يستعيد المعرض الذي ينظم إلى غاية 30 يونيو 2016 بفيلا الفنون بالدار البيضاء، أعمال الفنان التشكيلي عبد الرحمان رحول، التي أنتجها منذ بداية السبعينات وإلى حدود اليوم. يقدم هذا المعرض، الذي يحمل اسم “ريتروسبيكتيف”، مجموعة من الأعمال الفنية للتشكيلي رحول التي يعكس تعدد أجناسها التي تجمع ما بين الصباغة والنحت والسيراميك، مشروعه الفني المتكامل بتقاطع تعبيراته وعدم تنازله عن شرطه الجمالي.
ويعد رحول الفنان التشكيلي الوحيد بالمغرب الذي يبدع باستعمال الصباغة والنحت والسيراميك، متنقلا بسلاسة بين هذه الأشكال الإبداعية التي يعتبر أنها “تتكامل في ما بينها، وتمكنه ،كل بطريقتها، من التعبير عن قلقه وانشغالاته وحساسيته الجمالية الخاصة. في ما يلي الحوار الذي أجرته معه طانيا الشرفي عن مؤسسة أونا المشرفة على هذا المعرض الاستيعادي.
< حدثنا عن تكوينك أولا !
> عبد الرحمان رحول: درست بمدرسة الفنون الجميلة بالدار البيضاء سنة 1962. وقتها، كان تم تعيين فريد بلكاهية مديرا للمؤسسة، وكان من بين أساتذتي: جاك أزاما (اللديزاين الكرافيكي)، أندري الباز (الصباغة)، الأستاذ لوميتر ( الهندسة المعمارية)، الأستاذ ديكاير ( السيراميك)، الأستاذة لوكونت ( النحت) والأستاذة جياجوليت (الرسم).
درسنا بعد ذلك: محمد المليحي ( الصباغة)، محمد شبعة ( الفنون الكرافيكية)، محمد أطاع الله ( الرسم والصباغة) ومصطفى حفيظ ( الرسم).
تخرجت من مدرسة الفنون الجميلة بالدار البيضاء سنة 1966، لألتحق بباريس قصد الدراسة بالأكاديمية الشعبية للفنون التشكيلية شعبة الصباغة، ومدرسة الفنون والمهن شعبتي السيراميك والنحت.
استفدت كذلك من دورات تكوينية في مجال السيراميك بهولندا، في المصانع الكبرى لديفلت وفي تشيكوسلوفاكيا حيث أهديت عملا فنيا لمتحف الفنون الحديثة ببراغ موسم 69 / 1970.
<عدت بعد ذلك إلى المغرب !
> سنة 1972، عينني فريد بلكاهية أستاذا لمادة السيراميك بمدرسة الفنون الجميلة بالدار البيضاء. و بموازاة التدريس، انطلقت آنذاك في مشواري الفني.
يرجع تاريخ معرضي الأول إلى سنة 1974، وكان في مجال السيراميك رفقة الفنان زكاني برواق ” نظر “؛ أما أول معرض لي في مجال الصباغة، فكان سنة 1975 برواق ” لا توليي “.
< ماذا ترسم؟
> أبحث باستمرار عن شخصية في عملي، لأنني أفضل عدم الحديث عن أسلوب في ما يخصني. تأثرت، في البداية، بمجموعة الدار البيضاء؛ ثم انفصلت عنها لأجد لي شخصية وهوية خاصتين بي، وأنا أدعو المتتبعين للتوقف عندهما في أعمالي المعروضة بدار الفن في الدار البيضاء.
< تقدم في هذا المعرض، ” استرجاع “، أعمالك الأولى و، في الوقت نفسه، الأعمال التي أنجزتها خلال السنوات الأخيرة وضمنها إبداعاتك خلال سنة 2016. ما هي التيمات التي تشتغل عليها؟
> تيمتي الأولى هي المدينة العتيقة، درب السلطان حيث وُلدت. أنا مشدود إلى ذلك الحي، وذلك هو السبب الذي جعله مصدر إلهام لي. تمثل أعمالي معمارا تقليديا ببيوت تتشابك فيما بينها، مثلما هي المناظر المعمارية التقليدية في الجنوب المغرب.
أدرجت، بعد ذلك، شخصيات، ويتعلق الأمر بالأسرة أساسا. والداي كان أميين؛ أبي كان تاجرا، وأخي الأكبر هو الذي تكفل بتربيتنا. كان يدافع على قضيتنا، على رغباتنا لدى والدينا. لذلك، أحفظ احتراما كبيرا للعائلة.
< كيف خامرتك فكرة دراسة الفنون التشكيلية؟
> في حينا الشعبي، كنت أنجز دائما رسومات لأصدقائي؛ وهم الذين علموا ذات يوم، عن طريق إحدى الجرائد، بنبأ مباراة للدراسة بمدرسة الفنون الجميلة بالدار البيضاء، وشجعوني على خوض المباراة.
< عرفت أعمالك تطورا مغايرا خلال الفترة الأخيرة. هل بإمكانك أن تحدثنا عن هذا التطور؟
> عملي الراهن تذكير بما أنجزته خلال الستينيات. يتعلق الأمر دائما بمناظر، إلا أن طريقة التعامل معها تختلف في أعمالي الأخيرة. الأشكال المربعة، المستطيلة والمكعبة لا تزال حاضرة. إنه معمار محكم الدقة والإبداعية.
< ماذا بخصوص منجزك في مجال السيراميك؟
>أنا الفنان الوحيد الذي يعرض السيراميك اليوم في المغرب. لذلك، أتساءل أحيانا إذا ما كان علي أن أتخلى عن هذه الشعبة، لأنها تتطلب إمكانات ضخمة وفضاء رحبا.
< والنحت؟
> ليس للمغاربة اهتمام كبير بالنحت، لأنه يتطلب فضاء أرحب داخل البيوت المغربية. إضافة إلى أنه يمثل تربية لا نمتلكها.
< وفي الخارج؟
> أنجزت منحوتات كثيرة في فضاءات عمومية. أمنيتي أن يدرج المسؤولون عن الثقافة الفن في الفضاءات العمومية؛ إنه جزء من التربية البصرية للمغاربة. يحيلنا النحت على أسئلة وتساؤلات لها جدواها، لا سيما وأنه ليست لدينا متاحف وأروقة في جميع مدن المملكة.
علينا إذن أن نُقرب الفن من غالبية الناس، أن نجعله ديمقراطيا.
< حدثنا عن مشروع أنجزته أو تجربة شاركت فيها ولا تزال تعتز بها؟
> مشروع برشيد سنة 1970. قضيت وزملائي الفنانين أسبوعا بمستشفى المدينة، رسمنا خلاله رفقة المرضى، وفي الليل كنا ننظم سهرات موسيقية مع ناس الغيوان… كانت أسر المرضى تحضر معنا ( بعض الأسر تخلت كلية عن مرضاها )، وقد أرجعت بعض العائلات مرضاها إلى دفء بيت العائلة. كان رائعا أن نرى درجة فعل الثقافة في المرضى وفي علاقاتهم بذويهم.
< وما هي مشاريعك المستقبلية؟
> من بين المشاريع التي تحز في نفسي وأرغب في إنجازها مشروع العرض بدار الفنون في الدار البيضاء، لكي أتقاسم مهاراتي مع أهل مدينتي، مع المغاربة جميعهم، مع عشاق الفن، مع زملائي وأصدقائي الفنانين.
ترجمة: سعيد رباعي