قد يمر بنا قطار العمر بمحطات وأماكن لا نشعر بجمالها إلا عندما نبتعد عنها.. وقد يؤثث مشهد حياتنا فنانون فرضوا علينا الاحترام بأدائهم و مشاعره الإنسانية الجميلة. وفي أكثر الأحيان لا نشعر بقيمتهم ومدى تأثيرهم في حياتنا إلا بعد أن يغادروننا ويصبحون مجرد ذكرى فيتركون ذكريات قد تثير فينا الشجن والحزن والفرح والابتسامة أو الألم والحسرة.. ولكن تبقى ذكرياتهم محفورة داخلنا، تذهب بنا إلى العالم جميل نستنشق من خلاله عبق المحبة والحنين إلى الماضي حيث نتذكر فيهم وبهم أجمل اللحظات برونق خاص وغصة بالقلب …
رحلوا عنا الغوالي وتركوا لنا ذكريات نتعايش معها وتنبض الحياة في أعضائنا، وصورهم مازالت ماثلة أمام أعينينا ..
هكذا هي الحياة، كما هي الممات، لقاء وفراق، دمعة وابتسامة.. فبالأمس رحل عنا العظماء ممن كنا نحبهم لأنهم تركوا بصمات على دركنا وفهمنا للحياة من علماء وشعراء وأدباء وفنانون فهم شخصيات عامة إلا أنهم أناس عاشوا وتعايشوا معنا ليرحلوا بهدوء دون أن ترحل آثارهم وتأثيراتهم ..
الحلقة -1
الممثل الراحل محمد بسطاوي
ولد محمد البسطاوي بمدينة خريبكة سنة 1954، وهناك أمضى طفولته وجزءا من شبابه، قبل التوجه، بداية الثمانينات، إلى الديار الإيطالية كعامل مهاجر.
وبعد خمس سنوات، قرر العودة إلى المغرب، ليختار دخول ميدان التمثيل عن طريق العصامية، حيث بدأ مشواره الفني سنة 1987 عند التحاقه بفرقة مسرح اليوم، ثم مع فرقة مسرح الشمس سنة 1995، وهي فرقة شارك في تأسيسها مع محمد خيي، ويوسف فاضل، وآخرين.
بعد عرضه لفيلم “علال القلدة”، حصل البسطاوي على النجمة الذهبية في مهرجان القاهرة للإذاعة والتلفزيون، سنة 2013، كما تم تكريمه في المهرجان الدولي للفيلم بمراكش، والذي كان آخر مناسبة عرفت ظهوره من خلال فيلم “جوق العميين”، الذي قام ببطولته.
وقدم الممثل المغربي الراحل محمد البسطاوي، على مدار مشواره الفني، ما يزيد عن ثلاثين عملا سينمائيا، إضافة إلى الكثير من المسلسلات والمسرحيات الرائعة التي شارك فيها، ومن أبرز هذه الأعمال دوره في المسلسل التراثي “وجع التراب”، وأيضا المسلسل التاريخي “صقر قريش”، وفيلم “علال القلدة” الذي عرض عام 2003 وحصل على الجائزة الذهبية في مهرجان القاهرة للإذاعة والتلفزيون كما تمت الإشارة إليه آنفا.
ومن أواخر الأعمال التي شارك فيها الفنان الراحل فيلم “أياد خشنة” و”الصوت الخفي” الذي شارك في المسابقة الرسمية لمهرجان الفيلم المغربي بطنجة.
توفي محمد البسطاوي صباح الأربعاء 17 دجنبر 2014 في المستشفى العسكري بالرباط، عن سن يناهز 60 عاما، بعد صراع مع المرض، حيث كان يعاني من انتفاخ في إحدى كليتيه. وقد اكتشف ذلك صدفة حين مشاركته لحملة للتبرع بالدم.
وقد وري الثرى في مقبرة الشهداء بالعاصمة الرباط بعد صلاة العصر ليوم الأربعاء، حيث خلف رحيله حزنا كبيرا على مستوى أصدقائه في المهنة أو الجمهور المغربي عامة.
وقال الممثل والمخرج إدريس الروخ، عقب وفاته “خبر وفاة محمد بسطاوي نزل علينا كالصاعقة، أمام نهاية من هذه القبيل لا نعرف ما نفعل، لقد كان أخا وصديقا وفنانا كبيرا.
آخر عمل لي بمشاركته كان مسلسل دار الغزلان بجانب مجموعة من النجوم، حيث لعب دور البطولة، كان أداؤه قويا كعادته. إنه إنسان له سمات نبيلة، كان منضبطا واحترافيا في كل شيء، وكان يحرص على أن لا يجعل زملاءه في العمل الفني يشعرون بالفرق بين الفنان المحترف والفنان المتدرب، ولعل عظمته تتجلى في التوفيق بين الأجيال.
كان حبيب الجماهير وقد شكلت وفاته خسارة كبيرة”.
من جهته قال الممثل والمخرج عبد الكبير الركاكنة “الفنان سي محمد البسطاوي رحمه الله، هو فنان بحجم الوطن، كان وسيظل كبيرا في عيون كل المغاربة، لأنه من طينة العظماء الذين بصموا التاريخ الفني ببلادنا.
السي محمد البسطاوي فنان متميز ليس فقط في مجال المسرح، بل أيضا في مجال السينما والتلفيزيون، وهو واحد من القلائل الذين أبدعوا في تاريخ الأداء التشخيصي، وأعطى لذلك نفسا جديدا ميزه على باقي الفنانين المغاربة.
السي محمد بسطاوي، كان أيضا مناضلا صلبا يدافع باستماتة على حقوق الفنانين وكان يطالب دائما بتقنين المهنة وإخراج القوانين التي تؤطرها، حتى يتمكن الفنان من العيش بعزة وكرامة، لأنه كان يؤمن بأن المهنة بدون قوانين تؤطرها، تجعل الفنان يشعر بالحكرة والغبن.
السي محمد بسطاوي، هو فنان شامل، لا يمكن أن نفيه حقه مهما قلنا فيه، فقد عشت معه منذ حكاية بلا حدود ومع الفنانين ثريا جبران وعبد الواحد عزري وصولا إلى مسرح اليوم، وتلك الأعمال الرائعة التي ستظل خالدة في عالم السينما والمسرح والتلفيزيون.
لقد فقدنا رجلا عظيما وهو بالتأكيد رائد من رواد الفن المسرحي ببلادنا، رحمه الله وأسكنه فسيح جناته وإنا لله وإليه راجعون”.