للتذكير وللفهم

يصر المتحكمون في مسيرات (20 فبراير) والداعمون لهذا الحراك الشوارعي (بمعنى المتجمد في الشارع)، على القول بنجاح الاحتجاجات التي ينظمونها كل نهاية أسبوع، وعلى كونها تستقطب مشاركة جماهيرية مكثفة، والحال أن الجميع اليوم يشاهد التراجع المتوالي للحراك، وانجراره أكثر فأكثر نحو العزلة. مؤسف فعلا أن يكون هذا مآل حراكنا الشبابي الذي بدا في المنطلق واعدا وطموحا ومحفزا على النضال وعلى إذكاء جذوة الضغط، ولهذا ندعو بالخصوص قوى (اليسار الراديكالي) التي تعلن دعمها لمسيرات (20 فبراير) إلى قراءة التجربة وتأملها، والجواب على الأسئلة التي باتت تتجاوز الشارع لتهم المجتمع ومستقبل البلاد.
ما معنى اليوم جعل هذا الحراك يطالب مثلا بإسقاط الدستور الجديد؟ ما معنى اتفاق هؤلاء اليساريين جدا مع  أشد الأصوليين تطرفا حول هذا المطلب بالذات؟
هنا يعود إلى البال مصير الاتحاد الوطني لطلبة المغرب عند محطة مؤتمره السابع عشر، وما نجم عن كامل هذه المرحلة من تراجعات في الجامعة المغربية وعلى صعيد الحركة الطلابية…
تعود إلى البال أيضا المواقف التي عبرت عنها الأوساط نفسها تجاه تجربة التناوب التوافقي، وما تلا ذلك من محطات خصوصا على مستوى العمل المشترك بين قوى اليسار وفي العلاقة مع أحزاب الكتلة الديمقراطية…
المثالان معا يحضران اليوم، ونحن نعاين نفس العقلية وذات المبررات، وإن بتعبيرات مختلفة تلف خطاب المعنيين بأمر (20 فبراير) والمرابطين في الشارع كل أحد، ويستدعيان نقاشا فكريا وسياسيا رصينا…
لقد صوت المغاربة على الدستور الجديد، وبالرغم من جدية القليل من الملاحظات التي عبر عنها، وشكلانية الكثير منها، فإن المنطق يفرض الإقرار بكون النص حمل العديد من المكاسب التي لم تكن في السابق من الدساتير، وهذا يحفز على استثمارها لتطوير النضال الديمقراطي لشعبنا، والسعي لمراكمة المكاسب، لأن هذا هو المعنى الوحيد للنضال الديمقراطي المرتكز على موازين القوى وعلى «التحليل الملموس للواقع الملموس».
إن السياسة لا تمارس بلي الذراع وبالإصرار على التأزيم ظنا من بعضنا أن ذلك سيفضي إلى إسقاط من نشاء وتنصيب من نشاء.
إن الانتخابات التشريعية اليوم على الأبواب، وهي التي ستقود إلى تغيير البرلمان وتغيير الحكومة، بعد أن تم  تغيير الدستور، والمعركة يجب أن تتم هنا والآن، بالمواجهة الميدانية لقوى الفساد، أما ترك كل هذا جانبا والإصرار على الخروج السهل إلى الشارع كل أحد، فهذا لن ينتج إلا تضييعا آخر لفرصة أخرى، تماما كما تم في السابق تضييع الفرصة على الأوطم، ولاحقا على مرحلة التناوب التوافقي، وحينها لن يغفر شعبنا لكل من ضيع عليه فرص تثمين مكاسب نضاله واستثمارها لمزيد من الإصلاح وتحقيق المطالب.

[email protected]

Top