فعاليات الدورة 18 للمهرجان الوطني للمسرح تتواصل بنجاح بمدينة تطوان

تتواصل بمدينة تطوان فعاليات الدورة الثامنة عشرة للمهرجان الوطني للمسرح بتقديم العروض المسرحية المبرمجة في إطار المسابقة الرسمية وخارج المسابقة بمعدل خمسة عروض في اليوم في خمس مسارح بإقليم تطوان..
وهكذا ستقدم يومه الإثنين فرقة ستيلكوم من فاس عرضها “اللعب” بقاعة دار الثقافة بتطوان في الخامسة مساء، وتعرض فرقة مسرح أنفاس من الرباط مسرحيتها “خريف” في الساعة الثامنة ليلا بمسرح إسبانيول.
وخارج مدينة تطوان، وعلى الساعة السادسة مساء تنطلق بالموازاة ثلاثة عروض، حيث ستقدم فرقة ورشة الإبداع دراما من مراكش مسرحية “جرب تشوف” بمسرح المركز الثقافي الفنيدق، وبمسرح لالة عائشة يلتقي الجمهور مع مسرحية “الزكروم” لفرقة مسرح الثلاثة، بينما تحتضن سينما الريف بمارتيل مسرحية “الشيب والهبال” لفرقة الوفاء المراكشية..
ومعلوم أن برنامج المهرجان يشمل عدة فعاليات ثقافية مرتبطة بأبي الفنون، كالجلسات النقدية الصباحية التي يلتقي فيها المهرجانيون والجمهور مع الفرق المسرحية المشاركة في المسابقة الرسمية، وننشر ضمن متابعة اليوم ورقة للزميل والناقد المسرحي محسن زروال قدمها في الجلسة الخاصة بمناقشة مسرحية “الرحيق الأخير” لفرقة مسرح المدينة من شفشاون.. وتعرف البرمجة فقرات غنية للاحتفاء بالكاتب المسرحي، حيث نظمت عدة لقاءات مع كتاب مسرحيين لتوقيع إصداراتهم الجديدة، ولا زالت تتواصل هذه الفقرة التي تضم سيلا هائلا من الكتب المسرحية سواء تعلق الأمر بالنصوص المسرحية أو بالدراسات النقدية؛ وفي هذا السياق ننشر أيضا ضمن متابعة اليوم ورقة للدكتور يوسف الريحاني قدمها أثناء توقيع مسرحية “الناس والحجارة” للكاتب عبد الكريم برشيد.
هذا وشهد الويكاند الماضي عقد ندوتين هامتين، يتعلق موضوع الأولى بمسرح الشارع، شارك فيها كل من الدكتور حسن المنيعي، وحسن بحراوي، ورضوان حدادو، وأمين غوادة، وقدم فيها عماد فجاج ووقة بالنيابة عن طارق الربح.. ويتعلق محور الندوة الثانية بـ “آفاق مهننة الممارسة المسرحية في ظل القوانين والأنظمة الجديدة”، بمشاركة كل من عز الدين بونيت، محمد الأزهر، رشيد القاسمي، أنور الزهراوي وعبد اللطيف برادي (أطوار هاتين الندوتين سنعود إليها في متابعة لاحقة).

*المخرج ياسين أحجام يكرس مشروعه الجمالي بين اللعب والمسرح داخل المسرح

بقلم: محسن زروال

بعد أن راكم العديد من التجارب المسرحية بلغت في مجملها ست أعمال مسرحية، يحق لنا الآن أن نتحدث بكثير من الثقة عن المشروع الجمالي للمخرج ياسين أحجام، ذلك أنه بعد كل هذا التراكم هناك الكثير من نقاط التقاطع التي تتكرر في كل تجاربه المسرحية والتي تشكل في اعتقادنا أهم الأسس والمنطلقات التي يبني عليها مشروعه الجمالي.. وسنحاول خلال مقاربتنا لعرض «الرحيق الأخير» أن نقف على أهم ملامح هذا التصور..
ينفتح العرض المسرحي على معطى أساسي سيشكل القاعدة والمنطلق في بناء تصوره الجمالي.. ذلك أن العرض يبدأ باستهلال تعلن خلاله شخصية «شاربونيي» عن بداية العرض.. الذي ينطلق باقتحام مجموعة من الممثلين/ الجوقة.. الصالة في اتجاه الخشبة وهم يغنون ويرقصون قبل الإعلان الفعلي عن بداية الفرجة المسرحية..
يشكل هذا الاستهلال الذي ارتكن إليه المخرج في تصوره الجمالي تصريحا ضمنيا بأن ما سيقع من أحداث وأفعال خلال هذا اللقاء بين الصالة والخشبة هو أولا وأخيرا مجرد عرض مسرحي.. وكأنه يسعى بذلك إلى كسر الإيهام لدينا.. ويدعونا إلا أن نتجرد من نظرتنا التقليدانية للعرض المسرحي وننخرط معه في بناء تصور مغاير قادر على أن يتجاوز الأشكال التعبيرية السائدة.. فالمخرج من خلال مشهده الاستهلالي هذا أقحمنا مباشرة في لعبته المسرحية.. وجعلنا جزء من مشروعه الجمالي الذي ينبني في اعتقادنا على عنصرين أساسيين:
أولا: اللعب المسرحي..
ثانيا: المسرح داخل المسرح
معلوم أن اللعب.. وكما يصرح بذلك الباحث حسن يوسفي.. ممارسة واقعية حرة تعاش باعتبارها متخيلا من أجل المتعة.. تخضع لقواعد وتتحقق في شروط زمانية ومكانية تجعلها تنزاح عن العادي والمألوف.. وتقترب من العجيب والغريب.
والأكيد أننا إذا حاولنا أن ننظر إلى المسرح في ضوء هذه الخصائص المميزة للعب.. فإننا نلاحظ أنها تنطبق عليه بقوة إلى الحد الذي يجعلنا ننظر إلى المسرح باعتباره ضربا من اللعب.. حتى أن كلمة «لعب» أصبحت تحظى بمدخل خاص في المعاجم المسرحية المتخصصة باعتبارها مصطلحا مسرحيا.. تقرن دلالته المسرحية بعمل الممثل أساسا.
وبالعودة إلى العرض المسرحي موضوع هذه الورقة.. يتبين أن أداء الممثلين اتسم بالكثير من النشاط اللعبي إذ كانوا أشبه بشخصيات كرطونية.. سواء من حيث ملابسها أو أداؤها التمثيلي.. فملابس الشخصيات تكاد تقترب بشكل كبير من ملابس شخصيات رسوم الأطفال.. سيما الرسوم المتحركة.. خاصة من حيث ألوانها وأشكالها.. مثل الأزرق والأحمر ومشتقاتهما في الألبسة العسكرية لشخصيتي القنصل والضابط الفرنسيين وارتباطهما بالعلم الفرنسي.. الأخضر وتنويعاته بالنسبة لشخصيتي الدواس والتازودي وارتباطه بالأرض والوطن.. الأبيض الكامل مع الطربوش والسلهام الأزرق بالنسبة للريسوني وارتباطه بالطابع المخزني للشخصية.. البني بالنسبة لجورج النحاث وعلاقته بالطين.. والأحمر بالنسبة لكاترين كشابة في ريعان شبابها وعنفوانها ورغباتها المتوهجة.. والأصفر بالنسبة لشاربونيي العجوز..
كما أن الأداء التمثيلي لكل الشخصيات نحى منحى غروتيسكيا من خلال المبالغة والتضخيم في أداء الممثلين للحركات والأفعال وحتى في رسم ملامح بعض الشخصيات كما هو الحال في شخصية الدواس الذي تبرز عينه اليسرى بشكل مبالغ فيه.
إن ارتكان المخرج إلى تقنية اللعب.. فرضته شروط النص المسرحي الذي حاول مقاربة أحداث تاريخية تدور رحاها بداية القرن العشرين.. وحتى لا ينجرف المخرج إلى إعادة إنتاج الحدث كما هو.. فقد استكان إلى تقنية المسرح داخل المسرح التي تشكل إحدى ركائز عمل المخرج ياسين أحجام في الكثير من أعماله المسرحية.. أذكر على سبيل الذكر لا الحصر.. مسرحية «سيدة المتوسط» للكاتب المسرحي محمد زيطان التي اعتمد في إخراجها الكثير من تقنيات المسرح البريختي..
استعمل المخرج إذن.. في عرض «الرحيق الأخير» وببراعة.. تقنية «المسرح داخل المسرح».. إذ ينقلب الممثلون إلى مشاهدين للآخرين وهم يقدمون مشاهد فردية أو جماعية.. فيكونون بذلك جمهورا.. ويصبح الجمهور الجالس في القاعة جمهور الجمهور.. وهكذا نجد أنفسنا أمام مسرحيتين في آن واحد..  كما يحدث حين ينزل الزوج الفرنسي «شاربونيي» المقتول إلى القاعة بعد أن استنفذ شروط تواجده في اللعبة.. وتحول إلى مجرد متفرج عاد يتخذ مكانه بين الجمهور لمتابعة الأحداث عن بعد.. ولا يعود إلى الخشبة ممثلا إلا حين استدعاء شخصيته من جديد «لإعادة تمثيل الجريمة»..
لم يقتصر توظيف المخرج لهذه التقنية فقط على هذا المستوى بل اتخذت مظاهر عدة.. فالأصل أن الشخصيات الموجودة في الخشبة هم أفراد الجوقة التي يقودها عازف القيتارة والمغنية.. لكنهم يتحولون إلى ممثلين يؤدون أدوارا معينة تبعا لأحداث العرض.. الشيء الذي يفرض تغيرا طفيفا على شكلهم الخارجي عبر إضافة بعض قطع الملابس أو الأكسسوارات.. كما هو الشأن مع القبعات في حالة القنصل والضابط.. فحين يلعب الممثلان دوري القنصل والضابط.. فإنهما يعتمران القبعتين العسكريتين.. لكنهما حين يتحولان إلى فردين في الجوقة فإنهما يتخلصان منها.. نفس الأمر بالنسبة للريسوني الذي يعتمر القبعة والسلهام.. ويتخلص منهما تبعا لموقعه.. وأيضا الدواس والتازودي مع البندقيتين.. فحين يحمل التازودي مثلا آلة التصوير فإنه يتحول إلى شخصية أخرى لا علاقة لها بالأولى.. إذ يتحول إلى صحفي.
إن اعتماد تقنية المسرح داخل المسرح.. جعلت المخرج يدفع بها إلى أقصى مداها حين جعل بعض الممثلين يتدخلون لإنهاء بعض المشاهد.. أو يحورون بعض الأحداث.. فكثيرا ما كنا نشاهد الممثل الذي يجسد دور الريسوني يتدخل ليوقف بعض المشاهد.. أو يتدخل مثلا ليمد شخصيات أخرى ببعض الأكسسوارات كما حدث في حالة الحقائب التي أخذها من شخصية ليمنحها لشخصية أخرى ويسلمها مشعل الفعل.
عموما يمكن التأكيد.. بأن قراءة العرض المسرحي «الرحيق الأخير» على ضوء مفهوم اللعب.. وتقنية المسرح داخل المسرح.. وغيرها من التقنيات المعتمدة سيشكل مدخلا مهما لإضاءة العديد من مقومات التصور الجمالي للعرض المسرحي.
ختاما لا بد أن نؤكد على معطى أساسي لا يختلف فيه متتبعان للمشهد المسرحي المغربي.. ذلك أن ياسين أحجام من المخرجين الذين يتعاملون مع مؤلفين مسرحيين ينتصرون للنص المسرحي ويسعون إلى تطويره.. محمد زيطان.. أنس العاقل.. أحمد السبياع.. لكنه أيضا.. وبلغة جواد الأسدي.. من المخرجين الذين يقلبون الطاولة على المؤلف.. ويعيدون بناء نص جديد غالبا ما يكسر تراتبية الأحداث وينتصر للكتابة الشذرية والمتشظية.

البطاقة الفنية لمسرحية
«الرحيق الأخير»

إنتاج: فرقة مسرح المدينة بشفشاون بدعم من وزارة الثقافة في نطاق برنامج التوطين
تأليف أحمد السبيياع
إخراج: ياسين أحجام
سينوغرافيا: ياسين الزاوي
تصميم الملابس: طارق الربح
إضاءة: محمد بنعمر
موسيقى: عادل بولعيش
تشخيص: محمد بوغلاد، رباب الخشيبي، دلال البرنوصي، مخلص بودشار، مصطفى حوشين، بادي الرياحي، محمد عسو، عبد المجيد العمراني، عقبة ريان، منصف القباري، يوسف الزباخ.

*****

= قدمت هذه الورقة في جلسة مناقشة العرض المسرحي في إطار فعاليات الدورة 18 للمهرجان الوطني للمسرح (تطوان 2 دجنبر 2016)

إعداد مبعوث بيان اليوم  إلى تطوان: الحسين الشعبي     

  تصوير: محمد سعيد الدردابي

Related posts

Top