1/ في البناء النظري لـ “التّناوب”
أثارت حكومة التناوب – كحل وسط – ديمقراطي بقيادة الكتلة الديموقراطية (على عهدها) بالمغرب.. الكثير من ردود الفعل، قبل أن يُصار بها كمادة، إلى الكثير من المطارحات الفكرية – السياسية: إن لجهة الميل الديمقراطي وتوخي التغيير أو لجهة ضده.. على أن البناء النظري لتلك المطارحات جميعها، قام على أساس (ومنذ البداية) من تقويم متسرع أولي لها، كتجربة. وذلك بناء على مجموع الوقائع والأحداث التي طبعت المشهد السياسي المغربي بمَيْسمها منذ عام 1990، وشكّلت على نحو ما خلفية واضحة لذات التجربة.
وفيما بدا حدث قيام هذه الحكومة على أهميته ونوعيته أيضا، فريدا أو كذلك، على فرض أن الساحة السياسية المغربية لم تشهد له مثيلا منذ عام 1962، أي منذ حكومة عبد الله ابراهيم الشهيرة، فإنه بدا أيضا مفرزا (وهذا هو الأهم)، اصطفت وراءه قوى وتيارات سياسية عديدة تعتمل في الساحة: يسارا، وسطا، أو يمينا. ولنقل بإيجاز، لقد أحدث قيام الحكومة هاته ضمن الشروط والظروف التي تم فيها (وفي مناخ دستور أقل استواء من دستور 2011)، حراكا ودينامية اجتماعييين وسياسيين، تبلور عنوانهما بصيغة “التناوب السياسي” كمَيْسم لمرحلة سياسية دقيقة، انطبعت منذ البداية ولازالت بالصفة “الانتقالية”. اصطف في سيرورتها من اصطف، بموجب قناعات مبدئية أو سياسية تقديرية، فيما افترق معها بنفس الموجبات السياسية السابقة نسبيا، أو بمبررات لا تخلو من نوازع مصلحية، منافعية وغير هذا مما شابه. وكان هذا حال “اليمين” السياسي.
وإذن، أين نحن الآن من هذه الدينامية وهذا الحراك؟؟. ألم يرْتكرس الواقع السياسي بالمغرب سنوات ضوئية إلى الوراء بعد هذه التجربة؟؟
والحال (كمحصلة أولى)، فإنه وجب أن نفهم (وهذا اعتقادي) قصدية بعض الآراء الداعية الآن إلى تناوب جديد يقي المغرب من الصدمات المرتقبة في ظل ما يشهده العالم من ركود مؤثر، يلزم معه تعاطٍ جدي مع مستلزمات المرحلة، تفاديا لسكتة قلبية ثانية أشد. هذا وفي ذات الوقت يجب أن نفهم أو نضع اعتبارا لتلك الآراء الأخرى الناقدة للتجربة التي ارتأت إليها بوصفها استمرارا غير مباشر لإبداع “ديمقراطي محلي”، وذلك بناء على ركودية الواقع العام، وضيق آفاق التغيير المأمول به، ضمن الشروط التي تضبط وتُوجه بشكل أو بآخر مشروع التغيير الانتقالي ذاته.
2/ في تفادي الاعتقاد الشعبي التلقائي
لقد جرى الاعتقاد منذ تعيين المرحوم عبد الرحمان اليوسفي وزيرا أولا (وليس رئيس حكومة؟) لدى الأوساط الشعبية العامة المتضررة من السياسات المُتبعة في الشأن المغربي منذ العام 1962، بقرب الانفراج والخروج من الأزمة الحادة التي كانت تطبع وتَسِم الواقع العام بالبلاد، بل وأكثر من هذا، باستقامة التّطور المحجوز منذ التاريخ المذكور… وهو اعتقاد أتى مُفرطا في تفاؤله المتّصل، بديهيا، بطبيعة الوعي الشعبي التلقائي والعفوي أيضا، الصادر عنه كوعي مطبوع بفَوْرية تخميناته وافتراضاته وتناسل أوهامه أيضا (وهذا ما لا نتمناه في أي تدبير جديد على نفس المنوال؟)
على أن الأسلوب النظري – التّجريبي السابق (على عهد المرحوم اليوسفي) لم يعد محبذا، بل ويجب أن يتوقف عن أن يكون رادفا مُلازما لأي نظر، أو تعاط مع المشكلات المذكورة التي تنخر الواقع وأبنيته، وهي (في إطار تناوب متجدد فعال ومفترض) قائمة كتحد يفترض بالأول والأخير وعيا بالذات كاملا، وبطبيعة المرحلة التاريخية (= مرحلة تكريس الوحدة الوطنية). فيما يُفترض ثانيا، حصرا لآلية اجتراح الفعل، بحصر الأدوات والإمكانات الذاتية الفعلية، وذلك مُجانبة للسقوط في مبدأ الخطأ والصواب الذي يمكن أن يقود، بوعي أو بدونه، إلى خسارة سياسية وبرنامجية تجاه المستقبل.
3/ في استغلال أغلب إمكانات الحراك
لعل من أغلب ما أثارنا لبسط اقتراح “تناوب مغربي” جديد ومُفترض، دعوة الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، على سبيل المتابعة والبحث، وهو اقتراح سمح لنا أيضا بالإدلاء بدلونا في ذات السبيل، وبما يسمح ببلوة تصور عام يفضي إلى ممارسة أغلب إمكانات الجدل والحراك الاجتماعيين (حول فكرة نافذة في ذات الإمكانات)، وذلك في قصدية واضحة هي: استقامة المسار الديمقراطي ورصد إمكانيات قيام مجتمع مدني يجسد في تشكله المُحتمل، ركيزة استمرار المسار المذكور بشكل أسلم.
4/ في الطرح الانتقالي “المُمكن”
تبدو أسئلة الظفر بنجاح في التغيير والإصلاح المتوخين، بما هو مطلوب في سيرورة “تناوب جديد” مُقترح، بديلا نهائيا عن أي تفكير تبسيطي – أحادي (ذي أفق اشتراكي شعبوي)، انتعش واعتاش بهذا التفكير زمنا ليس بقصير.. والحال أن الطرح الانتقالي المؤسس فعلا لحكومة “تناوب جديد” غدا طموحا غير محدود. (هذا أضعف الإيمان؟). لماذا؟؟.
لمتأمل أن يقدر حجم القضايا التي لا تزال ترهن الواقع باشتراطاتها. وينتظر الشعب المغربي بعضا من حلها النسبي، قبل أن يطالها الوهن من لدن حكومات زائفة قامت على مبررات التخفيف من الأزمة الحادة.