قد يمر بنا قطار العمر بمحطات وأماكن لا نشعر بجمالها إلا عندما نبتعد عنها.. وقد يؤثث مشهد حياتنا فنانون فرضوا علينا الاحترام بأدائهم و مشاعره الإنسانية الجميلة. وفي أكثر الأحيان لا نشعر بقيمتهم ومدى تأثيرهم في حياتنا إلا بعد أن يغادروننا ويصبحون مجرد ذكرى فيتركون ذكريات قد تثير فينا الشجن والحزن والفرح والابتسامة أو الألم والحسرة.. ولكن تبقى ذكرياتهم محفورة داخلنا، تذهب بنا إلى العالم جميل نستنشق من خلاله عبق المحبة والحنين إلى الماضي حيث نتذكر فيهم وبهم أجمل اللحظات برونق خاص وغصة بالقلب…
رحلوا عنا الغوالي وتركوا لنا ذكريات نتعايش معها وتنبض الحياة في أعضائنا، وصورهم مازالت ماثلة أمام أعينينا..
هكذا هي الحياة، كما هي الممات، لقاء وفراق، دمعة وابتسامة.. فبالأمس رحل عنا العظماء ممن كنا نحبهم لأنهم تركوا بصمات على دركنا وفهمنا للحياة من علماء وشعراء وأدباء وفنانون فهم شخصيات عامة إلا أنهم أناس عاشوا وتعايشوا معنا ليرحلوا بهدوء دون أن ترحل آثارهم وتأثيراتهم..
الحلقة 15
الممثلة الراحلة فاطمة بنمزيان
فاطمة بنمزيان هي ممثلة مغربية من جيل الرواد وهي زوجة الممثل المغربي محمد حسن الجندي الذي مثل دور أبي جهل في فلم الرسالة وأم الممثل المغربي أنور الجندي، ولدت سنة 1944 بمدينة مراكش، انتقلت سنة 1958 رفقة زوجها من مدينة مراكش إلى الرباط من أجل الاشتغال في فرقة التمثيل العربي التابعة آنذاك لدار الإذاعة والتلفزة المغربية تحت إشراف الأستاذ عبد الله شقرون. وتوفيت صبيحة يوم الخميس 14 ماي 2015 بأحد مصحات الرباط، بعد صراع مع مرض أعجزها عن الخطو. ودفنت بمقبرة الشهداء بالرباط.
التقت فاطمة بنمزيان في الرباط بمن سبقها إلى هذا الميدان وهم الفنانة حبيبة المذكوري وأمينة رشيد، ومحمد أحمد البصري والعربي الدغمي وعبد الرزاق حكم وغيرهم، وطيلة أكثر من خمسين سنة من العطاء الفني، قدمت فاطمة بنمزيان العديد من الأعمال الإذاعية والتلفزيونية والسينمائية إلا أن فاطمة بنمزيان تعد سيدة المسرح المغربي بلا منازع، حيث أنها قبل وبعد إنشائها لفرقة مسرح فنون سنة 1983، عملت لعب أدوار متنوعة ومرحة في أغلب الأحيان في مسرحيات اجتماعية تتناول القضايا التي تشغل المجتمع المغربي بأسلوب شعبي.
وتعتبر الراحلة فاطنة بنمزيان واحدة من رائدات المسرح المغربي وفنانة مناضلة آمنت دائما برسالة العمل المسرحي. برز عطاؤها الفني في عدة محطات خاصة مع فرقة مسرح “فنون” حيث قدمت في إطار هذه الفرقة مجموعة من الأعمال التي حققت نجاحا كبيرا داخل المغرب وخارجه.
كما كانت للراحلة دور تأسيسي في مجال التمثيل الإذاعي الذي بدأته مبكرا. وارتبط اسم فاطمة بنمزيان، التي ولدت بمدينة مراكش، بالممثل محمد حسن الجندي، الذي تزوجته ورزقت منه بأربعة أبناء.
وانتقلت الراحلة بعد زواجها بالممثل حسن الجندي من مدينة مراكش إلى الرباط للاشتغال في فرقة التمثيل العربي التابعة آنذاك لدار الإذاعة والتلفزة المغربية تحت إشراف الأستاذ عبد الله شقرون.
وقدمت الراحلة العديد من المسلسلات الإذاعية الاجتماعية والدينية والتاريخية والوطنية، من بينها “العنترية” و”مدينة الكنوز” و”نهار الخميس” و”الهاربة” و”خالد بن الوليد” و”ابن سينا”.
وإلى جانب أعمال الفنانة بنمزيان الإذاعية كان عبورها في التلفزيون لافتا من خلال مجموعة من الأعمال من ضمنها الشريط التلفزيوني “ولد مو” الذي حازت فيه على جائزة أحسن ممثلة في إحدى المهرجانات بتونس، وتقاسمت بطولته مع الفنان عبد الله فركوس تحت إدارة المخرج داوود أولاد السيد.
وجسدت الراحلة عدة أعمال منها “الحادثة” و”الجهاد الأكبر” و”رضى الله” و”الوفاء” و”زوليخة”.
وقال الممثل عزيز موهوب، وعلامات التأثر بادية على محياه، في تصريح صحفي، عقب تشييع جثمان الممثلة المسرحية فاطمة بنمزيان، إن الراحلة تركت رصيدا زاخرا في مجال التمثيل والتشخيص والتأليف، فقد كانت فنانة كبيرة ذات حضور وازن، مجتهدة ودؤوبة في عملها، وأختا ناصحة ومربية فنية موجهة.
وغلبت الدموع كلمات الممثل والمخرج أنور الجندي، نجل الفقيدة، الذي، وبعد أن أعرب، باسم كافة أفراد أسرة الراحلة، عن عميق الامتنان لما أحاط به جلالة الملك محمد السادس الفقيدة من رعاية مولوية طيلة فترة مرضها، أكد أنه يفقد برحيل الممثلة فاطمة بنمزيان الأم والفنانة، التي اجتمع فيها ما تفرق في غيرها، بما تحلت به من دماثة أخلاق وكفاح وتضحية ومن نضال فني.
وفي تجليات الوفاء أعرب الابن أنور عن أمله في أن يظل اسم الحاجة فاطمة بنمزيان منقوشا في أذهان الأجيال الناشئة، وأن يتم تأسيس مؤسسة مسرحية تحمل اسم الراحلة عرفانا بما قدمته، ومن بين ذلك مساهمتها في تأسيس فرقة “فنون” التي ستحتفل هذه السنة في غيابها بالذكرى الحادية والثلاثين لإنشائها.
وبدوره تضرع الفنان الممثل بنعبد الله الجندي إلى الله العلي القدير بأن يتغمد الفقيدة بواسع رحمته، مكبرا ما قدمته الفنانة الراحلة من عطاء ثر في مجال التمثيل والمشاركة في التأليف، علاوة على تمكنها كممثلة قوية من تشخيص كل الأدوار التي أنيطت بها سواء فوق الخشبة أو وراء المذياع أو في التلفزيون.