تقرير لجنة تقصي الحقائق حول الصندوق المهني للتقاعد، الذي أعده مجلس المستشارين، بقدر ما تضمن أشياء مهمة وتوصيات واقتراحات يمكن استحضارها مستقبلا لصياغة كل إصلاح شمولي لهذه المؤسسة ولمنظومة التقاعد ببلادنا، فهو أيضا أثار عديد مشكلات تتصل بمضامينه ومخرجاته، وكذلك بمنهجيته وخلفيته…
أولا، هناك كثيرون توقفوا عند انعقاد جلسة الغرفة الثانية لعرض التقرير، وغياب أعضاء الغرفة الأولى، وآخرون لفتوا إلى مدى أهمية انعقاد الجلسة في غياب الحكومة أو من دون التنسيق معها، وفِي كامل هذا السجال كان حاضرا البعد السياسوي في المبادرة، وتساءل الجميع عن المعنى في كل هذا وعن مآلات خطوة “حكماء” البرلمان.
ثانيا، فور عرض التقرير، أو ملخصه، سارع أعضاء وفرق لانتقاد منهجية العمل، ولسرد عيوب شابت إعداد التقرير من قبيل إغفال تحفظات البعض، أو عدم إشراك البعض الآخر في الصياغة النهائية، أو تقديم التقرير إلى الجلسة العامة من دون أن يكون قد صودق عليه نهائيا من قبل كل مكونات لجنة التقصي…
ثالثا، الكثيرون توقفوا عند توصية مركزية وردت في التقرير، وتتعلق بالمطالبة بـ “تجميد الإصلاح المقياسي”، معتبرين أنه رغم كون هذا الإصلاح المقياسي غير كاف، في حد ذاته، لضمان ديمومة الصندوق، ولكن السؤال يبقى هو هل الحكومة المقبلة مثلا تمتلك الحق لتجميد قانون سلك كل المساطر القانونية وتمت المصادقة عليه من طرف غرفتي البرلمان معا؟
هذا السؤال تتفرع عنه استفهامات أخرى لا تقل أهمية، وذلك على غرار المعنى من مطالبة مجلس المستشارين بتجميد قانون هو نفسه صادق عليه فقط قبل شهور، ثم اعتمادا على أي مسطرة سيتم سلكها لإقرار هذا التجميد الموصى به، ولو تحقق التجميد بغاية انتظار إصلاح شمولي، فأي بديل سيتم العمل به قبل بلورة ذلك، وما العمل إذا عرفنا أن القانون المراد اليوم تجميده قد شرع أصلا في تنفيذه…
هذه الأسئلة تحيلنا على مدى تمثل لجنة تقصي الحقائق لدورها ولصلاحيات الغرفة الثانية، والبرلمان عامة، باعتباره سلطة تشريع مهمتها صناعة القانون أو تعديله ونسخه، وفق مساطر واضحة ودقيقة ومعروفة، وليس تجميد القوانين.
تقارير وعمل لجان تقصي الحقائق هي مختلفة تماما عن البيانات والتقارير المطلبية والترافعية والخطابات السياسية، وإنما هي يجب أن تعتمد التحري والدقة أكثر، بدل اللجوء إلى التعبير العامر والتذكير بالمواقف.
وترتيبا على ما سلف، فإن وضعية الصندوق المغربي للتقاعد والحال الذي بلغته منظومة التقاعد ببلادنا لا يمكن اعتبارهما نتاج السنوات الأخيرة، وإنما يعتبر ذلك حصيلة أخطاء وبرامج وسياسات ومخططات مورست طيلة عقود، وهذا ما لم يتوفق تقرير مجلس المستشارين في توضيحه بشكل أكبر، وخصوصا ما يهم تحديد المسؤوليات الإدارية والسياسية، وبما في ذلك في خروقات تكتسي صبغة جنائية، وتستدعي خطورتها تحقيقا قضائيا.
من المؤكد، لقد تضمن التقرير توصيات إيجابية لا يمكن الاختلاف بشأنها أو معارضتها، خصوصا تلك التي هي في مصلحة المأجورين والموظفين والمتقاعدين، ومن ثم يبقى مطلوبا سعي الجميع لإصلاح شمولي شجاع لأنظمة التقاعد في بلادنا، وذلك من دون حسابات سياسوية عقيمة، أو اختيارات شعبوية بلا أي أفق واقعي.
محتات الرقاص