فرقة نجوم مسرح الأوبرا من خنيفرة تقدم عرض مسرحي أمازيغي “ؤكلان ن ئكادير” بالمركز الثقافي الحاجب

بدعم من وزارة الثقافة وفي إطار دعم الإنتاج والترويج للموسم الحالي 2017، عرضت فرقة نجوم مسرح الأوبرا بمدينة الحاجب مسرحيتها الجديدة “لوان الحيط” الناطقة باللغة الأمازيغية “ؤكلان ن ئكادير”  أمام لجنة اختيار العروض بعيدا عن مدينة خنيفرة موطن الفرقة في انتظار بناء قاعة مسرحية تأوي إليها الفرق المسرحية بالمدينة.
في هذه المسرحية الناطقة بالأمازيغية تقدم الشخصيات الدرامية الأساسية المكونة من زوج وزوجة نوعا من العلاقات الإنسانية الجامدة والصماء، إذ بعد زمن طويل لاهث وراء اليومي المبتذل، الذي لم ينتج غير العقم بمعنييه الواقعي والرمزي في خلق تفاهم ودي اجتماعي، وفي  إنتاج الأولاد وفي إنتاج حياة رغدة ينعمان خلالها بالسكينة والطمأنينة كما هو حال كل الأزواج أو المفترض في الأزواج، نجد أن الحسرة والأسى هما الطاغيان خلال الستين عاما من التواجد معا، ستون عاما كانت كلها خيبات متتالية، وانكسارات متعاقبة، منها أربعون عاما لم يتم خلالها أي ود وأي تفاهم بينهما كما عبرت عن ذلك الزوجة بقولها إنه خلال الأربعين عاما “مادرت إيدي في يديه” (لعبت الدور الفنانة الأمازيغية حادة أوعبو) ، وبعد عشرين عاما “ما حسيت بها كاينة” كما يقول الزوج” (لعب الدور الفنان علي مصوبري) معبرين بذلك عن قطيعة دونها الجدران الصماء التي تحول دون إنصات أحدهما للآخر، إلى درجة جعلت الزوجة تنعت الزوج بالجثة، وينعت الزوج زوجته بالتابوت، هما معا جسدان دون روح، هيكلان دون شعور وأحاسيس لنبض الذات ومكوناتها الداخلية.
ولم يسعف وضع الزوجين مجيء الطبيب (لعب الدور الفنان محمد شهير) واستدعاؤه من أجل إيجاد حلول للوضعية المتشرذمة التي يعيشها الزوجان.. ولأنه طبيب من نوع خاص، فقد ارتأى أن الحل يكمن في مزيد من تبادل الشتم والسب بينهما شريطة أن يظلا فرحين، وهي وضعية مفارقة على مستوى الفكر والتطبيق، الواجهة والعمق، وهما يقومان بذلك وينفذان وصفة الطبيب، هذه الوصفة يرى الطبيب ضرورة تتويجها بازدياد مولود رغم كونهما عجوزين ورغم أن المرأة دخلت في سن اليأس، مقترحا في ذلك حلا للوضع الجديد وهو ولادته على الطريقة الحديثة والاصطناعية أي عن طريق الأنابيب وهو ما سيتوج بازدياد – خلال نهاية الفصل الأول من المسرحية – طفل بهلواني (لعب الدور الممثل الشاب زكرياء ورصام) فيحبو وسرعان ما يقف على قدمية صلبا صنديدا مواجها عالمه الجديد بالوقاحة المطلوبة.
وبمجرد ما رأى الوالدان مولودهما، سرعان ما تنامت عندهما عاطفتا الأبوة والأمومة محاولا كل واحد منهما احتكار انتساب الطفل للواحد منهما، لتخيب مرة أخرى عملية الانتماء بعدما أخبرهما الطبيب أن المولود ناقص ومشوه على الرغم من نجاح التجربة، وهو الأمر الذي سيعمق الاختلاف مرة أخرى بين الزوجين في رغبة الوالد التخلص من المولود غير المكتمل ووأده في أيامه الأولى، وفي إصرار الزوجة على ضرورة الاحتفاظ به والإبقاء عليه حيا رغم تشوهه وقبحه، غير أن الابن المشوه سيكبر..
 وتوسل مخرج العمل عبد الإله العبدي بتقديم طروحات هذا النص إلى جانب هذه الشخصيات الأربع الرئيسية بشخصيات أخرى تمثلها وتلتصق بها هي خيالات الشخصيات الثلاث الأولى أو هي أشباح لصيقة بأصحابها وظلالها والتي ترمز في عمقها إلى المرجعيات الفكرية والسياسية والأيديولوجية المتحكمة في سلوكاتها وتصرفاتها. ولعل هذا الأمر هو الذي يجعل إحالة المسرحية على الواقعين الاجتماعي والسياسي المغربيين مجسدة بذلك أنواع الصراع المحتدم بين المؤسسات بمختلف تلاوينها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، خصوصا هذه الأخيرة المتسمة بالشعبوية في المجال السياسي والحزبي المغربي، والتي تنتمي لتيارات فكرية وايديولوجية هلامية المنزع، وغير واضحة المعالم، توسل بها مؤلف النص ومخرجه عبد الإله العبدي لتجسيد أنماط التطاحنات الفارغة بين مكونات هذا المشهد المغربي برجل وامرأة باعتبارهما زوجا ملتصقا بعضه ببعض، تأصلت علاقتهما ببعضهما منذ فجر الاستقلال، والتي لم يزدها الطبيب غير التشرذم بتفريخ أمراض جديدة ما فتئت تزيد الوضع الذي يعيشه الزوجان استفحالا. ولأن الزوجين بلغا من الكبر عتيا فقد عبر من خلالهما المؤلف عن المؤسسات التقليدية المتآكلة والمتجذرة في واقع لم تستطع أن تغير فيه فتيلا، فكانت المرأة باعتبارها كيانا عجوزا تعبر عن تلك المؤسسات التقليدية التي لا تؤمن بغير رأيها الخاص، ولا تسمح إلا بوجهة نظرها الذاتية التي تصلبت في كيانها وعجزت عن تطوير رؤاها وتغيير فكرها، وما لم يستجب الزوج / الآخر بشكل عام، فإن سلاحها في ذلك هو الصراخ والتهديد والشتم كوسيلة لفرض الرأي وفرض الهيمنة تجسيدا لنظام كلياني شامل لا يؤمن بالغير وحق الغير في التواجد والتنافس، وأما الوجه الآخر للتقليدية في المؤسسات التي يمثلها الزوج فتتمثل في سلبيته المطلقة، وموافقته على كل شيء، وبكائيته المسترسلة والمعتادة المعبرة عن ذيلية المواقف وانبطاحيتها أمام قوة الآخر.
 ولأن وضعيتين من هذا القبيل لا يمكن  أن تنتج إلا مواليد مشوهة  تولد خلافا للطبيعة وضدها، أي بعد بلوغ سن اليأس وسن العجز والضعف رغم وجود القواعد والظلال والخيالات كما تعبر عن ذلك المسرحية (لعب دور الخيالات الشباب رضوان القمراوي وياسين الشرادي وعزيز حديم) بزيهم الأسود الذي يخفي واقعهم وحقيقة وجودهم، ويكاد لا يبين صريح مواقفهم باعتبارهم ظلالا للشخصيات الأساس.  
لقد احتفت مسرحية “لوان الحيط” بالزمن كعنصر بان لمقومات البناء الدرامي، تمثل على الخصوص في المفارقات الكثيرة التي تعيشها الشخصيات، ذلك أن الحوارات بين الشخصيات الرئيسية فضلا عن فراغها من أي محتوى في الكثير من المحطات، نجدها في رؤيتها للزمان تقدمه دونما حدود بين مفاصله فعبارة “صباح الخير” مثلها مثل “مساء الخير” لا فرق بين بداية اليوم ونهايته، بين كل البدايات وكل النهايات، أكثر من ذلك نجد أن الشخصيات لا تتوانى عن التساؤل عن حقيقة الزمن وبالتالي حقيقة الوجود من خلال تساؤلات عن الأزمنة المعتادة “علاش الليل ليل” و”علاش الصباح صباح” ولماذا “حين تشرق الشمس يحل الليل؟” و”حين تغرب يحل الصباح؟” بل إن فصول المسرحية وفصول الزمن المغربي إن شئنا الدقة متشظية هي الأخرى، ففي الصيف يتضاعف نزول المطر، ويتحول الربيع إلى خريف، والخريف يصبح مزهرا.. هي إذن مفارقات الزمن المغربي، التي يطغى فيها زمن مقلوب زمن أعجف،  مفارقات جعلت إحدى الشخصيات تستخلص بعد الدراسة والتفحيص أن الزمن يحتاج إلى “إعادة الجدولة بموجب الرتابة التي يحققها على أرض الواقع”، ولعل هذه الخلفية هي التي حاولت خلالها السينوغراف فاطمة بابا الحاج في بلورتها عن طريق الساعات الكثيرة ملتوية العقارب والمشيرة إلى أرقام سريالية مثل الساعات 73 و64 و46 على سبيل التمثيل، بل إن عجلات العربات الحاملة لشظايا الحيطان  تدور على أرقام زمنية أخرى أكثر مفارقة وعجائبية.
والأمر ذاته يسري على الفضاءات السينوغرافية منها والمتخيلة على السواء، فهي الأخرى يجب إعادة ترتيبها من وجهة نظر الطبيب نفسه لأنها جملة جدران وحيطان ما فتئت تتناسل وتتكاثر معيقة بذلك وضوح الرؤية وحائلة دون سلامة التطلعات ودون معرفة الحقيقة، وحاجبة للواقع عن الشخصيات الأساس، لا يعدو الفضاء المشهدي أن يكون بيتا من جدران لا نوافذ فيه ولا أبواب، بيت لا فكاك منه بل هو أكثر من السجن وأشد قسوة إن لم يكن قبرا وعالما مظلما حتى النهاية.
ومع كل الاجتهادات التي سعى المخرج عبد الاله العبدي إلى توفيرها للعمل، إلا أننا نعتبرها لا تزال في حاجة إلى تطوير خصوصا وأن العرض الذي شاهدناه يوم 20 مارس الماضي كان العرض ما قبل الأول بمناسبة زيارة اللجنة وهو ما لا يمنعنا من الإشارة إلى أن الاجتهادات السينوغرافية خصوصا تلك المتعلقة بالإضاءة والملابس في حاجة إلى تغيير، والأمر نفسه مع الشخصيات التي لعبت دور الخيالات والظلال إذ تحتاج إلى إعادة النظر تحقيقا لجمالية العرض، والذي نعتقد أن المسرحية النهائية – أي مسرحية مهما كانت طبيعتها –  هي سلسلة مراجعات لا تستوي أبدا في بدايتها، ويظل طاقم العمل كله مشرئبا إلى ذلك العمل النهائي الذي قد لا يأتي.. غير أن ذلك أيضا لا يمنع من الإشادة بمحور أساسي لعب عليه طاقم المسرحية وراهن عليه كثيرا في نجاح العمل والمتجلي في عنصر السخرية، بكل وسائلها اللغوية وغير اللغوية، ونحن نسجل بكل موضوعية أنه أثناء ذلك العرض شكل غياب الجمهور في تلك الأمسية دورا سلبيا أثر على العمل برمته بموجب غياب التفاعل مع الجمهور، خصوصا ونحن نعلم أن الممثلين يحتاجون إلى ردود فعل الجمهور عقب تلك اللحظات القوية في العرض من إشادة وتصفيق خلال اللحظات التي يتوسل فيها بالإضحاك والسخرية والتي رامت الفرقة من رائها تحقيق عناصر فرجوية كانت ستكون مفيدة جدا لطاقم العمل لو قدم العرض أمام الجمهور الأمازيغي المساند للفرجات المسرحية التي تخاطبه بلغته الأم.

بقلم: محمد لعزيز

Related posts

Top