كلمة الأستاذ اسماعيل العلوي رئيس لجنة الاستراتيجية والاستثمارات ومنسق الهيئة العلمية

السيد رئيس الحكومة ورئيس مجلسنا الإداري،
السادة الوزراء، السادة المدراء،
السيدات والسادة الأفاضل أعضاء هذا المجلس،

إن الغاية من اجتماع مجلس إدارة وكالتنا (الوكالة الوطنية لمحاربة الأمية)، هي تقييم عملها والنظر بموضوعية فيما حققته من أعمال بهدف تصفية هذه المعضلة المتمثلة في الأمية التي تكلف أمتنا المغربية ثمنا باهظا وتعرقل سعي شعبنا نحو التقدم والازدهار.
ولقد قام السيد مدير الوكالة مشكورا برصد ما تحقق وما لم يتحقق من أهدافنا المتعلقة بمحو الأمية، لذا أستسمحكم، سيدي رئيس الحكومة، ورئيس مجلسنا الإداري الموقر هذا، كما أستسمحكم أيها الحضور، إن أثرت انتباهكم إلى بعض العراقيل المؤسسية والمكرسة لضعف الحكامة، هذا بعد أن أحيي وأسجل باعتزاز ما أتى به عرض السيد مدير الوكالة من إيجابيات كتطوير هيكلة وبنايات تدبر الوكالة بحثا عن النجاعة والترشيد والعقلنة تحقيقا لمبدأ الحكامة الجيدة بتقوية قدرات الجمعيات الشريكة، وكلها تدابير ومسائل تذكي تفاوتنا وتقوي حماسنا.

1 – العراقيل المؤسسية: يمكن تصنيفها إلى صنفين: صنف أول متصل بعمل ونشاط مجلسنا هذا، وصنف آخر متصل بالإشكال العام الذي نحن بصدده، وهو إشكال ج ما يناهز أو يفوق 10 ملايين مواطن ومواطنة، وجعلهم جميعا يلتحقون بميدان المعرفة والتعليم المجدي والارتقاء بمعارفهم الفردية إلى أسمى ما يرغبون فيه.
فيما يخص سير مجلسنا، أول ما يلفت النظر، هو عدم احترامنا لما ينص عليه القانون المؤسس له وللوكالة، ويتجلى ذلك في عدم اجتماع المجلس مرتين في السنة بانتظام وهذا ما لم يحدث مع كل أسف.
إن الوكالة التي صدر القانون المنشئ لها سنة 2007، لم تنطلق في عملها إلا في سنة 2013، ومنذ ذلك التاريخ، لم يلتئم المجلس الإداري إلا مرتين فقط، وهذا لعمري أمر مؤسف، إذ الهدف الذي أراده القانون المؤسس للوكالة بالتنصيص على اجتماعين في السنة، هو أن تتمكن كل الفعاليات المكونة لهذه الهيئة من إقرار، مطلع كل سنة برنامج العمل الذي حصل حوله التوافق، قبل أن تنظر في الجمع الثاني عند نهاية كل سنة في مدى تحقيق النتائج المتوخاة.

لكن هذه الظاهرة لا تمثل” مربط خيلي” لوحدها، فأود أن أثير كذلك النظر إلى أن هذا الخلل الذي أشرت إليه والمتمثل في عدم جمع المجلس في دورتين كل سنة أدى إلى ألا تتحقق على الوجه الأكمل القرارات المتخذة.
وهذا يؤدي بنا أيها الحضور الكريم، إلى ملاحظة أخطر مما ورد في كلامي إلى حد الآن، وهذه الملاحظة هي أن عمل وطننا في محاربة ظاهرة الأمية يشبه ما كان يقوم به ذلكم البطل الإغريقي الأسطوري “سيزيف “الذي قدر عليه أن يجهد نفسه لإيصال جلمود صخر إلى قمة جبل، لكنه كلما اقترب من الهدف فشل ويعود الجلمود إلى أسفل السفح.
أجل، أيها الكرام، إن بلدنا شرع في محاربة الأمية مطلع الاستقلال (في نهاية العقد الخامس من القرن الماضي)، لكن الجهود آلت إلى عدم إصابة الهدف، ثم استمر العمل في الاتجاه نفسه وعدد السكان يرتفع سنة بعد سنة، مما يجعل عدد الأميين (رجالا ونساء) يتزايد باستمرار.
فقد كان عدد الأميات والأميين البالغين 10 سنوات فما فوق يقدر ب 6.090.000 نسمة سنة 1960 من أصل 11.626.000 مواطن ومواطنة (إحصاء 1960). واليوم، بعد حوالي 60 سنة من الجهد والعناء، وعددنا بحسب التعداد الأخير للسكان (2014) يصل إلى 34 مليون نسمة، فعدد الأميات والأميين يتراوح بين 8 ملايين و11 مليون، وهذا يعني، من بين ما يعنيه، أن الكلفة التي على مجتمعنا أن يؤديها تفوق ما كان مطلوبا تأديته في العقود السابقة، وفي مطلع عهد الاستقلال بالأحرى.
ولو وقفنا عند تطور معدلات الأمية في مقارنتها بالجوانب والقرارات المؤسسية التي تعكس الإرادة السياسية لتطويق هذه الظاهرة، لتبين لنا بكل وضوح أنها تتراجع كلما كانت هناك عناية وحصل انكباب حقيقي وجدي على الظاهرة.
يتجلى ذلك بشكل جلي فيما بين سنوات 2002 و2008. وهنا لا بأس من التذكير بتطور المعدلات التي تراجعت من 40 في المائة الى 30 في المائة تقريبا، ومنذ ذلك التاريخ، عرف هذا الملف مدا وجزرا، انعكس سلبا على معدلات الأمية التي ارتفعت بثلاث نقط خلال السنوات الأخيرة إلى 33 من مجموع السكان، كما تؤكد ذلك أرقام المفوضية العليا للتخطيط بعد إحصاء 2014. وسنكون مخطئين إذا اعتبرنا أن معركة محاربة الأمية، تهم أولا وقبل غيرها المناطق النائية حسب ما يظهر من خلال الخرائط التي وضعتها المندوبية السامية للتخطيط، بل بالعكس، هو الأهم، إذ أن المستوى الكمي نجد أغلبية أعداد الأميين مرتكزة بالمناطق كجهة ” الدار البيضاء والرباط ومراكش وفاس يساوي 5 مليون/8.7 مليون”.
2- إذن نحن أمام ورش هائل ومعقد، لقد سبق لمجلسنا الإداري هذا، أن قرر العمل من أجل الوصول إلى نسبة لا تتجاوز 5 في المائة من المواطنين الذين سيبقون أميين سنة 2024، لكن التصريح الحكومي الأخير عدل ذلك وأصبحنا نسعى إلى الوصول إلى 10 في المائة من المواطنين الذي سيعانون من الأمية سنة 2026 (التذكير بالبرنامج الذي نشرته وزارة التربية سنة2011 والذي حدد سنة 2015 كسنة تصفية ظاهرة الأمية من البلاد).
لا شك أن الأسباب التي أدت إلى مراجعة الأرقام أسباب موضوعية متصلة بالوضع السياسي العام وما فرضه وضع الوكالة على أسس متينة بتعيين مدير عليها وبالخوض في تكون هياكلها، ولنا عودة لهذا الموضوع بالذات لأن له علاقة بالقدرات البشرية والمادية التي تحتاجها الوكالة لضمان حسن سير أعمالها والقيام بوظيفتها على الوجه الأكمل.
3- إذن ما العمل لربح الرهان الذي وضعه البرنامج الحكومي الذي تفضل بعرضه السيد رئيس الحكومة أمام البرلمان؟
يبدو لنا في الهيئة العلمية، أن ربح رهان ألفبة المواطنات والمواطنين الذين ما زالوا يعانون من عدم تمكنهم من القراءة والكتابة ومازالوا محرومين من إمكانية صقل كل مواهبهم ودخول عالم العلوم والمعرفة، مساهمين بذلك في ارتقاء مجتمعنا برمته، وتجنبه كل الويلات الناجمة عن الجهل، قلت ربح الرهان يقتضي الخوض في تحقيق مجموعة من المكتسبات وإنجاز كمية كبيرة من الأعمال منها ما يجب أن يأتي من قبل الحكومة والدولة بجميع مرافقها الإدارية والمنتخبة، ومنها ما يجب الوصول إليه من خلال تحسين حكامة العمل التنظيمي الصرف على مستوى الإدارة المركزية للوكالة وعلى مستوى تمثيلياتها الجهوية والإقليمية من دون إغفال ما هو منتظر من الجمعيات والهيئات المندرجة في عمليات الألفبة.
على مستوى الدولة: بدءا من الحكومة والبرلمان ووصولا إلى الجماعات الترابية وهيئاتها الإدارية ( الإدارة الترابية) والمنتخبة، نعتبر أن الشعور بأهمية بل وبحيوية موضوع القضاء على الأمية من أولويات الأولويات، فبدون هذا الشعور وهذا الوعي لا يمكن أن يتحقق أي شيء، علما أننا نملك خريطة توضح معدلات انتشار الأمية حسب الجهات.
بالنسبة لمختلف القطاعات الحكومية وانطلاقا من بعض الآراء القائلة أن 20 في المائة من موظفي الدولة والجماعات يعتبرون أميين، فيجب عليها أن تجعل حدا لهذه الحالة غير المشرفة، مما يقتضي من السيد رئيس الحكومة أن يعطي تعليماته من أجل الإقدام على وضع إحصاء دقيق لظاهرة وجود الأمية بين صفوف الموظفين، ثم إيجاد السبل لتحفيز المعنيين بالأمر حتى لا يحصل مجددا ما لوحظ بوزارة الداخلية، حيث هناك العديد من الموظفين الأميين الذين لم يروا فائدة في تعلم الكتابة والقراءة. وهذا يعني إنشاء خط مالي خاص بالعملية في ميزانية تسيير كل المرافق الحكومية التي يعنيها الأمر، ويمكن الإضافة إلى ذلك ضرورة إدراج عملية ” ألفبة” في كل البرامج والمشاريع التي تقدم على إنجازها القطاعات الحكومية في الفلاحة مثلا والنقل والتجهيز والصيد البحري والصناعة التقليدية( ولهذين القطاعين تجربة في الموضوع لا يستهان بها). إن هذه الإجراءات التي يمكن تدقيقها أكثر لن تكلف رئاسة الحكومة سوى الحرص على أن تطبق مختلف الوزارات ما يقرره رئيس الحكومة ،ويمكن لمجلس إدارة الوكالة أن يقوم بذلك تحت رعاية السيد رئيس الحكومة، وقبل أن ننهي الكلام عن مسؤولية الدولة بجميع مكوناتها، لا مناص من ذكر الجانب المالي في هذا الباب، يجب الإشارة إلى مفارقة كبيرة.
الجانب المالي، ففي الوقت الذي نخصص فيه ما يقرب من 65 مليار درهم في ميزانية 2017 مثلا لصالح التعليم والتكوين الذي يضم ما يربو على 8 ملايين تلميذ وطالب، فماذا نخصص لألفبة 10 ملايين من المواطنين والمواطنات الأميين؟ النزر القليل.
وفي مقابل 350.000 موظف يعملون في قطاع التعليم بجميع مرافقه ومستوياته، كم هو عدد الفاعلين في ميدان محاربة الأمية؟ ونحن نعلم أن عدد العاملين في الوكالة لا يتجاوز المائةّ! أما النشطاء الأكفاء الذين يؤطرون عمليات الألفبة فعددهم يتقلص بشكل مذهل سنة بعد أخرى، وذلك بسبب وضعهم غير المستقر من جهة، وبسبب ما عرض على بعضهم هذه السنة من مناصب من قبل وزارة التربية الوطنية في إطار عملية التشغيل بالتعاقد، من جهة أخرى.
إن هذا الواقع يزيد من ثقل مسؤولية الوكالة الوطنية لمحاربة الأمية وتحتم على الدولة أن تخصص ما يجب تخصيصه من أجل تكوين أطر كفأة قادرة على الخوض في ورش محاربة الأمية وفي ميدان التعلم مدى الحياة بمهنية وفعالية.
إن ربح رهان الألفبة كل من هو في حاجة إلى ذلك يقتضي تخصيص ما بين مليار إلى ملياري درهم في كل سنة إلى غاية سنة 2027 على الأقل.
وبالمناسبة فبيد أن منظمة UNESCOتوصي بتخصيص منحة لا تقل على 100 US $للفرد، فإننا نخصص في بلادنا ما يعادل 35 دولارا فقط لكل فرد نسعى إلى تعليمه الكتابة والقراءة.
لا رب قائل سيقول: لا نملك المال الضروري لربح رهان ما نطمح اليه.
إن لهذه الملاحظة نصيبها من الصحة، لأول وهلة، لكنها لا تصمد أمام الحق الدستوري لكل مواطن ومواطنة في التربية، من جهة أولى، وأمام الخسائر التي يتكبدها الاقتصاد الوطني والمجتمع بفاعل الأمية من جهة ثانية، ونشير هنا إلى الدراسات العلمية الدقيقة التي أنجزت في السنوات الأخيرة بطلب من مديرية محاربة الأمية سابقا، كما أننا نعتبر أن ترشيد قدرتنا الذاتية كمجتمع بأجهزته التابعة لآلة الدولة وبمقاولاته العمومية وشبه العمومية والخصوصية لكفيل بإيجاد ما يلبي حاجات عمليات محاربة الأمية، ثم علينا أن لا ننسى أن هناك من الدول الشقيقة والصديقة والهيئات العالمية ما بإمكانه تقديم المساعدة. ويكفي هنا التذكير بأن نصف ميزانية عمل الوكالة الوطنية لمحاربة الأمية يأتي حاليا من الاتحاد الأوربي.
ولتجاوز مثل هذه الحالة، حالة” مد اليد” ولو جزئيا، على الدولة مثلا الإعلان، جهارا، أن على جميع الجماعات الترابية، من أصغرها إلى أكبرها، وضع محو الأمية مكونا أساسيا في مخططاتها التنموية، مع دعم قدرات المتدخلين الجهويين لتمكينهم من وضع الخطط الرامية إلى محو الأمية. وهذا يقتضي تخصيص ميزانية لذلك.
هذا ما يمكن قوله، ولو بإيجاز، عن الدور المنتظر من الدولة في ميدان القضاء على الأمية.
أما على مستوى الوكالة الوطنية لمحاربة الأمية، فإذا كان من الضروري أن نسجل بارتياح كبير بداية إرساء قواعد هذه الوكالة مما يعيد الأمل إلى القلوب ويجعلنا نتفاءل بالتخلص من خيبة الأمل التي أصابت، طيلة عقود من الزمن، كل المتتبعين لشأن محاربة الجهل والأمية في بلادنا، نرى من الواجب إثارة الانتباه، والوكالة في بداية عملها، إلى حجم ما عليها القيام به على مستوى ضبط حكامتها الذاتية وتدقيق مفهومي العرض والطلب، أي عرض ما يمكن تقديمه للمواطنين المعنيين مع الانطلاق من طلبهم هم أولا،(تعلماتهم تهم 1 المضمون 2 لغة ،التعلم،3 الآفاق المفتوحة). وهذا يتطلب انفتاح ذهني كبير والتخلص من كل نزعة بيروقراطية أو هيمنة والاعتماد على العمل عن قرب مع مختلف الفئات الراغبة في الحصول على أسس المعرفة. وهذا يقتضي بدوره الحرص على تجويد ما يقدم للمواطنين في هذا الباب، في ميدان الاندراغوجيا وأساليب التلقين والتكوين المستمر للمكونين/ الأطر.
إشكال الجودة يبدأ بنوعية التكوين المقدم لمن سيصبح مكونا ومؤطرا لعمليات الألفبة علما بأن مهمة هؤلاء لن تقتصر على عملية الألفبة وحدها، بل يجب منذ البدء التهيؤ إلى ما بعد الألفبة أي التعلم مدى الحياة، تلك العملية التي ستصبح هي الأكثر أهمية بعد أن نكون قد ربحنا الرهان الذي حددته الحكومة في سنة 2026.
إن التصور المطلوب من الوكالة في هذا المضمار هو تصور ديناميكي مبني على التطور المستمر باتصال مع المعنيين بالأمر من المواطنين الذين يخضعون لعملية الألفبة ولكن كذلك مع المؤطرين والمكونين.
في هذا الإطار نعتبر في الهيئة العلمية التابعة للجنة الاستراتيجية والاستثمار، المنبثقة عن مجلسنا هذا، أن على الوكالة أن تنشئ فروعا لها في كل إقليم وعمالة وأن تكون هذه الفروع عبارة على أوراش يلتقي فيها
المؤطرون والمشرفون والمكونون، المواطنين والمواطنات الذين يعنيهم أمر التخلص من الأمية قبل غيرهم وبضمان كل مسببات النجاح لعمل الوكالة، ننادي إلى وضع منظام Organigramme وقانون أساسي يصون مصالح العاملين بها ولا سيما منهم المكلفين ببرامج الألفبة التابعين للتربية الوطنية، وذلك لحثهم على التفاني أكثر في عملهم واستثمار كل كفاءاتهم، كما سيمكن وجود هذا النظام الأساسي الوكالة من القيام بوظيفتها كمؤسسة عمومية بشكل غير مبثور وباستقلالية كاملة.
هكذا ستكون الوكالة “الجهاز المسير” و”المقواد” الحقيقي لعملية الألفبة والتعلم مدى الحياة.
وعلى الوكالة، إضافة إلى عملها الخاص بها، أن تكون بمثابة المحفز لكل الفاعلين في الميدان، (الإدارات والمقاولات)، وأن تنسق العمليات الضرورية في هذا الميدان، وذلك بإرساء نظام “الإشهاد الوطني” المعترف به من قبل الجميع، وتيسير إقامة الجسور من أجل إثمار كل الطاقات الكمينة بتطوير القدرات البشرية والقدرات المادية الإنتاجية الوطنية.
كما عليها أن تكون المحرك للعملية الإعلامية الهادفة إلى تحسيس كل القطاعات والمرافق والمجالات الوطنية التي لها دور في الدفع بعملية محاربة الامية، كالقطاع الإعلامي والتنظيمات الحزبية والنقابية وغيرها حتى يتحول الوطن برمته إلى ورش كبير يرمي إلى اندراج شعبنا في عالم العلم والمعرفة.
السيد الرئيس، السيدات والسادة الحضور،
ونحن نسعى إلى إيجاد أنجع السبل لتصفية الأمية في بلادنا، نعتبر في الهينة العملية أن الاستجابة إلى الرغبات المحتملة للمتتبعين لدروس الألفبة والتي تختلف باختلاف الجنس والسن والوظيفة الاجتماعية المنوطة بكل فرد من المعنيين بالأمر وتصوراتهم لمستقبلهم، تقتضي تعميم تجربة خاضت فيها بلادنا في بعض جهاتها بإيعاز من اليونيسكو الذي استقاها من إحدى بلدان آسيا الجنوبية الشرقية، وهي تجربة مراكز التعلم المجتمعي (Centres d’apprentissage communautaires).
وإن تفضلتم، أسوق لكم، السيد رئيس الحكومة المحترم، السيدات السادة الأفاضل، مدلول هذه المراكز، التي نلتمس منكم تبني مبدأ تعميمها عبر التراب الوطني. إن هذه المراكز تحتوي على مرافق مختلفة حيث لا تقتصر على حجرات للدراسة فقط، بل تضم كذلك أوراش ومشاغل تلبي تطلعات المترددين على هذه المراكز من ربات بيوت وفتيات راغبات في تعلم حرفة وفتيان يطمحون في اكتساب مهارات معينة وبالتالي مرضية للغاية.
يمكن أن تتواجد في هذا “المركز- المركب” أكثر من جمعية، كما من المحتمل أن يضم عدة وحدات متفرقة في المجال ، وهذا يعني أن تسيير هذا النوع من المركبات يستوجب مسيرين أكفاء يدركون مدلول ومغزى العمل الجماعي وهذا ما لاحظناه من تنقلاتنا شمال المغرب وجنوبه والنتائج.
إن أمثال هذا النوع من “المراكز- المركبات” لمن شأنها أن تساعد على التخفيف من إشكالية أمية الفئة المتراوحة أعمارهم ما بين 15 و24 سنة والذين يقدر عددهم بحوالي 1.7 مليون نسمة. إن العديد من هؤلاء الشباب الذين سبقت الإشارة إليهم أعلاه، يجدون أنفسهم محاصرين بين ما يترتب عن عدم متابعة تعليمهم الأكاديمي من جهة، وعدم قدرتهم على الاندراج في ميدان الشغل الذي يتطلب مهارات معينة لا تتوفر لهم من جهة ثانية.
لذا اختيار تعميم نظام “المراكز- المركبات” ليمكن من تقديم تصور متجدد لعملية الألفبة، إذ يضمن إعادة إدراج هذه الفئات من الشباب في النظام التعليمي- التعلمي، ويفتح آفاق تشغيلهم على نهج البرنامج الساري تفعيله بدعم من الاتحاد الأوروبي والذي يبقى غير كاف في حجمه الحالي، مقارنة بالرهانات الاجتماعية والسياسية الخطيرة التي يمثلها كابوس أعداد الشباب غير المكون تكوينا والذي لا يجد عملا يرضي طموحاته المشروعة.
السيد رئيس الحكومة، السيدات والسادة أعضاء المجلس الموقر،
يوم 13 أكتوبر، ستلتئم المناظرة الوطنية الكبرى للألفبة وأمل أخواتكم وإخوانكم في الهيئة العلمية هو أن لا تقتصر هذه المناظرة التي نتمنى أن تحظى بالرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك أيده الله وسدد خطاه، على تقديم توصيات (من الممكن أن) تبقى حبيسة الرفوف والأوراق، بل أن تسفر عن إصدار خطة مكتملة مع جدول زمني واضح لما يجب إنجازه بضبط دقيق لمدته.
لذا وبدون التطفل على صلاحيات أي طرف، نقترح على سديد رأيكم، السيد الرئيس والسيدات والسادة الأفاضل، أن تجتهد المناظرة من أجل وضع برنامج يشمل السنوات التسع التي تفصلنا عن 2026 وأن يوزع هذا البرنامج على مراحل ثلاث، مدة كل واحدة منها ثلاث سنوات وتكون أهداف كل مرحلة واضحة الأهداف وملزمة وتتوفر لها التمويلات الضرورية وتنتهي كل واحدة من هذه المراحل بمناظرة تقييمية.
ويفترض الوصول إلى هذه الأهداف تعبئة الدولة، حكومة وبرلمانا وجماعات ترابية، إدارية كانت أو منتخبة، وكذلك تدخل كل مكونات المجتمع المدني بجمعياته أولا وبأحزابه ونقاباته ووسائل الإعلام والتواصل العمومية والخصوصية، ثانيا دون إغفال القطاع الخصوصي بمؤسساته ومقاولاته.
نتمنى إذن النجاح لجمعنا هذا وفي نفس الوقت لهذه المناظرة التي نريد أن تجعل حدا لعملية ” سيزيف” ولعنتها سالفة الذكر.
معذرة إن أطلت على مسامعكم.. فشكرا على سعة صدركم والسلام عليكم ورحمة الله.

Related posts

Top