يعد المعرض الدولي للنشر والكتاب بالدار البيضاء المزمع عقد دورته الثانية والعشرين خلال الفترة الممتدة من الحادي عشر إلى الحادي والعشرين فبراير، أبرز تظاهرة ثقافية ببلادنا؛ بالنظر إلى الإشعاع الدولي الذي تحظى به، ويتجلى ذلك بالخصوص من خلال الحجم الكبير لدور النشر المشاركة والحضور الفاعل للأدباء والمفكرين القادمين من مختلف القارات.
في هذا الأفق نفرد حيزا لنخبة من مثقفينا ومبدعينا من أجل الحديث عن نظرتهم الخاصة لهذا الملتقى السنوي الكبير، ومقترحاتهم لتقوية الحركة الثقافية ببلادنا.
الحاجة إلى معارض جهوية في الحجم ذاته
يعد المعرض الدولي للنشر والكتاب بالدار البيضاء، حدثا ثقافيا مميزا، من جهة فتح قنوات تواصل مع الكتاب، ومن جهة ثانية الترويج للكتاب والتعريف به، وجذب القراء من باحثين وغيرهم إلى مدار العلم والمعرفة، بالإضافة إلى اجتناء فوائد اللقاءات مع الكتاب وإصداراتهم الجديدة، وتوفير فرص تعاقدات النشر. هذه أمور غاية في الأهمية، واختيار الدار البيضاء كقطب اقتصادي وتجاري أساسي لتنظيم المعرض له ما يبرره، لكنني في المقابل ألاحظ بعض التحيز في ما يتعلق باستقدام كتاب دون غيرهم للأنشطة الموازية، وهو أمر غير عادل. لا أعرف سببا وجيها يستلزم ذلك.
كما أن تخصيص الدار البيضاء بالمعرض يبدو متجاوزا، في ظل ما يقال عن الجهوية الموسعة، إذ يتوجب تنظيم معارض في الحجم ذاته، وفق مبدأ التقريب الثقافي، على الأقل في الشمال والجنوب. أعلم أن المندوبيات تقوم بمعارض محلية لكنها دون ما هو متاح في معرض ذي صبغة عالمية.
إن الإجراء المقترح يوسع دائرة الاستفادة كما يتيح للمشاركين الأجانب والعرب الاطلاع على فضاءات مختلفة، وهو أمر جيد.
هذا جديدي الإبداعي
صدرت لي مجموعة قصصية بعنوان “سفر في الأرخبيل” ولي مجموعة تائهة لم تصدر بعد بعنوان” أجنحة الفسيفساء” وصنوتها”وليمة الشيطان”. بخصوص “سفر في الأرخبيل” على صعيد الأسلوب، تتخطى ما درج عليه السرد القصصي الكلاسيكي، ومضمونا تكشف آثار ما اصطلح عليه بسنوات الرصاص، ومكابدة الألم، واستشراف الأمل الذي يعد بغية جيل كامل، وجد نفسه مأسورا بطوق خانق ، وعانى معاناة مريرة، مؤملا في غد أفضل. إنه جيل الهجانة حيث تآلفت في وعيه الرومانسية مع اديولوجية اليسار حيث تسبح في سمائه كواكب مفكرين من قارات متعددة، وكان الناظم هو النضال من أجل فردوس أرضي. شمل هذا الوعي السياسة والأدب والفن.
لقد تنبهت مبكرا إلى ما هيمن على هذه الفترة من فضاء كافكاوي فكانت نصوصي محاولة لتشريح هذا الواقع المكبوح، المتسم بالضراوة ، وما خلفه من وعي شقي، ويندر، في هذه المرحلة التاريخية، أن تجد كاتبا غير مقيم علاقة وظيفية بين التزامه الحزبي والأدبي/ الفكري.
قضية النشر ملتبسة إلى حد كبير
لعل عقب أخيل في القضية بعد شيوع عدم الإقبال على القراءة، وهذا التخريج إن صح، يتيح للناشر أسباب القوة لإيجاد ذريعة في التعامل مع الكتاب من الزاوية التجارية، فقضية النشر ملتبسة إلى حد كبير، فلا يمكن للكاتب أن يتحقق من العدد المطبوع من النسخ، ولا العدد المباع بشكل يقيني مما يجعله الحلقة الأضعف. أكيد أن دعم الوزارة للكتاب يوفر فرصة ذهبية للكتاب لكي لا يظل مخطوطا في جارور الكاتب لكن عائد الدعم يسير في اتجاه الناشر، وهو أمر فيه حيف كبير للمؤلف. هذا المؤلف ذاته الذي يهاب المجازفة بالنشر على نفقتهن، لأنه سيواجه مشكل التوزيع إلا في ما ندر، لهذا لا نجد مؤلفين محترفين، في مقدورهم أن يعيشوا على مردود إنتاجهم مثلما أن دور النشر لا تتجرأ على شراء حقوق التأليف، وهي تنظر إلى الأمر في حدود التجارة البسيطة، بينما الحقيقة أن مهنة الناشر يجب أن تتحول إلى صناعة داخل نسيج الاقتصاد الثقافي عليها، تتحول إلى مؤسسات كبرى مندمجة، تنوع الخيارات وتبحث عن أسواق مجزية، وتسهم في عمليات التبادل الترجمي من والى…ألا يسهم هذا في توسيع دائرة القراء، لنسأل أنفسنا، هل كويلهو سيحقق رقم 50 مليون نسخة في كتاب لو نشر بالسوق العربية، وباللغة العربية؟
عود على بدء…ربما توجه بعض كتابنا إلى دول المشرق لإصدار مؤلفاتهم، والتقدم للجوائز، وقد فطنوا، متأخرين، إلى أهمية الجانب التجاري في الإبداع والكتابة عموما، وعليه فعلى الوزارة أن تسن، قانونيا، ما يحمي حق المؤلف في الاستفادة الفعلية مما تقدمه من دعم.
على جائزة المغرب للكتاب أن تكون بمنآى عن النوازع الأنانية
مهما كانت الأحوال فالجوائز بصفة عامة مؤشر على الرغبة في دعم الثقافة، وتوجيه الاهتمام إلى الكتاب الفائزين وأعمالهم، ولا يمكننا محاكمة النوايا، غير أن من المفترض والبدهي أن تكون اللجان من ذوي الاختصاص، تمكنا وإنتاجا، في المجالات التي يشملها التباري، وأن تتحلى بالموضوعية والتجرد، لأن هذا المجال متعلق بالهندسة الروحية للشعب، فمن العقلانية، أن يكون بمنآى عن التجاذبات والتأثر بالنوازع الأنانية، والفساد الذي يطول مرافق عديدة، وأن يتوج عمل اللجان أو اللجنة بكتاب يضم، على الأقل، الدراسات المنجزة بخصوص الأعمال الفائزة حتى يكون مدار نقاش عمومي في الوسط الثقافي وإلا لكنا نتحرك في دائرة اللبس. ما معنى السرية؟ لقد سبق لي أن قمت بافتراض حسابي لمتوسط صفحات الأعمال المقدمة لجائزة البوكر، وقمت بقسمتها على عدد الأعضاء الستة فوضح لي أن من المستحيل أن يقرأ الفرد منهم، في المدة الزمنية المحددة له نصيبه من الصفحات، القراءة العادية بله المتمعنة التي تنتهي بمقايسة تقييمية. ولقراء هذا الاستجواب أن يرجعوا بأنفسهم لتلك الأعمال ليتأكدوا من صدق أو بطلان ذلك. إننا نتحدث عن الإبداع والكتابة فلا مجال للعبث في هذا الميدان.
أهمية الثقافة في تنمية المجتمع
لتقوية الحركة الثقافية ببلادنا، أرى أن يقتصر دور وزارة الثقافة في الجانبين المادي والإجرائي دون تدخل في صياغة مضامين العمل الثقافي، وذلك بإيجاد البنيات الأساسية،لأن شرط الثقافة الحرية، كما من اللازم تفعيل المندوبيات، ووضع موظفيها في إطار الوعي بأهمية الثقافة في تنمية المجتمع، وضرورة قيامهم بالتنشيط بفعالية دون الركون إلى الجانب الإداري الصرف، ومد النشاط إلى الهوامش، والمؤسسات المختلفة، وهناك العديد مما يمكن للفاعلين ابتكاره من أساليب تدفع باتجاه إقلاع ثقافي حقيقي، بناء ومثمر.