تخلد الطبقة العاملة المــــــغربية اليوم، على غرار مثيلاتها في كل العالم، فاتح ماي، العيد الأممي للعمال، وذلك في ظرفية مجتمعية عامة تشهد تنامي غلاء المعيشة وارتفاع أسعار المواد والخدمات الأساسية، وهو ما يعري تدهور القدرة الشرائية لفئات واسعة من شعبنا…
فاتح ماي، ليس يوم راحة أو عطلة مؤدى عنها، ولكن هو تاريخ يحيل على نضالات مريرة منذ عقود للطبقة العاملة والنقابات المناضلة والجادة والقوى التقدمية المساندة لها، ومن ثم يجب تخليده ضمن هذا الإستحضار الدائم والتذكير المستمر.
هذا العام، يحل فاتح ماي في سياق دولي لا يختلف اثنان حول صعوباته وتعقيداته، وأيضا حول تداعياته التي تمس أغلب بلدان العالم.
لا زال العالم يجر معه معضلات ما بعد زمن الجائحة وما أفرزته من أزمات وتغيرات في الأوضاع، وفي العلاقات بين البلدان، وأضيفت إلى ذلك تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، ثم طبعا تحولات الأسواق وسلاسل التوريد وأزمة المحروقات والحبوب، وأيضا تفاقم أزمات هيكلية يعاني منها النظام الاقتصادي الرأسمالي العالمي وانعكاسات ذلك على العديد من البلدان النامية، وعلى الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للكثير من الشعوب والمجتمعات…
وبالنظر إلى تعدد آليات ارتباط السياسات الاقتصادية والمالية، وتنامي التبعية والتحكم من طرف الدول الكبرى وجشعها، فإن تأثير الأزمات الرأسمالية العالمية واضح في أوضاع بلد مثل المغرب، علاوة على مسؤولية حكومتنا الذاتية، من خلال فشلها البين، وجمودها، وعجزها عن تنفيذ الإجراءات الشجاعة المطلوبة للتصدي للمعاناة التي يتكبدها شعبنا منذ مدة.
حتى المدافعين عن اختيارات الحكومة الحالية لا يستطيعون اليوم إنكار تدهور القدرة الشرائية لفئات واسعة من شعبنا، ولا ينكرون وجود التضخم والمضاربة والغلاء، وتفاقم الفقر والبطالة والهشاشة…
كل هذا هو واقع اليوم ويلمسه الجميع، وآثاره وتجلياته واضحة في المعيش اليومي، ونبه الكثيرون الى مخاطره، لكن الحكومة وحدها لا تريد أن تسمع أو أن ترى أو أن تتدخل أو تتخذ إجراءات وتدابير عملية وشجاعة وملموسة، وتكتفي بالصمت والجمود، وأحيانا بشتم من ينتقد اختياراتها وتكلسها، والأفضع أنها تركت شعبنا يواجه معضلات تتعلق بمعيشته وقوته اليومي وحيدا بلا أي سند من الحكومة، ولا يرى في الأفق أي تغيير في السياسات المتبعة لحد الآن.
الحكومة لفت عنقها بمنغلقات وحبال ملتوية، وسيجت محيطها بالسكوت والفراغ والنفور من الحديث والتفاعل مع الشعب ومع المعارضة.
هذه العقلية المتعجرفة والفاشلة هي التي أفضت اليوم إلى انتشار القلق وسط الطبقات الفقيرة والمتوسطة من شعبنا، وعم الخوف من المستقبل، وساد الاحتقان، وتراجعت الثقة.
من المؤكد أن السلطات العمومية قامت بإجراءات لكنها بقيت جزئية وبلا أي أثر ملموس على الحياة اليومية للناس، ومسؤولية الحكومة أن تبادر، وتعمل ليل نهار، للتخفيف من حدة الأزمة العالمية وانعكاساتها، وللتخفيف من معاناة شعبنا جراء تدهور قدرته الشرائية بسبب الغلاء والتضخم والمضاربات والإحتكار، وأن تمتلك الشجاعة للتوجه نحو الاختلالات البنيوية، وأن تتصدى لللوبيات المهيمنة والمستفيدة من فوضى السوق، سواء في قطاع المحروقات أو في المواد والسلع الاستهلاكية الأساسية أو في الخدمات ذات الصلة بالحياة اليومية للأسر المغربية.
ستعيد النقابات التذكير بمطالبها ومواقفها بمناسبة تجمعات واستعراضات فاتح ماي، وسيخرج الأجراء إلى الشوارع والساحات يصرخون بشعاراتهم واحتجاجاتهم، ولكن الأمر هذه السنة يتزامن مع احتداد الأزمة وتدهور الاوضاع المعيشية، وعلى الحكومة أن تنصت جيدا إلى أنين ومعاناة الناس، وأن تلتقط الإشارات والرسائل من تفشي الاحتقان والقلق، وأن تتدارك تأخرها وتقدم على إجراءات عملية وشجاعة لمواجهة ما يحدث، ولكي يستعيد شعبنا ثقته في وطنه وفي المستقبل.
<محتات الرقاص