الفنانة أسماء الورياشي: من خلال العُري… المرأة هي سيدة جسدها

افتتح أمس الخميس 10 مارس، برواق “ضفاف” بالرباط التابع لمؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين في الخارج، معرض تشكيلي للفنانة المغربية / الفرنسية أسماء الورياشي بعنوان “أحلام نساء”.. وسيتواصل هذا المعرض، على مدى شهر إلى غاية 11 من أبريل القادم..

من خلال إيماءة تصويرية نقدية، تمثل الفنانة امرأة تتحمل بهدوء جمالها أو مشاعرها، وتطالب بحريتها وترفض أن تكون المرأة كشيء لأن جسدها ملك لها. تستبعد الفنانة منذ البداية أي إثارة جنسية، بعيدًا عن أي نظرة شهوانية. من خلال نهج جمالي، تتساءل عن معايير تمثيل الجسد الأنثوي والخطابات الناتجة عنه. بالنسبة للفنانة، فإن التمثيل الشعري لجسد الأنثى متأصل في مطالبها الاجتماعية.

وفيما يلي حوار قصير مع الفنانة أسماء الورياشي.

  • من جبال الريف إلى نانسي في فرنسا، ما هي المراحل الرئيسية التي ميزت هذه الرحلة؟

** غادرت الريف مع والديّ إلى وجدة، لم أكن أتحدث العربية. منعزلة، بدأت في التعبير عن نفسي من خلال الإيماءات والرسم… في سن الخامسة عشرة، اقترح عليَ مدرس الفنون التشكيلية أن أتوجه إلى شعبة الرسم. أبي رفض. استغرق الأمر تدخلًا قويًا من جدتي لأتمكن من دراسة الفن التشكيلي وأن أصبح مدرسة للفنون التشكيلية ورسامة في طور الإعداد… في سنة 2005، بدعوة من مدينة ليل لحضور معرضِ، قابلت رحيم فائق الذي عَرضتُ وعملتُ معه للمرة الثانية. كان السبب الرئيسي لاستقراري في نانسي، من أجل إقامة فنية ثم بعد ولادة أروع إبداعات حياتي، ابنتي صوفيا. هكذا وضعت أمتعتي في نانسي وتوجهت نحو حياة جديدة كأحد المغاربة المقيمين بالمهجر.

  • كونك امرأة مغربية مقيمة في فرنسا، هل هو واقع حدد عملك الفني؟

** من المؤكد أن استقراري في فرنسا قد غيّر تمامًا من منظوري الفني. في المغرب، وجدت المواضيع التي ألهمتني مصادرها في أصولي الثقافية وبيئتي القريبة. في فرنسا، غيرت طريقة تفكيري. من المسلم به أن اللقاء مع الرسامين الكبار طبع على طريقتي في الرسم والإبداع وكشف الأسرار في أعماق خصوصيتي… أصبح المجتمع وخاصة مكانة المرأة هي الفكرة المهيمنة لدي. لم يكن من المعتاد رؤية فنانة مغربية ومسلمة تبتكر لوحاتها وتعرضها في المعارض الفنية الدولية… أشياء قد تمت!

  • في أي أسلوب فني تسجلين إبداعك؟

** بصراحة يبدو من الصعب الحديث عن أسلوب فني، لأن عملي يتطور يوما بعد يوم. من المؤكد أن النظرة الأكاديمية تضع أعمالي في سياق الفن المعاصر، فالأشكال الخارجة عن المعهود التقليدي توجه اختياراتي. ومع ذلك، فأنا جزء من هذا الجيل الذي يطلق العنان لخياله ليبني بإيماءة تلو الأخرى سيمفونية من الألوان والأشكال لتحقيق إنجاز ملتزم. دائمًا ما تلتقط رحلتي الفنية والمفاهيمية، الماضي والاضطرابات التي عرفتها. ساهم النفي الاختياري أيضًا في بناء أنماط جديدة للاستكشاف …

  • المرأة هي محور إبداعك، فلماذا هذا الاختيار؟

** بصفتي امرأة وبعد أن أدركت الظروف المعيشية للمرأة والتفاوتات الاجتماعية، قررت أن أضع النساء في صميم إبداعاتي. العودة إلى صور طفولتي، التي عشت فيها في مهد أسرة من الفلاحين الريفيين، في مزرعة حيث كانت العزلة تؤثث حياتي اليومية، دفعتني إلى أن أسأل نفسي باستمرار سؤالًا جوهريًا: لماذا لا يمكن اعتبار المرأة بقيمتها العادلة؟ يحاول عملي أن يظهر أن المرأة قد تطورت في جميع المجالات وأنها لم تعد قادرة على أن تكون “وراء كل رجل مشهور…” بل إلى جانبه لتحمل بعض المسؤوليات… أنا أؤمن بشدة بوعي عام وتغيير في العقليات في العقود القادمة.

  • جسد الأنثى مُغطى بالكامل أو عار، ما هي الرسالة الكامنة وراء هذا النهج؟

** يمكن أن تكون المرأة ضحية للضغوط الثقافية أو الاجتماعية، لكن يمكنها أيضًا تحريك الجبال للمطالبة بأن تكون مساوية للرجل. قال أراغون أن “المرأة هي مستقبل الرجل”. في الواقع، إنها أمل الإنسانية… خلف نسيج “الحيك”، يوجد إنسان بنقاط قوته وضعفه… عاريا، المرأة مرغوبة كشيء. لكن ما أريد أن أعبر عنه من خلال عملي الفني هو أنها من خلال هذا التعري هي سيدة جسدها، وأنني سيدة جسدي. إنه تعبير فني حالم لتحقيق الحرية الرمزية. النهج مرتبط بتطور إبداعاتي. اليوم أجرؤ على زعزعة التقاليد من خلال إظهار أجساد عارية، ناعمة بالتأكيد ولكن آمل أن يتم في يوم من الأيام رؤية المرأة وتقديرها كإنسان حر تفتخر باكتساب حقوقها.

  • التركيب يسمح لك بالابتكار بشكل مختلف؟
  • ** إنه أسلوب فني جديد يسمح لي بالتعبير عن نفسي من خلال السماح للزائر بالحلم والسفر عبر هذا الوضع مما يوحي بحلم مثالي. إنها تجربة أولى. لقد استخدمت جلد الأبقار لاستحضار ذكرى ماضينا. لقد استخدمت تقنية أصلية تسمح لي بابتكار مجلدات مستوحاة من صور ظلية للإناث التي تذكرنا بالمرأة المغربية الشرقية، تكريماً لجدتي التي سمحت لي بأن أصبح رسامة… إنها أيضًا طريقة أخرى لوضع المرأة في قلب مناقشاتنا الاجتماعية. هل سيصبح التركيب شكلاً جديدًا للتعبير بالنسبة لي؟ بالتأكيد، لأنها مجموعة تتيح قراءة شاملة.
  • ماذا يمثل لك هذا المعرض في رواق ضفاف؟

** إن المشاركة في معرض “رواق ضفاف” التابع لمؤسسة الحسن الثاني رمز مهم جدًا بالنسبة لي. يفتح هذا المعرض أبوابه للفنانين المغاربة من جميع أنحاء العالم من أجل الترويج لهم وفي نفس الوقت تعريفهم للجمهور المغربي على أرض بلدنا الحبيب. تم عقد لقاء رائع مع فريق رواق ضفاف. أثار تناغم فني نسائي معين فكرة إقامة معرض في الربيع. أنا سعيدة جدًا لكوني من بين فنانيها وأود أن أشكر مؤسسة الحسن الثاني. آمل من كل قلبي أن يكون هذا الحدث ناجحًا للسماح للجمهور الرباطي باكتشاف أعمال فنانة تعيش في الخارج.

حاورتها: فتيحة أملوك

***************

ورقة

“أحلام النساء”

حطت أسماء الورياشي رحالها من جديد على أرض اللورين بفرنسا تحديدا بمنزلها هنالك حيث استعادت نغمة العمل داخل ورشتها في مدينة نانسي التي تبنتها.  

من قلب هذه المحطة بالذات والمخصصة بشكل كبير لحياتها الفنية، نشأت فكرة معرض جديد مخصص لوجودها كامرأة لها نظرة جديدة حول الحرية الجسدية.

في الحقيقة، هذا العمل مستوحى من التحولات والاضطرابات التي أرخت بظلالها على حياة الفنانة من خلال دأبها على تحرير النساء المغربيات حول العالم. تعبر المواضيع المطروحة عن الواقع اليومي المعاش للمرأة منذ ما يسمى بـ “الربيع العربي”.

هو عمل فني يطرح ويسلط الضوء على حياة أسماء الورياشي وحياة النساء اللواتي يطالبن بحقهن الوجودي.

فالجسد يظل رمزًا يساعد على تحصيل هاته المساواة من خلال رؤية الآخر، ولذلك فالسبيل الأنسب لبلوغ هذا المراد هو التعبير عن طريق الفن، هو أسلوب صامت لا محالة، لكنه جد واضح.

ولد من خلال هذا التمعن عمل فني يعبر عن مسألة التجرد أو العري باعتبار المرأة حرة في الدفاع عن حقها كعنصر مشارك في مآل مستقبلها.

هذا العمل، الذي يتكون في كليته من حوالي أربعين لوحة فنية وظلية، هو نداء من أجل الحرية أطلق عليه اسم “أحلام النساء” هو أيضا عمل يمتاز بالجرأة كون أسماء مقبلة على عرضه في بلدها الأصلي، أملا في الوصول إلى تغيير حقيقي تسترجع فيه المرأة مكانتها…

يتجزأ المعرض إلى ثلاثة محاور:

منذ عام 2015 وإلى يومنا هذا، يجوب بنا المعرض من خلال رحلة فنية وتصويرية، حيث المرأة موجودة في كل مكان في الماضي. الحايك: ذاك الزي التقليدي الذي اشتهر عند نساء الشرق، زي مرصع بالجواهر البربرية والذي يعتبر مرجعا لطفولتهن الريفية إلى غاية ظهور ما يسمى بالملابس الناعمة.

أما المحور الثاني فهو إبداع تجريبي مستوحى من أجساد نسائية تستحضر المرأة الوجدية بلباسها، الحايك. هذا التركيب يجمع تلة من الصور الظلية والخيطية المعلقة. تقول أسماء: “لقد خلقتها فاتنة، مثيرة، ومرتدية لأشياء تقليدية ومجوهرات تزينت بها النساء الحسناوات والحسيات”.

أثار إنجازها الأخير رغبة جلية في التمرد على التقاليد من خلال نهج أسلوب حرية التعبير باتباع عملها وكفاحها كامرأة وفنانة.

نكتشف كذلك من خلال هذا العمل وجود خصوصية معينة، نظرة تائهة إلى ما لانهاية، تظهر لنا منحنى ظهر عارية كإشارة تعبيرية ما بين الكلمات. في هذه السلسلة المكونة من 12 لوحة تنخر”أحلام النساء” فكرة بناء نوعية جديدة من المجتمع، نفهم حينها مدى إمكانية انتقال أسماء من الخيال إلى الواقع.

رسالة الفنان ليست واضحة المعالم، إبداعه التشكيلي يمحي القراءة المبسطة أو خمول المتلقي. عكس ذلك فهي رسالة تزيد من القيمة التخمينية للفنان وتعزز جهوده المبذولة من أجل نشر الوعي.  

  • بقلم: رحيم فايق
  • ترجمة: رشيد مهاب

Related posts

Top