بمناسبة الذكرى العشرين لرحيل الأستاذ والمناضل التقدمي على يعته، الأمين العام المؤسس لحزب التقدم والاشتراكية، نظمت مؤسسة علي يعته، وقفة ترحمية، على قبر الفقيد، يوم الأحد الماضي، بعد صلاة العصر، بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء، بحضور أعضاء المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية يتقدمهم الأمين العام، نبيل بنعبد الله، بمعية العشرات من أعضاء اللجنة المركزية، ومناضلي ومناضلات الحزب الذين قدموا من مدن مختلفة، بالإضافة إلى إدارة مؤسسة «بيان.ش.م» وصحافييها.
وألقى إسماعيل العلوي، رئيس مؤسسة على يعته، كلمة بالمناسبة، استحضر فيها بقوة خصال ومناقب الفقيد علي يعته، والمكانة البارزة التي تبوأها في الحياة السياسية المغربية، وبجهوده من أجل بناء يسار مغربي متسم بالنضج السياسي وبروح المسؤولية، وإسهامه القوي والغني في الحياة البرلمانية، ودوره الريادي والمتميز في المشهد الإعلامي الوطني، مؤكدا على أنه بالرغم من رحيله جسديا، منذ عشرين سنة، فإنه ما يزال حاضرا بقوة في كيان كل الرفاق والرفيقات، من خلال فكره ومبادئه وقيمه، التي تشكل اليوم مصدر إلهام في سلوكهم النضالي وفي الحياة السياسية.
وكانت القضايا الوطنية، يقول اسماعيل العلوي، في صلب فكره ونضاله؛ وذلك منذ انخراطه في العمل السياسي خلال مرحلة شبابه، وعُمره لا يتجاوز العشرين ربيعا إلا بقليل، مما جعله يقضي ما يربو على ستة وخمسين سنةً من حياته، في العمل النضالي ابتداء من الحزب الوطني وتنظيمه الكشفي أولا، ثم وأساسا، داخل تنظيمات الحزب الشيوعي في المغرب قبل أن يتحول هذا الأخير إلى الحزب الشيوعي المغربي، حيث أصبح الرفيق علي يعته منذ 1945 أمينا عام له.
واعتبر إسماعيل العلوي أيضا، أن الفقيد علي يعته، انطلاقا من القيم السامية التي كان يؤمن بها، جسد طموحات الشعب المغربي المتطلع إلى صيانة وحماية حقوقه، والدفاع عن مصالح وطنه الذي مزق الاستعمار كيانه المجالي، وترجم رفقة رفاقُه هذا التجسيد عبر تكريس جهودهم النضالية لترسيخ قيم التحرر والتقدم والعدالة الاجتماعية والديمقراطية والفكر الاشتراكي، ليس فقط بالنسبة لشعبهم بل وكذلك لجميع الشعوب المناضلة من أجل انعتاقها عبر العالم.
وأضاف، أن ما يميز هذه الوقفة الترحمية هذه السنة، هو إخراج مشروع المؤسسة التي تحمل اسمه، «مؤسسة علي يعته» إلى حيز الوجود. وهو مشروع يتوخى تمكين المشهد الوطني من فضاء مفتوح ومنفتح للتناظر والنقاش والاجتهاد في قضايا الفكر والسياسة والثقافة والإعلام، أي قضايا المجتمع في شموليتها، إلى جانب مؤسسات أخرى مثيلة، للإسهام في تطور مجتمعنا ووطننا نحو التقدم والازدهار. وفيما يلي نص كلمة الأستاذ إسماعيل العلوي.
– حسن عربي
رفيقاتي العزيزات ..
رفاقي الأعزاء ..
السيدات والسادة الأفاضل ..
قبل عشرين سنة خلت، وارينا جثمانَ رفيقنا الكبير علي يعته، رحمة الله عليه.
قبل عشرين سنة، غادرنا السي علي جسدياً، لكنه بقي وسيبقى حاضرا في كيان كل رفاقه ورفيقاته، بفكره ومبادئه وقيمه، يلهمنا في سلوكنا النضالي وفي حياتنا السياسية، ويحمي حزبَه من كل انحرافٍ ويقيه من كيد الكائدين، إنه مازال يخدُم حزبَه وهو في الممات كما خدمه قيد حياته.
أجل، أيتها الرفيقات، أيها الرفاق، لقد جعل رفيقنا السي علي القضايا الوطنية في صلب فكره ونضاله؛ وذلك منذ انخراطه في العمل السياسي خلال مرحلة شبابه، وعُمره لا يتجاوز العشرين ربيعا إلا بقليل، مما جعله يقضي ما يربو على ستة وخمسين سنةً من حياته، في صفوف الحزب الوطني وتنظيمه الكشفي أولا، ثم وأساسا، داخل تنظيمات الحزب الشيوعي في المغرب قبل أن يتحول هذا الأخير إلى الحزب الشيوعي المغربي، حيث أصبح الرفيق علي يعته منذ 1945 أول أمين عام له وتحمل هذه المسؤولية بعد أن قام بدور طلائعي في مغربته، بمعية الرعيل الأول من المناضلين الثوريين المغاربة داخل صفوف هذا الحزب، مجسدا بذلك الانصهار الخلاق مع الروح العميقة لشعبنا المغربي التواق، على الدوام، إلى الجمع بين الموروث الفكري الوطني المتقدم ومكتسبات الفكر الكوني المتنور.
لقد جسد الرفيق علي يعته، رحمه الله، انطلاقا من القيم السامية التي كان يؤمن بها، طموحات فئات الشعب المغربي المتطلعة إلى صيانة وحماية حقوقها، والدفاع عن مصالح وطنها الذي مزق الاستعمار كيانه المجالي، ظنا منه أنه استعبده بشكل نهائي. وترجم علي يعته ورفاقُه هذا التجسيد عبر تكريس جهودهم النضالية لترسيخ قيم التحرر والتقدم والعدالة الاجتماعية والديمقراطية والفكر الاشتراكي، ليس فقط بالنسبة لشعبهم بل وكذلك لجميع الشعوب المناضلة من أجل انعتاقها عبر العالم.
هكذا قام علي يعته ورفاقه بترجمة ذاك الاختيار النبيل عبر مساهمتهم في حملات ومعارك تضامنية مع شعبونا العربية وعلى رأسها الشعب الفلسطيني أو مع شعوبنا الإفريقية في نضالها ضد الاستعمار الفرنسي والبرتغالي والإسباني وضد الميز العنصري.
أما داخل الوطن فكان علي يعته وحزبه يركزان على نصرة المواطنين الكادحين والمستضعفين سواء كانوا يعيشون في البوادي والأرياف أو في المدن والحواضر، أكانوا يعملون فوق الأرض أو تحتها في المناجم، مسايرين بانفتاحهم السياسي، وبرصيدهم الفكري، للتحولات العميقة والمستمرة التي عرفها العالم والمجتمع المغربي، لاسيما منذ النصف الثاني من أربعينيات القرن الماضي.
لعلكم، رفيقاتي رفاقي، متفقون معي أن ما يميز وقفتنا، هذه السنة، ونحن نخلد الذكرى العشرين لرحيل زعيمنا التاريخي، هو إخراج مشروع المؤسسة التي تحمل اسمه.. “مؤسسة علي يعته” إلى حيز الوجود. وهو مشروع يتوخى تمكين المشهد الوطني من فضاء مفتوح ومنفتح للتناظر والنقاش والاجتهاد في قضايا الفكر والسياسة والثقافة والإعلام، أي قضايا المجتمع في شموليتها، إلى جانب مؤسسات أخرى مثيلة، للإسهام في تطور مجتمعنا ووطننا نحو التقدم والازدهار.
وإذا كان من الضروري الإشارة إلى أن السبب الأساس في تأخير الظهور الفعلي لهذه المؤسسة في الساحة الوطنية يعود إلى البحثِ عن إنضاج الظروف المعنوية والمادية والعمل على تهييئ الأجواء المناسبة؛ فإننا قد سجلنا النجاح الكبير الذي عرفه حدث تأسيس “مؤسسة علي يعته”، يوم الجمعة 24 مارس 2017 بالرباط، بحضور فعاليات ثقافية وفنية وأكاديمية وإعلامية متميزة، وبمساهمة وازنة لشخصيات وقيادات، من مختلف المشارب السياسية والفكرية والجمعوية والحقوقية، معربين، من جديد، عن اعتزازنا البالغ بالرسالة الملكية السامية الموجهة إلى الجمع العام التأسيسي لهذه المؤسسة، وتثميننا العالي لما حملته من تأكيد على التقدير الذي حظي، ويحظى به، هذا الزعيم الوطني الفذ، لدى الجميع، باعتباره من القادة السياسيين المغاربة الرواد، وأحد رموز اليسار التقدمي المغربي والعربي، المشهود لهم بالمصداقية والعطاء الوفير، في المجالين السياسي والحزبي، وبالنظر إلى إسهامه البارز المتجسد في تسخير كل حياته لخدمة قضايا الوطن والشعب.
وعلاوة على دور ومهمة النقاش والبحث، فإن المؤسسين يرومون جعل هذه المؤسسة مدرسة لتكوين المناضلات والمناضلين، وخاصة الشباب منهم، قصد مساعدتهم على فهم محيط حزبهم ومناقشة أوضاع مجتمعهم، ومواصلة المسير على هدي تعاليم السي علي، عبر استلهام تجربة هذا المناضل الكبير، واستثمار إرثه الفكري الأصيل والثري، وهي مهمة يتطلب النجاح فيها العمل الجماعي الجدي، لجعل مؤسستنا تتبوأ المكانة اللائقة باسمها، وتشكل منارة حقيقية، وقيمة مضافة تسهم في النهوض بكل ما من شأنه صيانة الذاكرة التاريخية، وتوطيد وتطوير القيم السامية التي ناضل من أجلها طيب الذكر، المرحوم علي يعته.. أي قيم الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
كما تعلمون، رفيقاتي رفاقي ومعشر الحضور، فإن إحياء الذكرى العشرين لرحيل الرفيق علي يعته يتزامن مع مرور خمسة وأربعين سنة على إصدار صحيفتي “البيان” (24 نونبر 1972)، كوسيلة إعلامية للتعريف بمواقف الحزب وبتحاليله وآرائه، وللإخبار والتعبير عن قضايا الوطن، وفق ضوابط الممارسة الصحفية وأخلاقيات المهنة.
وهي مناسبة لاستحضار، بكل إجلال وتقدير التاريخ الحافل بالبذل والاجتهاد والعطاء الذي بذله الراحل السي علي كمدير لهذه المؤسسة الإعلامية المجيدة، ودوره الشخصي البارز في صياغة وتجسيد مدرسة مغربية للصحافة، للإسهام في تعزيز البناء الديمقراطي، وفي تشكيل الرأي العام الوطني، وفي تنشيط الحوار السياسي، والدفاع عن أفكار وقيم الحرية والتقدم والديمقراطية ومصالح الكادحين والمستضعفين.
وفي هذا المضمار، أعلن لكم أن مؤسسة علي يعته قررت تنظيم ندوة حول هذا الموضوع بالذات، مطلع شهر شتنبر المقبل.
لن أثقل عليكم، رفيقاتي العزيزات، رفاقي الأعزاء، في هذه اللحظة المؤثرة، باستحضار الخصال الكثيرة التي كان يتحلى بها أستاذنا علي يعته، من وطنية صادقة ونكران للذات، والتزام أخلاقي وشجاعة رصينة وحس منهجي رفيع. لقد كان هاجسه، منذ انخراطه في خلايا الحركة الوطنية وتنظيمات الحزب الشيوعي المغربي، الكفاح من أجل حرية واستقلال المغرب، وتجنده الفاعل للدفاع القوي عن وحدته الوطنية، في شقيها الترابي والشعبي القومي، وتطوعه المبكر في المحافل الدولية، لإبراز شرعية وعدالة قضيتنا الوطنية، والإسهام الإيجابي في بناء المغرب الحديث. ونصرة الديمقراطية، والدفاع عن حقوق المواطنين .. كل حقوقهم، وحرياتهم.. كل حرياتهم.
ولستم في حاجة، أعزائي عزيزاتي، إلى التذكير بالمكانة البارزة التي تبوأها فقيدنا في الحياة السياسية المغربية، وبجهوده من أجل بناء يسار مغربي متسم بالنضج السياسي وبروح المسؤولية. ولن أتطرق إلى إسهامه القوي والغني في الحياة البرلمانية، كما لن أشير إلى دوره الريادي والمتميز في المشهد الإعلامي الوطني…لأنها تفاصيل رصيد نضالي صار جزءا من الذاكرة السياسية الجماعية المغربية.
ولن أستعرض عليكم البصمات العميقة التي تركها والجهود الكبيرة التي بذلها والطاقات الجبارة التي كرسها لأكثر من نصف قرن، لإعطاء حزبنا المكانة التي يستحقها في الحقل السياسي، وتعزيز دوره وتطوير مساره، منذ نواته الأولى، إلى تأسيس حزب التقدم والاشتراكية، وذلك وفق مقاربة متميزة قوامها التحليل الملموس للواقع الملموس والواقعية الجدلية وضمان حدوث التغيير الديمقراطي بإرادة الشعب والعمل الجماهيري المنظم.
من ناحية أخرى، ودون الخوض في القضايا المرتبطة بتطورات الأوضاع الراهنة ببلادنا، في أبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وفي علاقتها بالمشهد الحزبي عموما وبالحياة الداخلية لحزبنا على وجه الخصوص، لا يسعنا إلا أن نسجل بإيجابية إطلاق عملية التحضير لتنظيم المؤتمر الوطني المقبل للحزب في غضون السنة المقبلة.
وهذا لعمري أمر يحتم علينا جميعا، ومنذ هذه اللحظة، التجند والتعبئة معنويا وماديا، والتحلي بالروح الحزبية الخالصة لإنجاحه، وجعله يشكل محطة مفصلية لتطوير الخط السياسي للحزب، عبر الخوض المستمر في تجديد التصورات الأطروحات والتحاليل المتعلقة بالتحولات المجتمعية، والانفتاح الواعي على العصر، والتكيف الذكي مع تطوراته، وإثراء مقاربات الحزب وتحاليله، والقيام بالمراجعات التنظيمية الرصينة والخلاقة، عبر الإسهام في تطوير مستوى الممارسة السياسية والرقي بأساليبها، وتقوية حكامة المؤسسات والأجهزة الحزبية على كافة المستويات، وتوليد التحديث الضروري للنفس النضالي، بما يمكن حزبنا من التجذر والاضطلاع بدوره المجتمعي وأداء مهامه الدستورية والسياسية والفكرية.
وهذا لن يتأتى إلا بالاعتماد على القراءة الموضوعية لمعطيات المرحلة التاريخية التي تجتازها بلادنا، عبر الاسترشاد بالموروث الفكري الثري لحزبنا، والإعمال المستمر لجدلية الوفاء والتجديد، المبنية، من جهة، على الوفاء للمبادئ والمثل الإنسانية السامية أولا ولتقاليد المجتمع المغربي ثانيا، ومن جهة أخرى، على التجديد المتواصل فكريا وتنظيميا، خدمة للمشروع المجتمعي الواعد الذي كافح ويكافح حزبنا من أجله على امتداد أكثر من سبعة عقود، والمتمثل في تشييد مغرب الحرية والمساواة والكرامة والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والتقدم الاقتصادي والازدهار الثقافي.
لا يسعني، معشر الحضور الكريم، في ختام هذه الكلمة، إلا أن أطرح بعض التساؤلات التي تنتصب بإلحاح، والتي يواجهها كل مناضل، وهي ما إذا لو عاش الرفيق علي يعته إلى اليوم؟.. ماذا كان سيكون موقفه من تطورات المشهد الحزبي المغربي.. ومن تفاعلات الأحداث السياسية وحالة الأوضاع السوسيو – اقتصادية الوطنية؟ ومن عناوين ومواد الصحف المكتوبة والمواقع الإلكترونية؟.. وأساسا كيف ستكون استجابته وتفاعله مع التحديات المطروحة على حزبنا اليوم؟.. لا أملك الآن إلا أن ألفت الانتباه إلى أن إرث علي هو رصيد للوطن.. نظرا لما قام به خلال حياته.. ونظرا لحجم إنجازاته. ويجب أن نتذكر أنه كان صوتا وسندا للضعفاء من عمال وفلاحين من صناع ومأجورين. علمنا السي علي الكثير، ويتعين أن نتعلم من إرثه المزيد.. لأنه سيبقى رمزا وطنيا وحزبيا.. وقدوة للقائد السياسي، ونموذجا للمناضل من أجل التحرر والتقدم والاشتراكية، لا سيما في هذه المرحلة التي كثر فيها التضليل والمسخ وتبخيس العمل السياسي.
ولتسمحوا لي، أيها الرفاق، أيتها الرفيقات، ونحن نحيي ونخلد ذكرى وفاة السي علي يعته ككل سنة، أن نستحضر رواد الحركة الوطنية وأمجادهم، نساء ورجالا ونحن بهذه المقبرة المهيبة “مقبرة الشهداء”، ونتذكر كافة طلائع ورموز الحركة الثورية المغربية من مؤسسي وقياديي حزبنا العتيد وروائع كفاحهم، ونترحم على أرواح عموم الشهداء شرفاء هذا الوطن.
علي يعته يخلد الآن في راحة..
فلنسترشد بمشعل النور النضالي الذي أيقظه فينا..
ولنستق الإلهام من منارة الأمل التي تركها لنا جميعا.. رحمة الله عليه.
والســـلام عليكم.