فاعلون حقوقيون وسياسيون وجمعويون في شهـــاداتهم على الواقع الحقوقي بالمغرب سنة 2015

محمد السكتاوي:  مدير عام منظمة العفو الدولية المغرب

استمرار الفجوة بين الالتزامات المعلنة من طرف الحكومة والممارسة الفعلية على أرض الواقع

نتابع في منظمة العفو الدولية باهتمام بالغ كل الخطوات الرسمية المبذولة لتحسين أوضاع حقوق الإنسان في المغرب، بما في ذلك ما خطط له من إصلاحات قانونية وتفاعل إيجابي مع الآليات الدولية لحقوق الإنسان، بيد أن المعضلة تبقى متمثلة في استمرار الفجوة بين الالتزامات المعلنة من طرف الحكومة والممارسة الفعلية على أرض الواقع، بالإضافة إلى سياسة تتسم بالتردد وعدم الحسم في قضايا كثيرة، ما زالت معلقة منذ توصيات هيأة الإنصاف والمصالحة في 2005 من قبيل مصير بعض المختفين وتوفير العدالة للضحايا ووضع استراتيجية وطنية واضحة لعدم الإفلات من العقاب.
هناك الكثير مما يمكن الثناء عليه، لكن مع التذبذب في التعاطي مع ملفات حقوق الإنسان ووضع المنظمات الحقوقية التي تنتقد سجل الحكومة المغربية في صف الخصوم، فإن التزامات الحكومة تبقى بدون مضمون ومشكوك في جديتها.
فمن المؤسف، أن السلطات واصلت خلال هذه السنة تقييد حرية التعبير وحرية تكوين الجمعيات وحرية التجمع، حيث ضيَّقت على الآراء المخالفة، وحاكمت عدداً من الصحفيين، وسجنت بعض النشطاء، وفرضت قيوداً على جماعات حقوق الإنسان وغيرها، كما فرَّقت بالقوة احتجاجات سلمية واحتجاجات أخرى. واستمر التعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة أثناء الاحتجاز بسبب الافتقار إلى ما يكفي من الضمانات والمحاسبة، فضلاً عن قبول المحاكم للاعترافات المنتزعة تحت وطأة التعذيب. وصدر قانون جديد يسد ثغرةً كانت تتيح لمرتكبي جرائم الاغتصاب أن يفلتوا من قبضة العدالة، إلا إن المرأة ظلت تفتقر إلى الحماية الكافية من العنف الجنسي. وتعاونت السلطات في طرد مهاجرين وطالبي لجوء بشكل غير قانوني من إسبانيا إلى المغرب. واستمر سريان عقوبة الإعدام.
إن القيود المفروضة على حرية التعبير عن الرأي، وتشكيل الجمعيات والتضييق على أنشطة الحركة الحقوقية الوطنية والدولية، بما في ذلك منظمة العفو الدولية، سيحطم كل الصورة والمكتسبات التي حاول المغرب بناءها منذ إعلان المفهوم الجديد للسلطة، وتجربة العدالة الانتقالية والدستور الأخير. ولا حاجة للتذكير بأن فروع للجمعية المغربية لحقوق الإنسان ومنظمة “الحرية الآن” لازالت تواجه غلى اليوم عقبات على صعيد التسجيل والاعتراف القانوني.
كما واجهت منظمة العفو الدولية قيودا فرضت عليها منذ إطلاق حملتها العالمية لمناهضة التعذيب قي وقت سابق من العام 2014. فبعد منع السلطات المغربية إقامة المخيم الشبابي الذي كانت منظمة العفو الدولية تنوي تنظيمه في شتنبر 2014، تم طرد خبيرين للمنظمة في يونيو الماضي من المغرب في محاولة مكشوفة للحيلولة دون إجراء أبحاث مشروعة في مضمار حقوق الإنسان، حيث  كانوا يعتزمون توثيق أوضاع المهاجرين واللاجئين شمال البلاد والحدود مع جيبي سبتة ومليلية.
نحن ندرك إكراهات المرحلة الانتقالية في المغرب، ولكن نريد أن يكون احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية والدفاع عنها وطنيا ودوليا ركيزة أساسية في هذا الانتقال والتغيير.
إن المغرب بحكم دستور 2011، والتزاماته بمقتضى المواثيق الدولية لحقوق الإنسان التي صادق عليها مطالب بوجه خاص في السعي الجاد نحو إلغاء عقوبة اٌلإعدام، واحترام حرية التعبير والضمير، ومكافحة الإفلات من العقاب واحترام حقوق المرأة بصورة تامة وشاملة، والقضاء على التعذيب وضمان حقوق المهاجرين واللاجئين وطالب اللجوء.
لقد وضع الملك محمد السادس أمام المنتدى العالمي لحقوق الإنسان خارطة طريق تضمنت كل هذه العلامات  التشويرية، ولكن الحكومة لحد الآن لم تقلع على هذه الطريق، وإن أقلعت فإنها تسير بإيقاع متردد وبطيء في وقت يحتاج فيه المغرب استدراك ما فاته من وقت ضائع في سنوات الرصاص.
ولا ينبغي أن يغرب على البال، أن السير على هذه الطريق لا يمكن أن يتم إلا بشراكة مع المجتمع المدني وأساسا منه الحركة الحقوقية الوطنية والدولية، كما ولا بد من توفير فضاء واسع لحرية التعبير والصحافة. وعلى هذا المستوى، أيضا، ضلت الحكومة الطريق ودخلت في معركة دون كيشوتية مع المدافعين عن حقوق الإنسان، وآخر هذه المعارك غير المفهومة هو فتح مواجهة مع هيومن رايت ووتتش.
فهل ستكون 2016 سنة لتصحيح الأخطاء ورصد الإيجابيات والبناء عليها في اتجاه التحرير النهائي للمغرب من إرث الماضي؟ إننا في حركة حقوق الإنسان يحدونا الأمل دائما ونقول بإيمان صادق : “بدل أن تلعن الظلام”، أوقد شمعة، وسنظل في منظمة العفو الدولية نشعل دائما شموع الأمل .

Related posts

Top