أعلن لبنان الاثنين الماضي حالة طوارئ صحية بعد تسجيل معدلات إصابات قياسية بفيروس كورونا المستجد خلال الأسبوع الأخير، متخذا تدابير أكثر صرامة في ما يتعلق بالإغلاق العام على رأسها منع تجول لنحو أسبوعين وتقليص حركة المسافرين عبر مطار بيروت.
وأفاد مسؤولون وأطباء في الأيام الأخيرة عن مستشفيات رئيسية تخطت طاقتها الاستيعابية. واضطر مصابون خلال الأيام القليلة الماضية للانتظار لساعات طويلة في أقسام الطوارئ قبل تأمين أسرة لهم. وعمدت مستشفيات إلى معالجة مصابين وافدين إليها داخل سياراتهم نتيجة اكتظاظ غرف الطوارئ والأقسام المخصصة للكورونا.
وأعلن المجلس الأعلى للدفاع إثر اجتماع استثنائي عقده برئاسة رئيس الجمهورية ميشال عون في القصر الرئاسي وبحضور عدد من الوزراء والمسؤولين المعنيين، حالة “طوارئ صحية”. واتخذ سلسلة تدابير مشددة على رأسها فرض حظر تجول بدءا من صباح الخميس حتى 25 من الشهر الجاري، مع استثناءات تطال العاملين في القطاع الصحي ومرافق ومنشآت حيوية والعسكريين والصحافيين، على أن تغلق الشركات الخاصة وفروع المصارف والمؤسسات والمدارس أبوابها.
وأقر المجلس تقليص حركة المسافرين في المطار، وفرض قيودا على الوافدين من القاهرة وبغداد واسطنبول وأضنة وأديس أبابا، لناحية الإقامة في فندق لمدة سبعة أيام وإجراء اختباري “بي سي آر”. كما منع دخول الوافدين عبر المعابر الحدودية البرية والبحرية، باستثناء العابرين ترانزيت.
وطلب المجلس من الوزراء المعنيين تشديد الاجراءات لـ”إلزام المستشفيات الخاصة استحداث أسرة عناية فائقة مخصصة لمعالجة مرضى كورونا تحت طائلة الملاحقة القانونية والادارية والقضائية”.
وتناقل مواطنون على وسائل التواصل الاجتماعي خلال الأيام الأخيرة تجارب صعبة، كانتظار المريض لساعات في سيارة اسعاف أو أمام المستشفى على أمل الحصول على سرير، ورفض مستشفيات أخرى استقبال كبار السن وطلب عدد منها مبالغ مالية ضخمة.
وازدادت حالات العدوى خلال الأيام السبعة الأخيرة بنسبة سبعين في المئة عما كانت عليه في الأسبوع السابق، وفقا لبيانات وكالة فرانس برس، ما جعل لبنان واحدا من البلدان التي تشهد حاليا واحدة من أكبر الزيادات في العالم من حيث العدوى.
وغرد الطبيب فراس أبيض، مدير مستشفى رفيق الحريري الجامعي، المرفق الحكومي الذي يقود جهود التصدي للوباء الاثنين “جرى تسجيل أكثر من 30 ألف إصابة، بينها 98 حالة تطلبت العناية الفائقة، في الفترة الممتدة بين الثالث والعاشر من الشهر الحالي”.
وقال رئيس الجمهورية ميشال عون في مستهل الاجتماع إن “المأساة التي نراها على أبواب المستشفيات تتطلب إجراءات جذرية حتى نتمكن من تخفيف التبعات الكارثية لتفشي وباء كورونا”.
ودعا رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان إلى التشدد في تطبيق الإجراءات “لأن عدم تطبيقها يعني حصول انهيار صحي شامل” معتبرا “أننا أمام واقع صح ي مخيف ووباء كورونا أ فلت من السيطرة على ضبطه”.
وقبل ساعات من اجتماع المجلس ومع تداول معلومات عن التوجه لفرض حظر تجول، تهافت اللبنانيون بشكل غير مسبوق على محال بيع المواد الغذائية، التي شهد بعضها ازدحاما هائلا وإشكالات بين زبائن تسابقوا للحصول على عربة لوضع مشترياتهم أو على مواد غذائية اختفى بعضها من الرفوف والبرادات. كما شهدت الصيدليات اقبالا مماثلا في ظل انقطاع عدد كبير من الأدوية كالمسك نات وأدوية خفض الحرارة.
وازداد معدل الإصابات بشكل قياسي بعدما سمحت الحكومة قبل عيدي الميلاد ورأس السنة للملاهي والحانات بفتح أبوابها، رغم ارتفاع الاصابات، في محاولة لإنعاش الاقتصاد المتداعي، رغم تحذير القطاع الصحي المستنزف من قرب استنفاد المستشفيات قدراتها الاستيعابية.
وبسبب ازدياد الاصابات، أقرت السلطات في السابع من الشهر الحالي إقفالا عاما، تضمن استثناءات عديدة، وترافق مع حظر تجول ليلي، بدأ سريانه في السابع من الشهر الحالي. إلا أن الاجراءات لم تحل دون استمرار ارتفاع الإصابات، التي بلغت أقصاها الجمعة مع رصد 5440 إصابة، في وقت بلغ عدد المصابين الإجمالي وفق آخر حصيلة الاثنين أكثر من 222 ألفا بينها 1629 وفاة.
ورغم عمل وزارة الصحة خلال الأسابيع الأخيرة على زيادة عدد الأسرة الخاصة بالمصابين، إلا أن ذلك لم يكن كافيا . وأعلن وزير الصحة حمد حسن خلال مقابلة تلفزيونية أن أحد أهداف المرحلة المقبلة هو “تحويل كامل أقسام العناية في المستشفيات الحكومية إلى أقسام خاصة لعلاج مرضى كورونا”، على أن تزيد المستشفيات الخاصة من سعتها.
وتناشد وزارة الصحة المستشفيات الخاصة التي تشكل أكثر من ثمانين في المئة من قطاع الاستشفاء في لبنان، المشاركة بشكل أكبر في تحم ل أعباء التصدي للفيروس، فيما تنتظر تلك المستشفيات دفع مستحقات مالية متأخرة لها منذ سنوات. ويرفض بعض تلك المستشفيات استقبال مصابين بفيروس كورونا أو زيادة عدد الأسرة المخصصة لهم لديها.
ويأمل لبنان الحصول على أول دفعة من اللقاح المضاد لفيروس كورونا من شركة “فايزر-بايونتيك” الشهر المقبل.
ويأتي تزايد تفشي الفيروس في وقت يشهد لبنان أسوأ أزماته الاقتصادية التي ضاعفت معدلات الفقر، ما دفع جهات اقتصادية إلى الاعتراض على قيود الإغلاق.
وأعلن وزير المالية في حكومة تصريف الأعمال غازي وزني الاثنين إنه أعطى توجيهاته لدفع “75 مليار ليرة كسلفة خزينة للهيئة العليا للإغاثة” لمساعدة الأسر “التي ترزح تحت أوضاع معيشية حادة” نتيجة إجراءات الإغلاق.
ونجح أول إغلاق عام تم فرضه في مارس في كبح انتشار الفيروس، قبل أن ترفع القيود تدريجيا مع بداية الصيف. لكن عدد الحالات ارتفع لاحقا خصوصا بعد إعادة فتح المطار ومن ثم في أعقاب انفجار مرفأ بيروت في 4 غشت والذي أودى بأكثر من 200 شخص وجرح 6500 على الأقل.
< أ.ف.ب