مارين لوبان.. كوموندو العنصرية بفرنسا

لوبان أثناء الحملة الانتخابية للرئاسة الفرنسية

مظاهرة ضد الخطاب العدائي للوبان

 

مهاجرون مسلمون يصلون في الشوارع الفرنسية

 

ازدادت مارين لوبان يوم 5 غشت 1968 بمدينة نويي سوغ سين (Neuilly-sur-Seine) الفرنسة، وهي واحدة من ثلاث بنات زعيم الحزب اليميني المتطرف جون ماري لوبان، مؤسس حزب الجبهة الوطنية ورئيسه السابق، والذي قاده طيلة 40 سنة.
انضمت ماري لوبان عام 1986 إلى حزب أبيها الجبهة الوطنية الفرنسي وعمرها آنذاك 18 سنة. وذلك بعد حصولها على شهادة الباكلوريا، والتحاقها بكلية القانون بجامعة باريس 2 التي تخرجت منها عام 1990. لتلحق بسلك المحاماة سنة 1992.
انتخبت لوبان عضوا في الاتحاد الأوروبي سنة 2004، وأعيد انتخابها في عام 2009، قبل أن تترأس حزب الجبهة الديمقراطية سنة 2011، بعد تنازل والدها عن الحزب، لتصبح رئيسته بشكل رسمي.
رئاسة الحزب مكنتها، من الترشح للرئاسة الفرنسية في عام 2012، حيث حصلت على نحو 14 في المائة من الأصوات في الجولة الأولى، محتلة الرتبة الثالثة خلف الرئيس السابق الاشتراكي فرانسوا هولاند، وغريمه آنذاك اليميني نيكولا ساركوزي.
عنصرية قديمة..

ماري لوبان من بين السياسيات اللائي يتميزن بأوروبا، بنزعة عنصرية وعدوانية تجاه المهاجرين والمسلمين، الذين وجدوا أنفسهم بفرنسا، ذلك، أنها تثير بشكل مستمر، الكثير من الجدل بتصريحاتها المتطرفة تجاه، قضايا المهاجرين والدين.. حيث تنادي دائما، بضرورة الحد من ظاهرة الهجرة، وإرجاع المهاجرين إلى بلدانهم الأصل عوض تركهم في فرنسا التي تتحمل بحسبها، تصرفاتهم الوحشية والعدوانية.
ومع كل حملة انتخابية حول الرئاسة الفرنسية، تلعب لوبان على هذا الوتر محرضة المواطنين الفرنسيين على الكراهية والعنصرية، داعية إياهم إلى التصويت على حزبها، حتى يطهر الأراضي الفرنسية من الهاجرين، ويحد من تدفقهم الجماعي، احتذاء بالنموذج السويسري الذي صوّت ضد الهجرة الجماعية.
وقالت، في هذا الإطار، إن»السويسريون أظهروا الكثير من الحس السليم. أتمنى أن نسير على نهجهم»، مضيفة أنه في حالة «أجري استفتاء في فرنسا حول هذا الموضوع، سيصوت الفرنسيون على نطاق واسع لوقف الهجرة الجماعية».
وخطابات زعيمة اليمين المتطرف، دائما تبنى على العصبية، تجاه الإسلام والمسلمين وتحريضها على الكراهية والعنصرية ومعاداتها للسامية، الأمر الذي دفع عددا كبيرا من النواب الأوروبيين للمطالبة برفع الحصانة البرلمانية عنها.
وهو ما طالب به أيضا، قضاة فرنسيين من البرلمان الأوروبي، أثناء فترة انتخابات الرئاسة الفرنسية الأخيرة، لكن هذه المرة، من أجل التحقيق معها، حول مزاعم استخدامها أموال الاتحاد الأوروبي لدفع أجور مساعدين حزبيين لها، حيث استدعاها القضاء الفرنسي، من أجل المثول أمام القضاة، بيد أنها رفضت في العاشر من مارس الماضي تلبية الاستدعاء، بحجة حصانتها البرلمانية.
عداء مستمر..

ووفق مجموعة من المحللين السياسيين، فإن الصدى الذي وجده حزب مارين لوبان إلى الآن، يرجع إلى خطابها الذي يركز على عداء المهاجرين، وخوف الفرنسيين من اتساع ظاهرة المتطرفين وسط الجالية المسلمة، خاصة مع تحذير الإعلام الفرنسي المستمر مما يسميه خطر عودة الجهاديين الفرنسيين الذين تطوعوا للقتال إلى جانب الجماعات المسلحة المتشددة في سوريا والعراق.
عدوانية لوبان، وصلت حد عدائها لأبيها، وهو التصرف الذي أثار جدلا واسعا في الأوساط الفرنسية وتساؤلات عن أهداف وإستراتيجية هذا الصراع السياسي، بين الأب وابنته، التي تجري وراء القضاء على والدها سياسيا إلى الأبد.
وما يعزز هذا الصراع الذي كان في البداية، خفيا، هو خروجه إلى العلن، وإعلانها عن عقد اجتماع لإدارة الحزب في باريس، من أجل البث في مصير ومستقبل والدها السياسي، واستبعاده بشكل كلي من الحزب الذي كان قد أسسه قبل أكثر من أربعين سنة.
وتعود تفاصيل هذا الصراع العائلي، إلى تصريحات لوبان الأب حول غرف الغاز التي أقامها النازيون بفرنسا، والتي قال عنها إنها «ليست إلا إحدى تفاصيل التاريخ»، مدافعا عن الماريشال فيليب بيتان، رئيس الحكومة الفرنسية إبان احتلال الحكم النازي الألماني لفرنسا، وقال إنه كان في الواقع وطنيا مثاليا.
هذه التصريحات وفق وسائل إعلام فرنسية، أقلقت الابنة ورئيسة الحزب مارين لوبان ودفعتها إلى دعوته اعتزال الحياة السياسية والزعامة الفخرية للحزب طوعا، معارضة في الصدد ذاته، ترشحه للانتخابات الإقليمية في منطقة جنوب شرق مرسيليا.
صراع الأب والابنة..

وترى مارين لوبان أن والدها لا يخدم بتصريحاته الاستفزازية المتكررة مصالح الحزب اليميني وإنما يسعى إلى تخريبه وسيجعل الحزب ينفجر داخليا. لكن لوبان الأب، السياسي اليميني المعادي للمهاجرين، أكد أنه لن يتخلى بطواعية عن منصبه وينوي الدفاع عن نفسه والرد على دعوة اعتزال العمل السياسي التي أطلقتها ابنته مارين، وصرح للقناة التلفزيونية «بي إف إم» الفرنسية أنه يتحدى ابنته وأضاف: «إنها تريد موتي سياسيا، فعليها الآن ألا تعول على دعمي لها»، وأن «السيدة لوبان تنسف حزبها… ولست أنا من ينتحر بل هي» وأعرب جان ماري لوبان عن «صدمته» لرد فعل ابنته.
وذهب بعض المتتبعين للشأن السياسي في فرنسا، إلى القول، بأن هذا الصراع السياسي بين الأستاذ والتلميذة، شبيه بالصراع التاريخي لعائلة بورجيا في القرن الـ16، أو ما كان يحدث في روما القديمة من صراعات عائلية للاستحواذ على السلطة، إذ هناك من اتجه بعيدا، من أجل معرفة، موقف حفيدة جون ماري لوبان العضوة البرلمانية ماريون ماريشال لوبان من صراع العمة مارين لوبان والجد جان ماري لوبان، في سخرية من هذا المشهد الدرامي.
وبهذه المناسبة، قال يانيك جادوت، النائب الأوروبي وعضو حزب الخضر، إن مارين لوبان تستغل هذا الصراع العائلي من أجل إعادة هيكلة الحزب وتحديثه، مضيفا في تصرح صحافي له، أن «الحزب لا يزال يحتفظ بنفس الإيديولوجية التي يلمسها في أعضائه بالبرلمان الأوروبي والمتمثلة في معاداة السامية والمثليين، إضافة إلى أن مارين لوبان وجان ماري لوبان ينتقدان بشدة الاتحاد الأوروبي كلما أتيحت لهما الفرصة في البرلمان الأوروبي».
وزاد جادوت، موضحا، أن «الجبهة الوطنية تسلك إستراتيجية مزدوجة، ففيما يحظى الأب جان ماري لوبان بشعبية كبيرة في صفوف القوميين والمقاتلين الأسبقين في الجزائر تسعى ابنته مارين لوبان إلى إعطاء الحزب صورة أكثر اعتدالا، والآن حان الوقت لتوجيه ضربة قاضية للأب ودفعه إلى «موت سياسي» واستقالته من الحزب الذي أسسه والتخلي عن مسؤولياته السياسية».
والعنصرية التي تتميز بها اليوم ماري لوبان، هي وليدة ممارسات شاذة منذ الصغر، تغذتها من طرف أبيها، الذي كان يلقنها دروسا خاصة في العدوانية والكره، ونبذ المختلفين عنا، لاسيما العرب والمسلمين، وهو ما جعلها تتميز بالمكر والخداع والقسوة على الآخر.
ومن بين الصور التي لازالت تحتفظ بها ذاكرة لوبان، وكانت سببا إضافيا في تشجيعها على العنصرية، هو تدمير واجهة بناية العائلة التي كانت تسكنها في باريس خلال الحرب العالمية الثانية، معلقة على هذا المشهد، في لقاء صحافي مع مراسل نيويورك تاميز سنة 2011، «أدركت حينها أن السياسة قد تكلفك حياتك».
الظهور الرسمي..

ظهور لوبان الرسمي بفرنسا، كان بالتحديد، خلال الانتخابات الرئاسية لسنة 2012، مباشرة بعد ترأسها للحزب، إذ استطاعت أن تحصل على أكثر من 18% من أصوات الناخبين في الدور الأول، منافسة بذلك الزعيمين التقليديين نيكولا ساركوزي وفرانسوا هولاند، اللذان تحالف ضدها، في اتفاق على التصدي لمرورها للدور الثاني، ومحاصرة خطابها العدائي والعنصري.
بيد أن ترشحها في انتخابات الرئاسة، جعلها تخرج إلى العلن، وفسح المجال أمام مسارها السياسي، خصوصا وأن الحديث عن الجبهة الفرنسية لم يعد من ترف النقاش الأيديولوجي، بل الحزب بات منافسا شرسا لباقي الأحزاب الأخرى بفرنسا، نظرا للخطاب العدائي الجديد-القديم الذي أحيته رئيسة حزب العائلة.
فبعد أقل من عام من تقلدها رئاسة الحزب استطاعت مارين أن تعيد الجبهة الوطنية إلى الساحة السياسية والإعلامية بعد غياب استمر سنوات مع أبيها، سببته هزيمة كبيرة مني بها في الانتخابات التشريعية والرئاسية سنة 2007، وهو ما جعل الحزب يراهن خلال انتخابات سنة 2012 على المرور للدور الثاني دون الطموح إلى اعتلاء كرسي الرئاسة بقصر الإليزيه.
وكانت من بين إحدى المهام الرئيسية التي سطرتها مارين لوبان في برنامجها الحزبي، هو تحسين صورة حزبٍ طالما اتهم بمعاداة السامية، وشكل الفرنسيون المعادون للهجرة والكاثوليك المحافظون النواة الصلبة لأعضائه، وضم في صفوفه في وقت ما حتى فرنسيين كانوا يصنفون أنفسهم صراحة بأنهم فاشيون.
دون أن تتنكر لأبيها -الذي عرف بتصريحاته النارية ضد اليهود والعرب الذين قال عنهم «أُحبهم لكن عندما يكونون في ديارهم»- تقر مارين بأن «علي إصلاح ذات البين بين الشعب الفرنسي والجبهة الوطنية».
لازمتيْن ظلتا تترددان في خطب لوبان، أولاهما الهجرة، رغم أن مارين تؤكد أنها لا ترفض الهجرة كظاهرة، وأن المهاجرين مرحب بهم بشرط الاندماج في الثقافة الفرنسية. واللازمة الثانية تتجلى في تحذيرها من خطر الإسلام الذي يهدد الثقافة الفرنسية، بحسب أطروحتها العنصرية والمتطرفة.
وتشير تقارير إعلامية أن لوبان عندما تدافع عن الإجهاض والمثلية الجنسية، فإنها تفعل ذلك باسم الدفاع عن قيمٍ علمانية يهددها المسلمون، الذين لم تتردد عام 2010 في تشبيه صلاتهم في الشارع بالاحتلال النازي لفرنسا، خصوصا في الأعياد و أيام الجمعة، فالإسلام وفقها، هو الشمولية الأخرى، مثله مثل العولمة.
ومن التعليقات العنصرية الأخرى، التي خصت بها لوبان الإسلام، نذكر إلحاحها على ضرورة أن يكون الإسلام فرنسيا، معتبرة أن ذلك له ارتباط بسيادة الدولة، الأمر الذي يجعل مثل هذه التصريحات العدائية، المتسمة بالراديكالية والتعصب، اتجاه الأجانب، وخاصة الجالية المسلمة في فرنسا، تعطي صورة سيئة عن حزب الجبهة الوطنية، الذي لازالت خطاباته حبيسة الأفكار والمواقف العنصرية لمؤسس الحزب جون ماري لوبان.
واستنادا إلى هذه الملاحظة، فإن ابنة لوبان، أو ما يطلق عليها بالمرأة التي تلهث وراء السلطة، لا تجد مواضيع ونقط أخرى عملية من الممكن أن تبني عليها خطابها الانتخابي، إلا بالانتقاد الجارح للمسلمين والعرب، ومهاجمة جميع المهاجرين المستقرين بالمدن والقرى الفرنسية.
هزيمة نكراء..

وفي سياق زماني مغاير، وهذه المرة، الانتخابات الرئاسية، لشهر أبريل، من سنة 2017، عاد اسم ماري لوبان المثير للجدل إلى العلن، وذلك أثناء الحملة الانتخابية، ومسلسل التصويت، حيث انفجرت فضيحتان من العيار الثقيل، تتجلى الأولى كما سلف الذكر، في متابعة مديرة مكتبها، واتهامها شخصيا، بدفع رواتب شهرية تقدر بآلاف اليوروات لبعض النواب بصفتهم مستشارين لها، وذلك بين سنوات 2010 و2016.
ومن جهة أخرى، بادر البرلمان الأوروبي يوم 2 مارس 2017 برفع الحصانة عنها، بعد نشرها صورا لأشخاص قطع تنظيم الدولة رؤوسهم وأحرقت أجسادهم، وهو ما جعل البعض يستغرب لمثل هذا التصرف الذي أقدمت عليه زعيمة حزب سياسي بفرنسا، في الوقت الذي اعتبره آخرون تصرف منتظر من شخصية سمتها البارزة والأساسية التطرف والعدوانية.
وبحسب ما أظهرته نتائج انتخابات سنة 2017، فإن الخطاب العدائي للوبان وجد طريقه لدى الناخبين الذين صوتوا في الاقتراعات، وهو ما جعلها تمر إلى الدور الثاني، مواجهة بذلك، الرئيس الحالي لفرنسا، إمانويل ماكرون، عن حركة السير إلى الأمام.
ووعدت مارين لوبان الناخبين الفرنسيين بدولة دون عولمة، واعتماد اقتصاد قوي وتعزيز الوطنية وحب الوطن، ولكن في المقابل وعدتهم بفرنسا دون أجانب، ودون عملة اليورو، ودون أوروبا ما عدا الشراكة مع الرئيس الروسي بوتين، الذي يمول رئيسة حزب الجبهة الوطنية، والذي يرى في مارين لوبان زعيمة وطنية قديرة ومناضلة ضد سياسة الغرب.
وسجلت النتائج النهائية للجولة الأولى للانتخابات الرئاسية الفرنسية يوم 23 أبريل 2017، حصول ماكرون على 23.75% من الأصوات، بينما حصلت لوبان على 21.53%، والمرشح المحافظ فرانسوا فيون 19.91%، في حين حصل المرشح اليساري جان لوك ميلانشون على 19.64%.
وبعد نجاحها في الوصول إلى الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، أعلنت لوبان يوم 24 أبريل 2017، تنحيها عن رئاسة الجبهة الوطنية، وقالت للتلفزيون الفرنسي إنها تريد أن تكون فوق الاعتبارات الحزبية.
وفي الجولة الثانية من الانتخابات، وطبقا للنتائج الرسمية التي أعلنتها وزارة الداخلية الفرنسية بعدما انتهت تقريبا من فرز الأصوات، حصل ماكرون على 66.6% من الأصوات الصحيحة بعد فرز جميع أصوات الناخبين البالغ عددها 47 مليونا باستثناء 0.01%. حيث أقرت منافسته مارين لوبان بهزيمتها النكراء.
وسعيا لتأكيد سلطتها بعد أن منيت بالهزيمة أمام الرئيس إيمانويل ماكرون في 2017 دعت لوبان، إلى تغيير اسم حزب الجبهة الوطنية الفرنسي إلى «حزب التجمع الوطني»، وكذلك في محاولة من الحزب للنأي بنفسه عن سمعة لدى الكثير من الناخبين بأنه حزب عنصري ومعاد للسامية وفي مسعى لتسهيل التحالف مع أحزاب أخرى.

> إعداد: يوسف الخيدر

Related posts

Top