يحس البيضاويون، ومعهم المتابعون لأوضاع العاصمة الاقتصادية، كما لو أن المدينة باتت من دون منتخبين، وأن مجلس المدينة لم يعد معنيا بشؤون أهل هذه المدينة وساكنتها. مختلف مجالس الحديث هذه الأيام لا تتحدث سوى عن غياب منتخبي الدار البيضاء، واختفاء عمدتها عن الفعل في القضايا الكبرى المؤطرة لمستقبل المدينة، والكل يبحث عن تفسير لذلك، والجميع يرسم سيناريوهات وتوقعات للمستقبل، لكل بحسب مصالحه…
مسؤولو سلطة الوصاية هم الحاضرون في عمق الصورة منذ مدة، وعندما تتفاقم المشاكل، وييأس الناس، ويخرجون للشارع قصد الاحتجاج، كما فعل سكان باشكو، تتحرك السلطات لنزع فتيل التوتر، وعندما تبرز مشاكل النظافة والإنارة العمومية والنقل، أيضا تحتل السلطات كامل الصورة، ويختفي المنتخبون…، ويتساءل الناس: لماذا إذن صوتنا على هؤلاء؟؟؟
عندما ينكب المغرب برمته على موضوع العزوف عن الانتخابات، وعندما تكون القوى الديمقراطية قد ناضلت لسنوات من أجل توسيع صلاحيات الجماعات المحلية، هنا تتحرك الصورة الأخرى لتصدمنا، إنها صورة غياب منتخبي الدار البيضاء، وهنا تصير المهمة المستعجلة الأولى هي حماية التجربة الديمقراطية الجماعية من التراجع.
هناك ضعف في الدار البيضاء، هناك غياب، هناك قصور، هناك فساد، لكن مع ذلك من واجب الجميع الدفاع عن التجربة الجماعية كخيار وكتطلع ديمقراطي للمغاربة.
المهمة الثانية، وهي بمثابة درس يستحق نظرنا وتأملنا كلنا، ويتعلق الأمر بكون هذه الكائنات الانتخابية التي ابتليت بها العاصمة الاقتصادية، هي التي تستفيد باستمرار من عطف بعض عناصر السلطة خلال الانتخابات، وهي التي توفر لها شروط الحصول على المقاعد، وتصنع لها الأغلبيات، وهاهي النتيجة تصدمنا اليوم، حيث أن أكبر مدن المغرب تفتقر إلى نخبة كفؤة على رأس مجلسها.
وعندما نعرف أن رؤساء جماعات قروية عديدة في مناطق مختلفة من المغرب، يعانون الأمرين مع الموارد المالية، نستغرب فعلا لمنتخبي البيضاء الذين توافرت لهم الملايير، في السنوات الأخيرة، ومع ذلك لا زالت مشاريع متوقفة وأخرى أخذت اعتماداتها وجهة مغايرة، وبقيت المدينة من دون رؤية تنموية إستراتيجية لدى المنتخبين، ولا يتابع السكان سوى مقالب الأعضاء بعضهم لبعض، والشتائم المتبادلة بينهم خلال الاجتماعات القليلة التي يعقدونها.
البيضاويون يعانون في مناطق هشاشة عديدة، ويعانون مع شركات التدبير المفوض، ويعانون مع النظافة ومع الإنارة ومع النقل، ومع الأمن في الأحياء…
الدار البيضاء، قاطرة المغرب الحداثي، تعيش اختلالات في أوراشها الكبرى…
الدار البيضاء تبحث عن نفسها، وعن…المنتخبين.