فنانون وسياسيون يقاربون قانون الفنان من التأصيل الدستوري إلى الإقرار التشريعي

محمد توفيق امزيان
قارب فنانون ومسرحيون، الثلاثاء الماضي (29 مارس)، قانون الفنان من عدة زوايا مهمة، وأجمع المسرحيون والأساتذة المهتمون خلال تدخلاتهم بندوة فكرية التأمت بالقصر البلدي بمدينة القنيطرة،  على مدى أهمية قانون الفنان الجديد الذي رأى النور بعد مخاض طويل وعسير، كما نوهوا بالنصوص المتضمنة بالقانون الذي جاء، حسب المناقشين، بعد إصرار الهيئات التمثيلية للفنانين على مراجعته وتغييره، ونوهوا في الآن ذاته بأهم الإصلاحات التي تم إدراجها وتعديلها فيه، خلال مناقشة صياغته من قبل الأطراف المعنية، نقابات، سياسيين، مهتمين، أساتذة متخصصين، وكذلك خلال مناقشته بالبرلمان، حيث أشادوا بالتوافق بين الفرقاء السياسيين سواء في الأغلبية أو في المعارضة.
وفي هذا السياق أشاد الحسين الشعبي الكاتب الصحفي والمسرحي الذي ترأس الندوة، بالاهتمام الذي حظي به قانون الفنان، إذ تجاوز اهتمام الفنانين والمعنيين به مباشرة ليستأثر باهتمام السياسيين والحقوقيين ونشطاء المجتمع المدني والمهتمين وكذا العديد من المواطنين.. وذلك باعتباره قانونا مجتمعيا يرد الاعتبار للفنان. وأشار الشعبي خلال افتتاحه للندوة المنظمة من طرف جمعية المشهد المسرحي، بشراكة مع الجمعيات المسرحية بالقنيطرة، إلى أن اللقاء يشكل فرصة لإعطاء تصور شامل عن قانون الفنان بعد 13 سنة من العمل بقانون 2003 الذي يقول الشعبي إنه شكل بدوره قفزة نوعية في تلك الفترة خصوصا وأن قطاع الفن كان قبلها يعاني من فراغ قانوني، الشيء الذي يجعل القانون الحالي يشكل أهمية كبرى للفنان والأسرة الفنية، خصوصا وأنه، يضيف الشعبي، يتضمن أبعاد اقتصادية واجتماعية تحفظ للفنان حقوقه الاجتماعية ومكانته الاعتبارية، مشيرا إلى أن النقابة الوطنية لمحترفي المسرح عملت بكد وجهد من أجل المساهمة في صياغة القانون حيث قال أن هذا القانون يعد “قضية عادلة بمحامي ناجح” في إشارة منه إلى النقابة التي دافعت وتدافع عن قضية الفنان، كما أشار الشعبي إلى أن النقابة المغربية محترفي المسرح ستعمل على الضغط من أجل الإسراع في إخراج مراسيم هذا القانون لضمان تنزيله على أرض الواقع بالطريقة الصحيحة.
وفي سياق متصل قالت النائبة البرلمانية عن الفريق الاشتراكي رشيدة بنمسعود إن فريقها من موقعه في المعارضة ساهم في إثراء النقاش حول هذا القانون، انطلاقا من معارضة بناءة، مشيرة إلى أن الهدف الأساسي هو تجويد هذا القانون وإثرائه بمقترحات جديدة، حيث قدم الفريق الاشتراكي على مدى 5 جلسات من المناقشة بالغرفة الأولى بالبرلمان، 43 تعديلا، تم قبول 39 منها، مضيفة أن فريقها البرلماني اعتمد على الانفتاح على المختصين في إطار منهج تشاركي، كما أن القانون أصبح يأخذ حيزا من تفكير المثقفين باعتباره قانونا يتعرض لإشكالية ثقافية وفنية، مبرزة في هذا الصدد بعض نصوص القانون التي اعتبرتها النائبة البرلمانية منبثقة من روح الدستور والتي تحفظ للفنان مكانته الاعتبارية، مشيرة إلى أن الفن والفنانين لعبوا أدوار طلائعية تاريخية في معالجة قضايا الاستقلال والوحدة الترابية، والمساهمة في التنمية البشرية والدور الأساسي في حمل الإشعاع السياحي للبلاد، والدبلوماسية، لذا وجب حسب النائبة البرلمانية تضافر الجهود من أجل دعم قضايا الوطن بإشراك الفنان الذي يجب أن يؤطر وجوده إطار قانوني يحفظه ويحميه. وعن لحظات مناقشة القوانين، التي وصفتها رشيدة بنمسعود بالساخنة، قالت إنها اتسمت بالأخذ والرد من لدن الأغلبية والمعارضة في ما يتعلق بالتعديلات وذلك في إطار نقاش جاد ووازن وبناء من أجل إقرار قانون بمضامين تساير جميع قطاعات الفن، مبرزة أن من بين القضايا التي احتدم حولها الصراع تلك المتعلقة بالمساواة والمناصفة بين المرأة والرجل أو بالأحرى بين الفنان والفنانة وذلك في إطار مقاربة النوع، وتجويد القانون بإضفاء طابع الحداثة عليه، وختاما قالت رشيدة بنمسعود، إذا كان قانون 2003 مرحلة أولية في النهوض بالأوضاع الفنية فإن القانون الحالي يشكل مرحلة وخطوة إضافية، في أفق إعادة التحديث والتطوير مستقبلا.
ومن جانبه قال مسعود بوحسين، رئيس النقابة المغربية لمحترفي المسرح، إن الفنان كان يعيش إشكالا قانونيا يثبت وجوده، إذ لا قانون يثبت وجود الفنان من عدمه أو يحميه على الأقل ويضمن حقوقه، وأشار بوحسين إلى أن اعتقاد الفنانين أنهم قادرين على حل مشاكلهم بأنفسهم جعل القانون يتأخر في الصدور، إذ المشاكل المتعلقة بالفن، يضيف بوحسين، يحلها القانون، الذي ينظم ويؤطر الفنان، مذكرا باتفاقية بلغراد الدولية التي جاءت كحل لتصحيح وضعية الفنان في العالم، والتي على هامشها تم صياغة قانون 2003 بالمغرب لحل إشكالية الفنان على المستوى الوطني، إلا أن القانون آنذاك لم يكن مطورا ليتم تنزيله في نصوص تنظيمية، إذ كان يتميز بدقة في التعاريف والشرح، مضيفا، أن هذا القانون (قانون 2003) يعد بمثابة قنطرة للقانون الحالي، الذي قال بوحسين، إنه جاء بنصوص جديدة ومتطورة خصوصا في ما يتعلق بوضعية الفنان، ووضعيته المهنية، إذ أصبح الفنان أجيرا، وهو حسب بوحسين، من أهم مضامين هذا القانون مستغربا سبب انتقاد البعض لهذه النقطة بالذات، مشيرا إلى أن مصطلح “أجير” يتعلق بالوضعية الاجتماعية المهنية للفنان وليس بوضعه الاعتباري، حيث قال إن اللبس يشوب البعض في التفريق والتمييز بين الوضعية الاجتماعية والمهنية والوضعية الاعتبارية للفنان، إذ أن القانون بمضامينه الجديدة يشكل حلا للوضعية الاجتماعية للفنان، مشيرا إلى أن وضعية الأجير تعتمد دوليا، ذلك أنها أفضل وضع يأخذه الفنان، وأن مضمون النص القانوني يخضع الجميع للقانون، مما يخلق تنافسية ويحمي في الآن ذاته حقوق الفنانين إذ يعد حلا لظاهرة الولوجية إلى العمل المسرحي بالخصوص والعمل الفني عموما. وفي حديثه عن مساهمة النقابة في صياغة القانون قال المتحدث أن الإسهامات التي قدمتها النقابة المغربية لمحترفي المسرح بدأت قبل اقتراح القانون حيث نظمت ندوتين وطنيتين بكل من الرباط وطنجة لتدارس الوضعية، بتعاون مع النقابة الفرنسية لفناني الأداء، بعد ذلك ساهمت النقابة بعدة أفكار ومقترحات تهم صياغة القانون بعد أن تقدمت الأغلبية بالمقترح، إذ تم فتح نقاشات واسعة وإعطاء تصورات حول القانون. وفي ختام مداخلته قال بوحسين إن الرهان الحقيقي لقانون الفنان هو حل الوضعية القانونية الغير نظامية التي يعيشها الفنان كما يحل الإشكاليات المتعلقة بالعمل النقابي في المجال الفني، كما عبر عن أمله في تسريع صياغة النصوص التنظيمية من أجل تنزيل سليم للقانون.
واعتبر بدوره ياسين أحجام الفنان والنائب البرلماني أن المصادقة على هذا القانون بالإجماع من طرف فرق الأغلبية والمعارضة هو إنجاز كبير، بالنظر لأهمية الفن في المجتمع، وقال إنه بعد خروج القانون من كونه مقترح إلى كونه مشروع، يقتضي شرح مضامينه لا الدفاع عنه، مشيرا إلى أن الوضعية تغيرت، وأن القانون في طريقه للتنزيل بعد أن تصادق عليه الغرفة الثانية وتصاغ النصوص التنظيمية، مشيرا إلى ضرورة الإلمام والوعي بهذا القانون من طرف الفنانين ليطلع كل منهم على وضعيته ويعرف ما له وما عليه بحيث يعرف حقوقه ووضعيته المهنية، مؤكدا على أن القانون جاء نتيجة عمل مشترك بين العديد من الأطراف، نقابات وجمعيات وأحزاب وفرق برلمانية. وتحدث أحجام عن أهم مقتضيات هذا القانون من قبيل بطاقة الفنان التي أصبحت تضطلع بدور كبير خصوصا في توزيع الدعم العمومي حيث تم التنصيص على ضرورة تشغيل ما لايقل من 60 بالمائة من حاملي البطاقة المهنية التي يجب توفرها في المشروع الفني من أجل دعمه، كما أن العقد النموذجي الذي يتضمنه القانون يمنع المنتج من إدراج العقود بشكل عشوائي بحيث تم إلزامه بهذا العقد، الأمر الذي سيساهم في تنظيم العلاقات الشغلية بين المنتجين والفنانين، مشيرا إلى أن القانون ملزم للدولة بترسيخ آلية لحماية الفنان من خلال ضمان الحد الأدنى للأجور والتقاعد وغيرها من الحقوق التي تحفظ كرامة الفنان. ولم يخف أحجام بدوره استغرابه مما يروجه البعض فيما يتعلق بالنقص والضعف الذي يشوب القانون، معتبرا أنه جاء وفق انتظارات وتطلعات الفنانين.
ومن وجهة نظر أكاديمية أجمع كل من أمين بنيوب والحسين الجيتي ومحسن زروال، الباحثين في الميدان الفني، على مدى أهمية هذا القانون الذي يعكس بشكل إيجابي روح الدستور في اختصاصاته وما جاء فيه من مساواة وإنصاف للفئات الفنية التي طالها الفراغ القانوني لمدة طويلة، معتبرين أن القانون يرقى للمستوى المطلوب، لكن هذا لا يعني حسب الباحثين أن القانون لا يخلو من سلبيات مستدركين أنه مع الوقت وفي أفق التنزيل ستظهر بعض النواقص سيتم التدقيق فيها آنذاك، إذ أن النقص سمة طبيعية في الأشياء. كما عرضوا بدورهم أهم ما جاء من إصلاحات ولاسيما ما يتعلق بالاقتطاعات التي تعبر عن تضامن الأسرة الفنية فيما بينها حيث يتم الاقتطاع من أجور الفنانين المشتغلين في قطاعات أخرى في حين يستفيد منها الفنانون المتفرغين- الذين بدورهم يساهمون- فيما يتعلق بالضمان الاجتماعي. كما أنهم عبروا على أن التبخيس من هذا القانون أمر غير مقبول، كما تطرقوا لإشكالية رئيسية وهي غياب النقاشات حول هذا القانون من قبل باقي الأطراف إذ أن المسرحيين هم الأكثر نقاشا وتعمقا وإثارة للتساؤلات المتعلقة بهذا القانون، في حين أنه يشمل الموسيقيين والفنانين التشكيليين وجميع المبدعين، كيفما كانت مجالات اشتغالاتهم الفنية، داعين هذه الأطراف إلى تفعيل النقاش حول هذا القانون وإعطاء شروحات حول كيفية التنزيل السليم له، بما يضمن حقوق كافة الأطراف.

Related posts

Top