إكراهات حالة الحجر الصحي، وظروف حالة الطوارئ الصحية، والحاجة الملحة على مدار الساعة للتوعية الطبية والتحسيس بمخاطر تفشي الوباء وضرورة التقيد بالشروط الصحية والوقائية، كل ذلك لا يجب أن ينسينا اليوم أهمية تطوير النقاش السياسي العمومي، وذلك ارتباطا بما تحياه بلادنا في الظرفية الصعبة هذه، وأيضا بشأن المرحلة القادمة التي ستعقب الانتصار على: “كوفيد – 19”.
إن الظرفية الراهنة نفسها تستوجب حضور السياسة في المواكبة والتقييم، وفي التنبيه إلى ما قد يحدث من أخطاء أو تجليات قصور، وأيضا في التأطير العمومي وتمتين التعبئة الوطنية الشعبية.
ولهذا، من غير الطبيعي ألا يحضر مثلا الصوت السياسي في برامج التلفزيون العمومي وفي نشرات الأخبار، ومن غير الطبيعي أيضًا ألا يحدث الاهتمام بالتأطير السياسي والقانوني والتشريعي للمرحلة الحالية، وما يتصل بذلك من آراء ومناقشات هي في عمقها سياسية وحقوقية، وذلك على غرار ما يتابعه المغاربة هذه الأيام في القنوات الأوروبية والأمريكية وسواها.
إننا ندرك بالفعل أن القوى السياسية ليست كلها حاضرة اليوم في ساحة الأفكار وإنتاج المواقف والاقتراحات، ولكن مع ذلك هناك أحزاب حاضرة بالفعل، من خلال مواقفها ومبادرات مناضلاتها ومناضليها، وتواصلها المنتظم وعمل برلمانييها ومنتخبيها، وهذا يجب عكسه في إعلامنا العمومي، لكون بلادنا ليست عاقرا، وهي تشهد حياة سياسية ومؤسساتية تعتبر بالذات من نقاط تميز منظومة تدبيرها لهذه الأزمة.
ومن جهة ثانية، فقد بدأ الحديث يتسرب من حوالي لجنة اليقظة، على أن التفكير انطلق بشأن سيناريوهات ما بعد “كورونا” وسبل إنعاش الاقتصاد الوطني واستعادة الحياة الطبيعية في البلاد، وكل هذا لا يعتبر مجرد شكليات أو قضايا ثانوية، وإنما هو عمق الممارسة السياسية.
وتبعا لهذا، لن يكون طبيعيا التفكير في مخططات ما بعد الأزمة، وبرامج النهوض والتأهيل، من دون استحضار الشروط المؤسساتية والسياسية والديمقراطية الضرورية لذلك.
هذه المهمات تقتضي التفكير في البرلمان والحكومة، وفي الأحزاب، أي في القوى الموكول لها وضع السياسات العمومية والبرامج التنموية والتشريعات والقوانين، وأيضا تنفيذها على أرض الواقع، وكذلك النزول عند الشعب لتعبئته حولها وإقناعه.
هنا لن يكون علينا حينها استيراد أحزاب ومنتخبين ونقابات وصحافة من بلد آخر أو كوكب آخر للقيام بكل هذا، ومن ثم، من الآن يجب إشراك الفاعلين السياسيين في التفكير والتشاور والاقتراح والتفاعل مع كل ما يجري التخطيط له.
المصالح الصحية والأطباء لديهم دورهم، وهم منخرطون في القيام به ببطولة ووطنية وتفان، والشيء ذاته بالنسبة للسلطات الإدارية المحلية والمركزية ومختلف القوات العمومية وهيئة التعليم، ولكن بلادنا تمتلك تاريخا سياسيا وديمقراطيا، ولها مؤسسات، ويجب أن تشرك أحزابها الجادة وذات المصداقية من الآن، ولا نريد لبلادنا أن تخرج من الأزمة وهي مغيبة لشروط ديناميتها السياسية والديمقراطية، أو أن تكرس العقلية العتيقة التي أصابها هذا الوباء برجة مهولة، وهي الانتصار لتفكير تيقنوقراطي مفتقر لبعد النظر وللارتباط بالواقع والناس.
إن الانتصار على “كورونا” يكون أيضًا بالإصرار على اختياراتنا الديمقراطية والمؤسساتية، وعلى أن تسير البلاد نحو تطوير مستمر لمنجزها الديمقراطي.
لا شك أن هذه الأفكار وسواها عرضت أول أمس في اجتماع رئيس الحكومة مع قادة الأحزاب الممثلة في البرلمان، وبعض القوى عبرت عن نفس الانشغالات في الأيام الأخيرة من خلال بلاغات وتصريحات صدرت عنها، ولهذا يجب استحضار الأمر في كامل الدينامية التعبوية الحالية، وفي التطلعات التنموية والتأهيلية للمرحلة القادمة بعد الأزمة، والحرص على الإشراك، وعلى إكساب تعبئتنا المجتمعية الحالية مضمونا سياسيا جديا.
محتات الرقاص