
يفرض هذا طرح كامل المنظومة المهرجانية الوطنية للنقاش والتفكير، ومن أجل بلورة مداخل لتأهيلها وتقوية مستويات الحرفية والإشعاع فيها.
هذه المهرجانات والملتقيات في السينما والموسيقى والمسرح والتشكيل والرقص والفلكلور والآداب وغيرها، تمتلك الأهمية الأولى، كونها تتيح لشعبنا وشبابنا فرص الفرجة والإمتاع الفني، وأيضا اللقاء مع الفنانين والمثقفين وصناع الأذواق، وهذه، من المؤكد، حقوق ثقافية وفنية طبيعية للمغربيات والمغاربة، كما أنها تظاهرات تتيح، ثانيا، فرصا لمهنيي هذه الفنون لتبادل الخبرات والتجارب مع مبدعين ومؤسسات من بلدان متعددة، ومن ثم تقوية المهارات الحرفية والتقنية والفنية الضرورية لصناعاتنا الثقافية والفنية، علاوة على أنها لا تخلو، ثالثا، من آثار تنموية وترويجية وتسويقية وتعريفية وإشعاعية للمناطق والجهات التي تقام فيها، وتقدم، بذلك، صورة مهمة عن بلادنا، وعن مقوماتها الحضارية والتنموية والسياحية…
وتبعا لكل هذا، المهرجانات ليست فقط مناسبات تنشيطية بسيطة، ولكنها رافعات للتنمية، وبإمكانها أن تستثمر لتعزيز الجاذبية العامة لبلادنا.
وهنا يجب أن يعتبر تطوير المهرجانات الفنية والثقافية مسؤولية جماعية تنخرط فيها السلطات العمومية ذات الصلة، وأيضا الجماعات الترابية والمؤسسات العمومية وفعاليات القطاع الخصوصي، وأن تدعمها، وأن تنسق مع الهيئات المنظمة لهذه التظاهرات، ومنظمات المجتمع المدني والهيئات المهنية ذات العلاقة، وكل ذلك ضمن تأطير قانوني وتنظيمي يقوم على الحرفية والشفافية والوضوح، وعلى تطبيق القانون…
أن تبقى بعض هذه المهرجانات مجالا للريع والعشوائية، فهذا لا يضمن، أولا، مقومات استمراريتها وتطورها، وسيجعلها، ثانيا، مبررات لتهجم القوى الظلامية المناهضة لكل أشكال الفرح على كامل الحركية المهرجانية والفنية، ومن ثم يكون المتسلطون عليها قد قدموا خدمة كبيرة للأوساط الرافضة للإبداع الفني والثقافي، وأعلنوا أنهم يشبهونهم ولا فرق بينهم.
بصفة عامة، هناك عدد من المهرجانات الفنية تستحق الدعم والمساندة والمواكبة لتطويرها واستمرارها، والقائمون عليها يستحقون التنويه والتحفيز، ولهذا يجب أن تكون المنظومة المهرجانية من ضمن أركان السياسة الثقافية ببلادنا، ومجالا أساسيًا لحضور الدولة ودعم تضحيات ومبادرات المهنيين والهيئات المنظمة.
ومن جهة أخرى، المهرجانات وحدها، مهما كانت محكمة التنظيم وتمتلك الإشعاع القوي، فهي لا تعوض ضرورة توفر بلادنا على سياسة ثقافية عمومية وشاملة والتقائية.
لقد أبانت ظروف الجائحة وما بعدها عن الحاجة المتزايدة للثقافة والفنون، وعن دورهما في إنماء الأذواق، وفي تقوية الوعي المدني والمواطن وسط شعبنا، ولهذا الأمر يعتبر اليوم أولوية في جدول أعمالنا التنموي والديموقراطي والتأهيلي، ودعم وتطوير المهرجانات الفنية الجادة من ضمن مداخل ودعامات هذا التأهيل المجتمعي، وأيضا لتجسيد حق شعبنا في الفرح، وفي الحياة.

<محتات‭ ‬الرقاص

[email protected]

Related posts

Top