في بعض ظواهر الاحتجاج

أصبحت بعض الأشكال الاحتجاجية التي تلجأ إليها بالخصوص بعض فئات العاطلين، تثير الأسئلة وتفرض التأمل، سواء من لدن السوسيولوجيين أو من لدن الفاعل السياسي والإعلامي والحقوقي، وذلك من دون مزايدات شعبوية.
ما معنى اليوم اللجوء إلى احتلال مقرات الأحزاب؟ ولماذا التركيز على أحزاب بعينها دون سواها؟ وما معنى احتلال مقرات وزارات أو إدارات عمومية، وأحيانا منع الموظفين من الولوج إلى مكاتبهم؟ ثم ما معنى مهاجمة وزيرة ومنعها من ولوج مكتبها، بل وكيل الشتائم لها؟
إن هذه السلوكات تسائل اليوم هؤلاء الشباب، وأيضا مختلف القوى الداعمة لهم، وتقتضي تفعيل نقاش جدي وصريح حول الظاهرة، خاصة في علاقتها بالفضاء العمومي، وبحقوق مختلف الأطراف.
لقد انبثقت حركة حاملي الشهادات العاطلين منذ سنوات بدعم ومساندة من القوى الديمقراطية ومنظماتها الشبابية وصحافتها، وهذه القوى هي التي نقلت مطالب هؤلاء الشباب إلى داخل البرلمان، وساندت معاركهم النضالية، ومنذ ذلك الوقت عبرت هذه الحركة الاحتجاجية العديد من المحطات وشهدت كثير تطورات، إلى أن وصلت إلى ماهي عليه اليوم، حيث تفرز أيضا العديد من السلبيات، إن في المسلكيات أو في المطالب وأشكال التعبير عنها، أو في الاختراقات السياسية وأسلوب التعاطي مع الحوار.
اليوم عندما نثير مثل هذا النقاش، فإن الغاية هي حماية هذه الحركية الاحتجاجية المنبثقة من داخل النبض النضالي لشعبنا وشبابنا، كما أن المستوى التعليمي والمعرفي لمثل هذه الفئات يتيح لها، مبدئيا، إمكانية التأمل الذاتي في التجربة والانخراط في تقييم حقيقي لمساراتها النضالية بمساهمة الأحزاب الديمقراطية والنقابات ومنظمات حقوق الإنسان والشباب ووسائل الإعلام والباحثين الاقتصاديين.
اليوم عندما نجد شبابا لم ينه بعد تعليمه الجامعي، ويسارع إلى حجز مكانه أمام مقر البرلمان، والانضمام إلى إحدى المجموعات كي يكتسب «النقط» المساعدة على تحسين ترتيبه في اللوائح التي تقدم للسلطات عند كل حوار، فهذا مشكل فعلا.
وعندما تتبلور ميكانيزمات وقواعد مشددة في ربط التسجيل في هذه اللوائح بالحضور إلى الاحتجاجات أو بمقتضيات أخرى، وبالتالي جعل التشغيل حكرا على المرابطين في شارع محمد الخامس دون سواهم، فهذا أيضا مشكل.
وعندما يصر المحتجون على مطلب وحيد لا ثاني له (أي التوظيف في الإدارة العمومية وفورا وبشكل مباشر)، ويبعدون من بالهم أي ميل نحو حلول أخرى، فإن هذا يطرح مشكلا ثالثا يدعو إلى الخوف على تفكير شبابنا وعلى رؤيتهم للحياة ولمستقبل بلادهم.
وعندما يلخصون معضلة البلاد كلها في مشكلهم، ويعادون كل الآخرين (الأحزاب، الحكومة…)، فإنهم يحكمون على أنفسهم وعلى حركتهم الاحتجاجية بالعزلة وبنفور المساندين، وهذه من أكبر أخطاء كل الحركات النضالية عبر التاريخ.
الموضوع يستحق فعلا نقاشا رصينا وهادئا، ويستحق التعاطي معه بكثير من العقل والشجاعة والصراحة.
[email protected]

Top